في ضوء الدافع الرئيسي الذي اعتمدت عليه سياسة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب تجاه إيران، ليس من الغريب أن هذه السياسة كانت سيئة طوال مسارها وحتى نهايتها الآن. فلم تعتمد هذه السياسة على أي تقديرات بشأن ما هو الأفضل لتعزيز سبل الحد من الانتشار النووي، أو الحد من تصعيد الصراعات في الشرق الأوسط، أو غيرها من المصالح الأمريكية، ولكنها كانت قائمة على أساس اضطرار ترامب لعمل عكس كل ما قام به باراك أوباما .
ويقول بول بيلار، الأستاذ الجامعي الذي عمل طوال 28 عاما في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في تقرير نشرته مجلة “ذا ناشونال انتريست” الأمريكية، إن إنجاز السياسة الخارجية البارز الذي يحسب لأوباما كان الدبلوماسية التي أدت إلى التوصل لاتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة (المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني)، وهو الاتفاق الدولي الذي أغلق كل المسارات الممكنة أمام إنتاج سلاح نووي إيراني. ومن ثم كان يتعين على ترامب التخلص من هذا الاتفاق.
ولم تكتف إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، إنما شنت طوال العامين ونصف عام الماضيين حربا اقتصادية مطلقة ضد إيران. وكان ذلك وقتا كافيا للغاية لأن تسفر سياسة ” الضغط القصوى” التي اتبعها ترامب ضد إيران عن نتائج إيجابية، هذا إذا كان من الممكن أن تسفر عن أي نتائج. وبدلا من ذلك فشلت تلك السياسة على كل الجبهات.
وقال بيلار إنه بدلا من أي اقتراب للتوصل إلى ” اتفاق أفضل” بشأن القضايا النووية، وسعت إيران من نطاق نشاطها النووي لدرجة أنها قامت بتخزين 12 ضعف كمية اليورانيوم المخصب التي كانت تمتلكها في ظل قيود الاتفاق النووي، وبدأت في استخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تقدما لتحقيق المزيد من التخصيب.
وبدلا من كبح الأنشطة ” الشريرة ” لإيران في المنطقة، استفزت سياسات ترامب إيران مما دفعها للانتقام، خاصة، بمهاجمة المنشآت النفطية لدول أخرى- وهو أمر لم يكن لدى إيران أي دافع على الإطلاق للقيام به قبل حرب أمريكا الاقتصادية، ومحاولتها تدمير تجارة إيران النفطية. وبدلا من أن تؤدي سياسات ترامب إلى أن تكون هناك قيادة سياسية إيرانية أكثر قبولا، شوهت سمعة القيادات الأكثر قبولا وعززت موقف المتشددين في طهران.
ورغم كل ذلك الفشل، ما زالت الإدارة الأمريكية تواصل حتى النهاية سياسة الضغط القصوى، وتحاول إيجاد المزيد من المؤسسات الإيرانية لفرض عقوبات عليها رغم أن العقوبات أصبحت الآن هائلة بالفعل لدرجة أن إضافة أي عقوبات أخرى عليها لن تحدث أي فارق مميز.
وأوضح بيلار أنه قد تكون هناك عدة تفسيرات لهذا التمسك العنيد بالفشل. أحدها ببساطة غياب أي أفكار أفضل طالما أن رفض الاتفاق النووي الإيراني ما زال هو العقيدة الراسخة للإدارة الأمريكية. وهناك تفسير آخر وهو احتمال إيمان ترامب فعلا بفكرة أن مجرد ممارسة القليل من زيادة الضغط لفترة أطول قليلا ستقضي على إرادة الإيرانيين.
ومع ذلك، هناك تفسير آخر، وهو أنه في الحقيقة لم يفقد أي سياسي أمريكي أصوات الناخبين طالما كان متشددا تجاه إيران. وتحديدا يرى ترامب أن الدعم المطلق الذي تحظى به حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إسرائيل – التي لديها اسبابها الخاصة لاعتبار إيران على الدوام بعبعا في المنطقة ورفض أي دبلوماسية معها- هو جزء أساسي لقاعدته السياسية.
وهناك دافع أكثر تدبيرا بالنسبة للإدارة الأمريكية، ولأولئك الذين يتبعون برنامج نتنياهو الخاص بتعزيز المواجهة والعداء الدائم مع إيران، وهو بناء” جدار عقوبات” مرتفع للغاية، من شأنه أن يعرقل قدرة إدارة بايدن على العودة إلى الدبلوماسية، والإذعان للاتفاق النووي الإيراني، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي بارك هذا الاتفاق. ومن المؤكد أن هذا الكم الهائل من العقوبات سوف يمثل تعقيدا بالنسبة للإدارة الجديدة.
وقال بيلار إن شعور ترامب باليأس في نهاية ولايته من تحقيق أي شيء جديد يمكن اعتباره إنجازا أدى إلى أن يطلب خيارات عسكرية لمهاجمة منشأة إيران النووية الرئيسية في نطنز، ولكن تردد أن مساعديه أثنوه عن هذه الفكرة. ومن المؤكد أن أحد التفسيرات وراء تفكيره في هذا الهجوم هو تعقيد الأمور بالنسبة لإدارة بايدن. ورغم عدول ترامب عن القيام بهجوم على تلك المنشأة النووية الإيرانية، فإنه قد يعتمد على صديقه نتنياهو للقيام بالمهمة نيابة عنه.
واختتم بيلار تقريره بالقول إن تعامل ترامب عموما مع قضية إيران كان أحد الأمثلة الأكثر ضررا، ووضوحا، على إخضاع المصالح الأمريكية المتعلقة بقضية سياسة خارجية مهمة لأغراض حزبية وشخصية. كما أن تعامله مع هذه القضية أسهم بدرجة كبيرة في زيادة عزلة الولايات المتحدة وانتقاص مصداقيتها طوال السنوات الأربع الأخيرة. وقد لا يهتم ترامب بأي أمر من الأمور بمجرد أن يترك منصبه، لكن التأثيرات الضارة على مصالح الولايات المتحدة سوف تكوين طويلة المدى.
(د ب ا)