فجر رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، قنبلة من الوزن الثقيل، حين أكد أن الطائرة الأميركية التي استهدفت الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبي مهدي المهندس، مطلع 2020، قرب مطار بغداد الدولي، وأدت إلى مقتلهما، تم تحليقها بموافقة عراقية.
كان سليماني والمهندس اغتيلا في الساعات الأولى من يوم الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي بطائرة لم يعرف حتى الآن إن كانت مسيرة (درون)، أم مقاتلة، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، وعلى لسان الرئيس دونالد ترمب، اعترافها بتنفيذ العملية.
جاءت تلك العملية غير المسبوقة على أثر التوتر في العلاقات بين واشنطن وطهران على خلفية قيام عدد من الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران، بمحاولة اقتحام السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء ببغداد، بالإضافة إلى استمرار إطلاق صواريخ «الكاتيوشا» عليها. وفي أعقاب العملية توعدت إيران برد مزلزل، على حد وصف مسؤوليها، لكن ردها اقتصر على إطلاق عشرات الصواريخ على قاعدة عين الأسد العراقية، التي تضم جنوداً أميركيين، لم يصب أحد منهم، حسب الرواية الرسمية الأميركية.
وفي أعقاب ذلك استمر التوتر يتصاعد بين الطرفين حتى بعد تصويت البرلمان العراقي في السادس من يناير على قرار غير ملزم للحكومة العراقية، التي كانت حكومة تصريف أعمال برئاسة عادل عبد المهدي، بانسحاب القوات الأميركية.
وتكمن أهمية ما أعلنه العبادي في تصريح متلفز مساء أول من أمس، من أن «الطائرة التي استهدفت القادة (في إشارة لسليماني والمهندس) قرب مطار بغداد حصلت على موافقة عراقية»، أنه يأتي عشية اقتراب الذكرى الأولى من حادثة الاغتيال، حيث تقوم الأطراف المعنية بالفصائل المسلحة بإعداد العديد من الفعاليات بهذه المناسبة. كما أنه يأتي في أعقاب اغتيال المهندس النووي الإيراني محسن فخري زاده مؤخراً، ما زاد من حدة الاحتكاك الأميركي – الإيراني.
كما تزامنت تصريحات العبادي، التي لم يصدر توضيحٌ لها، مع قيام فصيل مسلح، أول من أمس، باستهداف أحد أرتال التحالف الدولي اللوجيستية، وهو ما ينذر بإمكانية إنهاء الهدنة بين الأميركيين والفصائل المسلحة التي تمت بترتيب من قائد «فيلق القدس» في «الحرس» الإيراني إسماعيل قااني خلال زيارته إلى العراق أواخر الشهر الماضي.
يذكر أن الطيران المسير في أجواء العراق يجب أن يحصل مسبقاً على موافقة العمليات المشتركة التي ترتبط برئاسة الوزراء مباشرة. وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك عادل عبد المهدي، قد أصدر أمراً في الشهر الثامن من عام 2019 يقضي بمنع أي طيران، حتى وإن كان للتحالف الدولي، وذلك عقب استهداف معسكر «الصقر» من قبل طائرات قالت الأوساط الرسمية العراقية إنها إسرائيلية. وفي قرار اتخذه مجلس الأمن الوطني تم خلاله «إلغاء كافة الموافقات الخاصة بالطيران في الأجواء العراقية (الاستطلاع، الاستطلاع المسلح، الطائرات المقاتلة، الطائرات المروحية، الطائرات المسيرة بكل أنواعها) لجميع الجهات العراقية وغير العراقية». كما تقرر أن تكون الموافقات «من القائد العام للقوات المسلحة حصراً، أو من يخوله أصولياً، وعلى جميع الجهات الالتزام التام بهذا التوجيه، وأي حركة طيران خلاف ذلك يعتبر طيراناً معادياً يتم التعامل معه من دفاعاتنا الجوية بشكل فوري».
في هذا السياق، يقول أستاذ الأمن الوطني في «جامعة النهرين» ورئيس مركز «أكد للشؤون الاستراتيجية والدراسات السياسية» الدكتور حسين علاوي، لـ«الشرق الأوسط»، إن ما قاله العبادي «يأتي من زاوية تحليل القيادة والمسؤولية بوصفه كان رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، إذ لديه كل قواعد إدارة السلطة السياسية، بما فيها التعامل والتعاطي مع التحالفات الدولية العسكرية التي عقدت ونشأت في فترة حكمه». وأضاف علاوي أن «إمكانية معرفة الحكومة العراقية بحادثة المطار كانت معدومة، كون هكذا عمليات سرية مسلحة بطائرات (درون) لا يكشف عنها، وتدخل ضمن أسرار الأمن القومي للدولة التي قامت باستهداف قائدين مهمين في الميدان العراقي والشرق الأوسط، وهذا ما أعلنته الإدارة الأميركية»، مبيناً «أنها عملية من طرف واحد، وليس من طرفين، وإذا كان هنالك طرف آخر فهو ضمن محور التحالف الاستخباري ما بين الولايات المتحدة ودول المحور المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية».