نجحت إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب في بعثرة أوراق إيران، من خلال العقوبات المشددة التي استهدفت حزب الله اللبناني وشبكاته الخارجية، وأضعفت نفوذه في لبنان، في وقت لا تزال فيه الميليشيات الحليفة -الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق- تتحرك بحرية أكبر، في انتظار إستراتيجية الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
وما زالت صواريخ الحوثيين في اليمن قادرة على تهديد العمق السعودي، بينما تشكل الميليشيات الشيعية في العراق تهديدا بقدرتها على استهداف الأراضي السعودية ومصالح الرياض.
وتراجع نفوذ حزب الله في لبنان، كما خبت جذوة الحماس التي كانت تذكيها شعاراته في الشارع اللبناني، بعد أن غطت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على شعارات المقاومة ومواجهة إسرائيل، خاصة أن حزب الله شريك مؤثر في الحكومات التي تكونت في السنوات الأخيرة، وقادت لبنان إلى وضعه الصعب.
وفي حين أن شعارات حزب الله المكتوبة على اللافتات والملصقة على اللوحات الإعلانية تَعِد بالأمن والازدهار، إلا أن اللبنانيين لم يروا أيًّا منهما.ربما لا يزال أعضاء حزب الله يتلقون رواتب أعلى بكثير من المعدل المحلي، لكن مشاكل إيران المالية وما تلاها من تقليص دعمها لحزب الله دفعَا الحزب إلى تقليص مدفوعاته إلى النصف مما أدى إلى التذمر من الداخل والسخرية من الخارج.
وتقول أوساط لبنانية إن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ أشهر قد كشفت أن اللبنانيين ما عادوا يخافون من حزب الله وميليشياته المنتشرة في كل نقطة من نقاط المدن التي يسيطر عليها، لافتة إلى أن الحزب نجح أثناء سنوات صعوده في شراء تعاطف الشارع الجنوبي من خلال المساعدات، لكن الآن تغير كل شيء.
وتشير هذه الأوساط إلى أن العقوبات الأميركية المشددة على شبكات الحزب المالية، وعلى داعميه من سياسيين ورجال أعمال من خارج الطائفة الشيعية، قد حدّت من نفوذه حتى بين أنصاره الذين بدأوا يتمردون بسبب تراجع الدعم، وخاصة بين عائلات مقاتلي الحزب الذين قتلوا في مواجهات مع إسرائيل أو في الحرب السورية.
ويشير السكان المحليون أيضا إلى مقتل أربعة آلاف من أعضاء حزب الله في سوريا، ويتساءلون ليس فقط عن سبب سماح منظمة -صورت نفسها على أنها وطنية لبنانية- لأعضائها بالعمل كمرتزقة لصالح إيران والرئيس بشار الأسد في سوريا، بل وأيضًا عن سبب عدم نجاحهم في فعل ذلك.
ويقول الكاتب مايكل روبين في تقرير بمجلة ناشيونال إنترست الأميركية إن السكان في منطقة النبطية، أحد معاقل حزب الله، باتوا يتساءلون: كيف تسمح منظمة -تصور نفسها على أنها وطنية لبنانية- لأعضائها بالعمل كمرتزقة لصالح إيران والرئيس بشار الأسد في سوريا؟
ويشير روبين إلى أنه “عندما فقد حزب الله روحه وصورته السابقة، فقد السكان المحليون خوفهم منه”. لأجل هذا بات اللبنانيون يتحدون ميليشياته ويطالبون بنزع سلاحه، وارتفعت الأصوات التي تحمّله مسؤولية الفشل الحكومي والوقوف وراء الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد بسبب العقوبات الأميركية وتوقف الاستثمار والمساعدات القادمين من الخليج، وتراجع أعداد السياح.
ولم يعد حزب الله قادرا على لعب دور رأس الحربة في الإستراتيجية الإيرانية التي جعلت الحزب ومعه لبنان ورقة تفاوض للحصول على مكاسب من إدارات أميركية سابقة، خاصة أن إسرائيل استثمرت الارتباك الإيراني في سوريا لتوجه ضربات متتالية لحزب الله ومنعته من الحصول على أسلحة متطورة، وهو ما يفسر سكوته على الاستهداف الإسرائيلي المتواصل والاكتفاء بالتلويح برد قد لا يأتي.
وفي مقابل تراجع ورقة حزب الله تحاول إيران استثمار السكوت الأميركي على أنشطة الحوثيين في اليمن لإظهار قدرتها على تهديد أمن الملاحة في باب المندب، وكذلك المنشآت النفطية في السعودية، وتوظيف ذلك كورقة تفاوض مع إدارة بايدن، مستفيدة من تعاون وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري مع الحوثيين وشرعنة انقلابهم على “الشرعية” بقوة السلاح.
وأثر “الحياد” الأميركي في ملف اليمن على مسار الحرب من ناحية، ومن ناحة أخرى أثّر على مسار التفاوض السياسي الذي يقوده المبعوث الأممي مارتن غريفيث الذي يتعامل مع المتمردين كقوة شرعية بمفعول الأمر الواقع ويساوي بينهم وبين الحكومة المعترف بها دوليا.
ويحذر اليمنيون من أن الصمت على الخطر الحوثي قد يهدد المصالح الأميركية والدولية في أحد الممرات الإستراتيجية بالعالم. وبات من اليسير على الحوثيين استهداف المنشآت النفطية أو المدنية السعودية عن طريق صواريخ إيرانية، وهو أمر ليس مستبعدا أن تكرره ميليشيات الحشد الشعبي في العراق. لكن حزب الله لا يقدر عليه لاعتبارات كثيرة، منها أنه سيضع نفسه تحت ضغط داخلي باعتبار الدور الاستثماري والسياح في لبنان.
وفي العراق، بات نفوذ الميليشيات الموالية لإيران أكبر من نفوذ حكومة مصطفى الكاظمي التي تحاول كبح أنشطة هذه الميليشيات، لكنها تواجه مشاكل كثيرة، بينها أن الحشد الشعبي الذي تنضوي تحت لوائه أغلب الميليشيات، يعمل تحت مظلة الدولة. وتعتمد هذه الميليشيات على الاستفزاز وإطلاق الصواريخ بشكل روتيني وعبثي لإجبار الأميركيين على القيام بردود فعل. ورغم الضربة القوية التي وجهتها إدارة ترامب لإيران وحلفائها من خلال مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري، والقيادي في الحشد أبومهدي المهندس، إلا أن الميليشيات تواصل المناكفة.
وتضغط هذه الميليشيات لإجبار القوات الأميركية على الانسحاب من العراق، وهي خطوة إن تمت ستكون بمثابة هدية ثمينة من إدارة بايدن -التي كانت وراء قرار الانسحاب في 2011- لإيران والميليشيات الحليفة.
واعتبر ديفيد غاردنر، كبير محللي شؤون الشرق الأوسط في صحيفة فاينانشيال تايمز، أن مقتل قاسم سليماني لم يحد من حركة الميليشيات الشيعية المرتبطة بفيلق القدس في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وعزا غاردنر، المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، ذلك إلى الجولة الإقليمية التي قام بها زعيم فيلق القدس إسماعيل قاآني خلال الأشهر الماضية لتفقد الميليشيات واستمرار غطرسة ميليشيات عصائب أهل الحق في العراق وتصريحات زعيمها قيس الخزعلي الداعية إلى إخراج القوات الأميركية من البلاد.
وأشار إلى أن الدول التي تعج بميليشيات مسلحة تتفاخر بامتلاكها صواريخ دقيقة حصلت عليها من إيران، تعاني أصلا من كساد اقتصادي أسوأ بكثير من الانكماش الناجم عن انتشار وباء كورونا.
وأوضح أن هذه الدول -التي تضم ميليشيات تهدد القوات الأميركية والدول الحليفة لها في المنطقة- يعيش ثلاثة أرباع سكانها تحت خط الفقر.
صحيفة العرب