لم أفاجأ بقراءة المقابلة في “يديعوت احرونوت” مع رئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية العميد درور شالوم، الذي ينهي مهام منصبه. فقبل سنة بالضبط التقى شالوم مع يوآف ليمور في عدد صحيفة “إسرائيل الأسبوع” وقال أمورا مشابهة. ما أذهلني في حينه، وهذه المرة أيضا، كان الهدوء غير المفهوم الذي استقبلت فيه أقوال صاحب هذا المنصب الحساس. يتنكر شالوم، بشكل ثابت، لمواقف حكومات نتنياهو. يخيل لي أنه لا يوجد ضابط يظهر في أحيان قريبة في الكابينت السياسي الأمني وفي لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أكثر من رئيس دائرة البحوث. هذا هو الرجل الذي يرى المادة الحساسة، الذي يعمل على تحليلها، ويرفع استنتاجاته لأصحاب القرار. لا يستطيع أي أحد أن يتجاهل اقواله. قبل سنة حذر من وقف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وباتت هذه هذا العام حقيقة ناجزة. قبل سنة قضى بأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران يدفع بإسرائيل لأن تعود لتستثمر المقدرات في هذه المسألة. وقبيل اعتزاله يشدد انتقاده في هذا السياق.
إن الادعاء الذي يتشارك فيه عدد غير قليل من كبار رجالات جهاز الأمن، هو أن نتنياهو دفع ترامب للانسحاب من الاتفاق، في قول عديم الأساس بأن الحديث يدور عن اتفاق كارثي مزعوم دون أن تكون إيران خرقته بشكل يبرر الخطوة الأمريكية.
عندما يقول العميد شالوم أن تعزيز السلطة الفلسطينية هو مصلحة أمنية إسرائيلية، فانه يشدد على أن هذا ليس قولا سياسيا. صحيح أنني لا اعتقد أن حل السلطة كفيل بأن يخلق حاجة عاجلة لاستئناف الاتصالات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن من يفضلون إدارة النزاع وليس حله، وعلى رأسهم نتنياهو، ينبغي أن يستمعوا جيدا لأقوال الضابط المقدر. فعدم الاكتراث الظاهر في ضوء القطيعة بيننا وبين السلطة الفلسطينية، والاستخدام لتبجحات مثل “السلام مقابل السلام” (وكأنه يمكن ومرغوب فيه استخدام هذا “الابتكار” لحل النزاع مع الفلسطينيين أيضا)، تعزز بشكل كبير فرص تشديد التوتر في الضفة الغربية. ولكن أقوال العميد شالوم في الموضوع الإيراني أبعد اثرا بكثير وتتناقض بشكل مطلق مع محاولات نتنياهو عرض انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقها واتفاق الدول الخمس الكبرى الأخرى كإنجاز سياسي كبير.
يدعي شالوم بأنه “لم يثبت بعد أن الخروج من الاتفاق النووي خدم إسرائيل (الإيرانيون) لم يتجاوزوا حافة العشرين في المئة تخصيب ولكنهم تقدموا في البحث والتطوير، وهكذا قصروا مدة القفز إلى القنبلة”. وهو يتكبد عناء الاشارة إلى أنه “في الاتفاق النووي، على نواقصه – كان أيضا مجالا للتأثير على مواضيع أخرى وكان من الصواب العمل على إصلاحه”.
إن الادعاء الذي يتشارك فيه عدد غير قليل من كبار رجالات جهاز الأمن، هو أن نتنياهو دفع ترامب للانسحاب من الاتفاق، في قول عديم الأساس بأن الحديث يدور عن اتفاق كارثي مزعوم دون أن تكون إيران خرقته بشكل يبرر الخطوة الأمريكية. إن التقدير المغلوط لترامب (ولنتنياهو) كان في حال انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق وعادت، وحدها إلى نظام العقوبات، فسيأتي الإيرانيون راكعين مستجدين إعادة فتح المفاوضات.
إيران لم تأت راكعة. وهي تنجح في البقاء رغم القرار الأمريكي. بينما الولايات المتحدة فقدت الرافعة التي كانت لها حتى انسحابها.
ولكن إيران لم تأت راكعة. وهي تنجح في البقاء رغم القرار الأمريكي. بينما الولايات المتحدة فقدت الرافعة التي كانت لها حتى انسحابها. أمريكا ترامب لم تعد اي بديل مرتب، ولم تنضم اليها أي دولة أخرى من الدول الخمس التي وقعت على الاتفاق. وهكذا أصبح الوضع في السنوات الأخيرة، منذ انسحاب الولايات المتحدة أكثر خطورة على العالم بالعموم وعلى إسرائيل بالخصوص، بدلا من أن يتحسن.
معقول الافتراض أن جو بادين، إذا ما انتخب رئيسا للولايات المتحدة، سيجري تغييرا جوهريا في موقف الأمريكيين من الاتفاق مع إيران، وسيضع شروطا تقود إلى تعديلات معينة، في ظل عودة الولايات المتحدة إليه. ولكن مع ترامب كرئيس من شأن إسرائيل أن تدفع ثمن مشورة نتنياهو السيئة، وفي هذا الوضع سيكون من الافضل لرئيس الوزراء أن يعيد تجنيد قدراته الاقناعية. هذه المرة – كي يحمل ترامب على العودة إلى الاتفاق وإصلاح ما هو حيوي فيه حقا.
القدس العربي