أشعل شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 الشرارة الأولى للاحتجاجات العراقية المطالبة بتغيير الطبقة السياسية، التي رأى الشعب العراقي أنها عاجزة عن تحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمات الأساسية والحد من نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
ورغم مرور عام كامل، لم يتحقق “أي إصلاح” وفق المتظاهرين، فضلاً عن أن البرلمان الذي يهيمن عليه نواب موالون لإيران لم يصوت بعد على قانون الدوائر الانتخابية أو على ميزانية عام 2020، وهما من ضمن المشاريع الرئيسة للحكومة.
ومرت “ثورة أكتوبر” العراقية بمراحل مختلفة، فهي بدأت بشكل عفوي واستمرت عدة أشهر قبل أن تتوقف، وقد أسفرت عن مقتل نحو 600 شخص وإصابة 30 ألفاً بجروح، وفقاً لوكالة فرانس برس.
ففي الأول من هذا الشهر العام الماضي، استجاب أكثر من ألف شخص لدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي في بغداد ومدن الجنوب ذات الأغلبية الشيعية للاحتجاج على الفساد والبطالة وسوء الخدمات العامة.
واستخدمت شرطة مكافحة الشغب خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين.
إغلاق المنطقة الخضراء
ومع استمرار الاحتجاجات أغلقت السلطات في 2 أكتوبر المنطقة الخضراء التي تخضع لحراسة مشددة في بغداد، والتي تضم مقرات مؤسسات الدولة العليا والسفارة الأميركية.
في 3 أكتوبر، تحدى الآلاف قرار حظر التجول في مدن عدة لكن الدبابات وقفت في طريقهم. وقطعت خدمة الإنترنت في معظم أنحاء البلاد.
ودعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الحكومة إلى الاستقالة وإجراء “انتخابات مبكرة”. وبعد يومين، أعلن مجلس الوزراء عن توزيع أراض وتوفير رفاه اجتماعي وإصلاحات لمكافحة الفساد.
لكن الاحتجاجات استؤنفت في 24 أكتوبر، قبل يوم من الذكرى السنوية الأولى لتولي عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء. وفي اليوم التالي، قُتل أكثر من 40 متظاهراً، معظمهم في جنوب البلاد.
وقضى عدد كبير من المحتجين بسبب حرائق، أو جراء إصابتهم بالرصاص أثناء مهاجمتهم مقر الحشد الشعبي الذي تهيمن عليه فصائل شبه عسكرية موالية لإيران. وفي 28 أكتوبر، تجمع طلاب وأساتذة وتلاميذ مدارس في بغداد والمدن الجنوبية.
إضرام النار في القنصلية الإيرانية
في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، حذر المرجع الشيعي علي السيستاني من التدخل الأجنبي في العراق. لكن بعد محادثات جرت في التاسع من الشهر ذاته، شارك فيها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، اتفق كبار القادة على إبقاء الحكومة، وفق ما ذكرته وكالة فرنس برس.
وبعد إضراب واسع النطاق واستمرار التظاهرات، أضرم محتجون في 27 نوفمبر النار في القنصلية الإيرانية في مدينة النجف. وفي اليوم التالي، قتل 46 متظاهراً وأصيب نحو ألف في أنحاء العراق.
وفي 29 نوفمبر، دعا السيستاني إلى تشكيل حكومة جديدة، واستقال عبد المهدي في الأول من ديسمبر (كانون الأول). في 6 ديسمبر، دعا السيستاني إلى تعيين رئيس وزراء جديد دون تدخل خارجي.
وقُتل ما لا يقل عن 20 متظاهراً وأربعة عناصر من الشرطة في بغداد عقب مهاجمة مسلحين مبنى كان متظاهرون مناهضون للحكومة يعتصمون فيه منذ أسابيع.
تصاعد الاحتجاجات واغتيال سليماني
في 13 ديسمبر، حضت منظمة العفو الدولية بغداد على وقف ما وصفته بـ”حملة ترهيب تستهدف المحتجين”. وبدأت الاحتجاجات تتصاعد في 22 ديسمبر.
في 3 يناير (كانون الثاني) 2020، اغتيل سليماني والقيادي الموالي لإيران أبو مهدي المهندس في بغداد بضربة أميركية.
وفي وقت لاحق، توقفت الاحتجاجات وسط توتر بين واشنطن وطهران.
لكن في 10 يناير، احتشد آلاف العراقيين في أنحاء البلاد واستؤنفت الاحتجاجات لعشرة أيام. إلا أن قوات الأمن بدأت تفرق المتظاهرين بالذخيرة الحية.
في الأول من فبراير (شباط)، اختير محمد علاوي لتشكيل حكومة جديدة. لكنه أعلن عدم تمكنه من ذلك بعد شهر إذ لم يكتمل النصاب للتصويت على الثقة في البرلمان.
في 17 مارس (آذار)، كُلف المحافظ السابق لمدينة النجف عدنان الزرفي تشكيل حكومة، لكنه واجه إجماعاً سياسياً نادراً ضده فانسحب.
تكليف الكاظمي تشكيل الحكومة
في 9 أبريل (نيسان)، كُلف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي تشكيل حكومة وأدى اليمين الدستورية بعد شهر.
في 31 يوليو (تموز)، حدد الكاظمي موعداً لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 6 يونيو (حزيران) 2021، أي قبل عام تقريباً من الموعد المحدد.
الذكرى الأولى للانتفاضة
في 25 أكتوبر، في الذكرى الأولى للانتفاضة المناهضة للحكومة، توجه آلاف العراقيين إلى ساحة التحرير ومحيط المنطقة الخضراء، في محاولة لتجديد حركة الاحتجاج.
وأبقى المتظاهرون على مطلبهم الرئيس، وهو رحيل كامل الطبقة الحاكمة التي يتهمونها بالفساد، وبأنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي.
وقال مسؤولون أمنيون إن قوات الأمن العراقية اشتبكت مع متظاهرين مناهضين للحكومة في بغداد الأحد. وأسفرت الصدامات التي تخللها رشق الحجارة وقنابل غاز وأخرى صوتية وضرب بالهراوات، عن إصابة نحو 50 شخصاً من المتظاهرين وقوات الأمن، حسب مصادر أمنية وطبية.
وكرر رئيس الوزراء العراقي أنه أمر قوات الأمن بعدم استخدام السلاح ضد المتظاهرين. وما زال خطر عودة العنف قائماً في العراق الذي عاش حروباً وصراعات استمرت لعقود، بخاصة مع تواصل مساعي جماعات مسلحة لفرض نفوذها في هذا البلد الذي تنتشر فيه فصائل تتحدى سلطة الحكومة.
فاديا السيد
اندبندت عربي