استغرق الأمر 12 شهرا لأكبر 40 شركة مدرجة في فرنسا لتوليد 82 مليار يورو في صافي الأرباح العام الماضي. وستة أشهر فقط لتلك الأرباح لتتبخر في حرارة الوباء. أظهر تحليل أجرته شركة المحاسبة، إي واي EY ، أن الشركات المدرجة على مؤشر كاك ـ 40 الفرنسي سجلت مجتمعة أرباحا صافية صفرية في النصف الأول من هذا العام. هذه مجرد إحصائية واحدة مذهلة في قائمة طويلة تسلط الضوء على الدمار الذي أحدثه كوفيد – 19 في الاقتصاد العالمي وفي الشركات التي تحافظ على استمرار ذلك الاقتصاد.
بحلول نيسان (أبريل) – بعد أربعة أشهر فقط من أول حالة مسجلة لكوفيد – 19خارج الصين – تم إيقاف 90 في المائة من طائرات الركاب في العالم. وانخفض ناتج التصنيع العالمي 20 في المائة في الشهر نفسه، وفقا للبنك الدولي. وبين نيسان (أبريل) وحزيران (يونيو)، فقد ما يعادل 400 مليون وظيفة بدوام كامل. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينكمش الاقتصاد العالمي 4.5 في المائة هذا العام، قبل أن يعود إلى النمو في 2021.
لكن عندما يعود، هل سيكون مدفوعا بالقوى نفسها أم أن الفيروس غير أنماط إنفاق المستهلكين بشكل أساسي؟ أي القطاعات ستكون الرابحة وأيها الخاسرة من هذا الاضطراب غير المسبوق الذي أصاب الاقتصاد العالمي؟
للوهلة الأولى، يبدو الفائزون واضحين. إنها شركات التكنولوجيا – مثل فيسبوك وأمازون ومايكروسوفت وجوجل – التي تبقي كثيرا من الناس على اتصال، وتمكنهم من التسوق والعمل حتى أثناء وجودهم في منازلهم. وكذلك شركات البث الإعلامي، التي أمتعت كتالوجات أفلامها الملايين غير القادرين على تناول الطعام في الخارج، أو السفر، أو الذهاب إلى السينما. وشركات الأدوية التي تتسابق لتطوير لقاحات أو علاجات.
وفقا لدراسة أخرى للبنك الدولي، الدول التي عانت كوفيد – 19 (التي تم تعريفها على أنها الدول التي سجلت عشر حالات على الأقل) شهدت ارتفاعا بنسبة 46 ـ 77 في المائة في خدمات المعلومات والاتصالات. من المتوقع أن تقفز عمليات الشراء عبر الإنترنت في الولايات المتحدة 18 في المائة لتصل إلى 710 مليارات دولار، وفقا لمجموعة إي ماركتر للأبحاث، ما يعزز قطاعات أخرى مثل الخدمات اللوجستية.
الخاسرون بلا شك كانوا صناعات الطيران والسفر والترفيه. الدراسة نفسها التي أجراها البنك الدولي وجدت انخفاضا بنسبة 67 ـ 79 في المائة في الطلب على خدمات الفنادق والمطاعم في الدول التي يوجد فيها ما لا يقل عن عشر حالات مؤكدة لكوفيد – 19. من الصعب تحويل ليلة في فندق أو عطلة نهاية أسبوع في باريس إلى تجربة عبر الإنترنت، مقارنة بأن تستبدل بليلة في السينما أمسية على نتفليكس.
مع ذلك، الإحصائيات الخاصة بكوفيد – 19 لا تظهر الصورة كاملة، كما يجادل بهيج الريس، الشريك في شركة كيرني للاستشارات الإدارية. ارتفاع معدلات البطالة لن يؤثر في إنفاق المستهلكين فحسب، ولكن حتى نهاية كوفيد – 19 نفسها لا تعني بالضرورة نهاية حالة عدم اليقين.
يقول: “لدينا سلسلة من الأزمات تتراكم على بعضها بعضا. لدينا حالة من عدم اليقين بسبب بريكست، والركود، وتغير المناخ”. سيكون المستهلكون أكثر تمييزا بشأن كيفية إنفاق أموالهم في أي قطاع، حتى على التكنولوجيا.
يوافق جوردان شتراوس، وهو عضو منتدب في ممارسة ذكاء الأعمال والتحقيقات لدى شركة كرول الاستشارية. في بداية الوباء ساعد شتراوس على إنشاء “خريطة الحرارة” الخاصة بكوفيد – 19 – لوحة معلومات توضح التأثير الاجتماعي والاقتصادي للوباء عبر 61 منطقة وعشرات القطاعات. من خلال تتبع التقارير العامة والتنظيمية، تحاول خريطة الحرارة إبراز الاتجاهات المتغيرة لسلوك المستهلكين والشركات في أعقاب كوفيد – 19.
يقول شتراوس إن الفكرة الرئيسة هي أن أي شخص ينتج منتجات “قابلة للتأجيل” “سيتعرض لخسارة مدمرة”. يضيف: “انظر قليلا تحت السطح وستجد أن هناك الكثير من الألم. سيكون هناك بعض الفائزين الكبار حقا، لكن الجميع سيعانون التداعيات نفسها من اقتصاد كارثي”.
يشير إلى أن هذا ينطبق على جميع القطاعات من التكنولوجيا والأدوية إلى الفنادق والسفر. يمكن لشركات الأدوية التي تنتج منتجات تقديرية أن تجد أن المستهلكين لم تعد لديهم الرغبة في الإنفاق على الضروريات الباهظة الثمن. ربما لن يعود من الممكن اعتبار الساعات الذكية ضرورية مثل الهواتف الذكية – التي هي الآن أداة حيوية في الحياة اليومية.
سيكون الاتجاه الواعي للقيمة مؤلما بشكل خاص في صناعة السفر، حيث يمثل عملاء الشركات ذوو الرواتب المرتفعة حصة غير متكافئة من الأرباح. في صناعة الطيران، مثلا، المسافرون من رجال الأعمال “هم المحرك لنسبة تقع بين 55 و75 في المائة من أرباح أفضل شركات الطيران، لكنهم يمثلون أقل من 10 في المائة من الركاب”، كما يقول روك خانا، وهو شريك أعلى في شركة ماكينزي.
لكن الكثيرين يكتشفون الآن فوائد مؤتمرات الفيديو مع البقاء في المنزل. وجدت دراسة استقصائية أجرتها شركة ماكينزي في 14 دولة أن 70-80 في المائة من صانعي القرار يخططون لزيادة التركيز على البيع الرقمي والبيع عن بعد، بدلا من التفاعل وجها لوجه.
يقول خانا إن أي قطاع يعتمد على أعمال الشركات “سيتعين عليه اكتشاف أنموذج أعمال يكون دلالة على وضعية طلب مختلفة تماما”. بالنسبة للفنادق هذا يمكن أن يعني تسويق الغرف كمساحات عمل مؤقتة. في قطاع الطيران تتمتع الشركات منخفضة التكلفة بميزة على شركات الطيران العريقة التي تكافح مع ممارسات العمل الراسخة والمكلفة.
سكوت ديفيز، الرئيس التنفيذي لشركة مليوس ريسيرش، وهي بيت أبحاث متخصص في الأسهم، يقول إن كثيرا من القوى التي يتوقع أن تؤثر في المستهلكين – مثل الرغبة في المنتجات المستدامة، أو استخدام مؤتمرات الفيديو أو البيع بالتجزئة عبر الإنترنت – كانت أصلا قيد التنفيذ قبل الوباء “كل ما في الأمر أن هذا اضطرها كي تحدث بشكل أسرع”.
النبأ السار للعالقين في الجيشان هو أن ديفيز يرى بصيص انتعاش في العالم الصناعي، الذي كان عليه إعادة تشكيل المصانع لضمان استمرار الإنتاج حتى خلال أسوأ حالات الوباء.
يقول: “التعافي الكلي يسير على قدم وساق ويسير متقدما على التوقعات. انخفضت المخزونات كثيرا ودفاتر الطلبات في وضع جيد للغاية”. وعندما تبدأ قطاعات كبيرة من الاقتصاد في التعافي “ستجذب معها الجميع إلى الأعلى. لدي آمال كبيرة”.
بيجي هولينجر
الاقتصادية