اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس، إسرائيل، بالوقوف خلف اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده، والسعي لإثارة «فوضى» في المنطقة قبل أسابيع من تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، مؤكداً في الوقت نفسه أن بلاده لن تقع في هذا «الفخ». وفي حين شدد روحاني على أن الرد سيكون «في الوقت المناسب»، أكد المرشد الأعلى علي خامنئي ضرورة «الثأر» و«معاقبة» المسؤولين عن الاغتيال ومواصلة نشاطات فخري زاده.
ودعت إيران، في رسالة إلى مجلس الأمن، للتدخل، وإدانة الحادث بشدة، معبرة من مخاوفها من ضربة أميركية إسرائيلية قبل انتهاء فترة الرئيس دونالد ترمب، مؤكدة أنها تحتفظ بحق الرد والدفاع عن النفس.
وقال روحاني في كلمة متلفزة، إن «الأمة الإيرانية أذكى من أن تقع في فخ المؤامرة الذي نصبه الصهاينة. هم يفكّرون بخلق فوضى، لكن عليهم أن يدركوا أننا كشفنا ألاعيبهم، ولن ينجحوا في تحقيق أهدافهم الخبيثة». وحذّر من سماهم بـ«أعداء» إيران من أن بلاده ومسؤوليها «أكثر شجاعة من أن يتركوا هذا العمل الإجرامي دون رد… في الوقت المناسب، سيردون على هذه الجريمة».
واغتيل فخري زاده، أول من أمس الجمعة، عندما نُصب له كمين قرب طهران، حيث تعرضت سيارته لوابل من النيران. وتم نقله إلى المستشفى، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. ويعدّ فخري زاده من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وكان يشغل منصب رئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع في وزارة الدفاع. وأدرجت وزارة الخارجية الأميركية اسمه على لائحة العقوبات عام 2008 على خلفية «نشاطات وعمليات ساهمت في تطوير برنامج إيران النووي»، واتهمته إسرائيل سابقاً عبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بالوقوف خلف برنامج نووي «عسكري» تنفي طهران وجوده.
وأشاد خامنئي بفخري زاده، مطالباً في بيان نشره موقعه الإلكتروني، «جميع المسؤولين أن يضعوا قضيّتين مهمّتين بجدّية على جدول أعمالهم. القضيّة الأولى تتمثّل في متابعة هذه الجريمة، والمعاقبة الحتميّة لمنفّذيها، ومن أعطوا الأوامر لارتكابها، والأخرى هي مواصلة جهود الشهيد العلميّة والتقنيّة في المجالات كافة التي كان يعمل عليها». ووجه المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي، رسالة في نسختين متطابقتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي مندوبة سانت فنسنت وغرانادين إنغا روندا كينغ، واصفاً الاغتيال بأنه «هجوم إرهابي»، مطالباً الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة هذا العمل الإرهابي اللاإنساني واتخاذ التدابير اللازمة ضد مرتكبيه.
وقال إنه «على مدار العقد الحالي، جرى استهداف واغتيال العديد من كبار العلماء الإيرانيين في هجمات إرهابية»، مضيفاً أن «أدلتنا الثابتة تشير بوضوح إلى أن جهات أجنبية معينة كانت وراء هذه الاغتيالات».
وقال إن «الاغتيال الجبان للشهيد فخري زاده – مع دلائل جدية على المسؤولية الإسرائيلية فيه – هو محاولة يائسة أخرى لنشر الخراب في منطقتنا، وتعطيل التطور العلمي والتكنولوجي لإيران»، معتبراً أنه «خلال الأعوام الأربعين الماضية، لم يكن بمقدور أي قدر من الضغوط والهجمات الإرهابية أن يمنعنا من تحقيق العلوم والتكنولوجيا اللازمة لتنميتنا الاجتماعية والاقتصادية».
وحذر من «أي إجراءات مغامرة من الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران، لا سيما خلال الفترة المتبقية من الإدارة الأميركية الحالية في السلطة»، معلناً أن إيران «تحتفظ بحقها في اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن شعبها ولضمان مصالحها».
من جهته حض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على «ضبط النفس» وعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يؤدي إلى «تصعيد التوتر» في الشرق الأوسط.
وقال الناطق باسم الأمم المتحدة فرحان حق، إن الأمين العام يحض على «ضبط النفس»، مشدداً على «ضرورة تجنب أي تصرفات من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد التوتر في المنطقة» بعد اغتيال فخري زاده.
وبينما تجنب البيت الأبيض ووزارتا الخارجية والدفاع (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إي» التعليق فوراً على الحادث، أفاد مسؤول أميركي – مع اثنين من مسؤولي الاستخبارات – بأن إسرائيل تقف وراء الهجوم على العالم، ولكن لم يوضح ما إذا كانت الولايات المتحدة على علم بالعملية مسبقاً، علماً بأن البلدين من أقرب الحلفاء ويتبادلان المعلومات الاستخبارية حول إيران.
في كل الأحوال، يمكن لاغتيال فخري زاده، بعد عشرة أشهر فحسب من اغتيال الولايات المتحدة قائد «فيلق القدس» لدى الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، في هجوم بطائرة بدون طيار في العراق، أن يعقد خطط الرئيس المنتخب جو بايدن لإعادة تنشيط خطة العمل المشتركة الشاملة، أي الاتفاق النووي مع إيران الموقع عام 2015.
وكان ترمب سأل كبار المستشارين في اجتماع بالمكتب البيضوي في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عما إذا كانت لديه خيارات لضرب الموقع النووي الإيراني الرئيسي في نطنز. ومنذ أن أقال ترمب وزير الدفاع مارك إسبر وغيره من كبار المساعدين الدفاعيين، عبرت وزارة الدفاع ومسؤولون آخرون عن الأمن القومي عن مخاوفهم من أن يأمر الرئيس ترمب بعمليات علنية أو سرية ضد إيران. وأبدى مسؤولون آخرون خشيتهم من أن يتحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بينما لا يزال ترمب في منصبه، علماً بأن وزير الخارجية مايك بومبيو ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، يعارضان توجيه ضربة عسكرية لإيران، على الرغم من أنهما يحذران باستمرار من «نشاطات إيران الخبيثة».
وأكد مسؤول أميركي كبير أن عملية القتل أثارت مخاوف من رد فعل إيراني ضد القوات الأميركية في المنطقة، لا سيما في العراق، حيث تعرضت القوات الأميركية المتمركزة هناك لهجمات من فصائل تدعمها إيران. وعندما أثار الرئيس ترمب هذا الشهر إمكان مهاجمة إيران لتعطيل برنامجها النووي، ضغط الجيش الأميركي ومسؤولون كبار آخرون لوقف خطوة كهذه، محذرين من انتقام محتمل ضد القوات الأميركية في المنطقة. ومع ذلك، كشف موقع «أكسيوس» الأميركي معلومات عن أن القوات الإسرائيلية تلقت تعليمات في الأسابيع الأخيرة للاستعداد لاحتمال أن توجه الولايات المتحدة ضربة إلى إيران قبل مغادرة ترمب البيت الأبيض. ونقل عن مسؤولين إسرائيليين كبار أن هذا الاعتقاد لا يستند إلى معلومات استخبارية محددة، لكنه كان بسبب توقع «فترة حساسة للغاية»، فيما لا يزال ترمب القائد الأعلى للجيوش الأميركية. وكتب مؤسس المجلس القومي الإيراني – الأميركي تريتا بارسي، وهو خبير في العلاقة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، سلسلة تغريدات أفاد فيها بأن إسرائيل «مشتبه به رئيسي» في اغتيال فخري زاده، لأنها تمتلك الخبرة والدافع للقيام به، قائلاً إن «القيام بهجمات في إيران له جوانب سلبية قليلة بالنسبة إلى إسرائيل في الوقت الحالي»، مما يمكن أن «يثير غضب إيران ويشعل صراعاً أوسع نطاقاً تنخرط فيه الولايات المتحدة، ويؤدي تالياً إلى مواجهة أميركية – إيرانية لطالما سعى نتنياهو إليها». ورأى أن الاغتيال سيعقد على الأرجح أي محاولة لإدارة بايدن لإحياء الدبلوماسية مع إيران، متوقعاً رداً إيرانياً على الاغتيال.
وغرد المدير السابق لـ«سي آي إي» جون برينان، واصفاً عملية القتل بأنها «عمل إجرامي ومتهور للغاية»، لأنها «تنطوي على مخاطر انتقام قاتل وجولة جديدة من الصراع الإقليمي»، مطالباً إيران بـ«انتظار عودة القيادة الأميركية المسؤولة» وعدم الرد. بينما قال كبير مسؤولي سياسة الشرق الأوسط السابق في «البنتاغون» مايكل مولروي، إن مقتل فخري زاده «انتكاسة لبرنامج إيران النووي»، موضحاً أن العالم الإيراني «كان أيضاً ضابطاً كبيراً في الحرس الثوري (…) وسيزيد ذلك من رغبة إيران في الرد بالقوة».
واعتبرت الخبيرة في الشؤون الإيرانية أريان طباطبائي، أنه «ليس هناك رجل واحد يدير البرنامج النووي الإيراني بالكامل»، علماً بأنه «كان لاعباً مهماً. ولكن أحد الأجزاء الأكثر أهمية في دوره كان تطوير البنية التحتية، وتدريب الآخرين، ليكونوا قادرين على مواصلة البرنامج»، مضيفة: «لن أتفاجأ إذا رأيت المزيد من الدفع داخل النظام للذهاب في اتجاه (امتلاك) سلاح نووي».
صحيفة العرب