بينما تبتهج دول عدة بأفول حقبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وما رافقها من فوضى واستخدام مفرط لسلاح العقوبات في العلاقات الخارجية، كشفت مصادر مطلعة لرويتز عن ملامح إستراتيجية الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في توظيف سلاح العقوبات.
وقالت مصادر مطلعة إن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لن يتوانى عن استخدام العقوبات في إطار مساعيه لإعادة رسم السياسة الخارجية الأميركية.
غير أن هذه المصادر أوضحت أنه من المتوقع أن يسارع بايدن عندما يتولى الرئاسة يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل إلى البدء في إعادة تقييم نهج ترامب في استخدام القوة الغاشمة، ويتمهل في الوقت نفسه في التفكير قبل إجراء أي تغييرات رئيسية فيما يخص الدول الرئيسية المستهدفة بالعقوبات مثل إيران والصين.
وسيكون التحدي الذي يواجهه هو تحديد أي العقوبات تستحق الحفاظ عليها، وأيها يستحق الاستغناء عنها وأيها سيتم التوسّع فيها.
ومن المقرر أن يستلم بايدن السلطة في يناير/كانون الثاني المقبل بعد 4 سنوات فرض فيها ترامب عقوبات اقتصادية بوتيرة غير مسبوقة، لكنه أخفق رغم ذلك في إخضاع خصوم الولايات المتحدة لإرادته.
وقالت المصادر إنه عقب تنصيب بايدن ستتم صياغة الإستراتيجية المعدلة بالاستفادة من مراجعة واسعة لبرامج العقوبات.
أداة محورية
غير أنه من المتوقع حتى قبل اكتمال هذا التقييم أن يوضح بايدن أن العقوبات ستظل أداة محورية في يد الولايات المتحدة، لكنها لن تُستخدم تحت شعار “أميركا أولا” الذي كان يسيّر السياسة الخارجية في إدارة ترامب.
وقال مصدران إن من الاحتمالات الأولى رفع العقوبات التي فرضها ترامب في سبتمبر/أيلول الماضي على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية بسبب التحقيق فيما إذا كان الجيش الأميركي قد ارتكب جرائم حرب في أفغانستان.
اعلان
وكان الحلفاء الأوروبيون نددوا بتلك العقوبات.
ومما يزيد التحديات التي يواجهها بايدن أن ترامب حافظ على وتيرة فرض العقوبات في الأيام الأخيرة لإدارته والتي كانت الفوضى سمة لها.
وكان ترامب قد عمد منذ تولى السلطة إلى استخدام العقوبات كرد مفضل على المشاكل الدولية من أنشطة إيران العسكرية، إلى الترسانة النووية الكورية الشمالية، فالأزمة السياسية في فنزويلا.
وقد أصدرت إدارة ترامب حوالي 3800 قرار بفرض عقوبات جديدة بالمقارنة مع 2350 في فترة الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما.
وأيضا كانت إدارة ترامب رائدة في فرض قرارات منع إصدار تأشيرات الدخول للولايات المتحدة، وأثر ذلك على أكثر من مئتي مسؤول أجنبي فُرضت عليهم عقوبة المنع من دخول الولايات المتحدة.
كما صعّدت إدارته بشدة استخدام ما يطلق عليها العقوبات الثانوية التي عاقبت بها الأصدقاء والأعداء على السواء.
التمهل والتنسيق
ورغم أنه من المتوقع أن يواصل بايدن استخدام هذه الإجراءات القسرية، فقد قالت المصادر إنه ستحدث تغييرات، ومنها التمهل في عملية اتخاذ القرار والتنسيق بشكل أوثق مع الحلفاء.
وقالت هاجر حجار الشمالي التي كانت من المسؤولين عن العقوبات في عهد أوباما، “العقوبات ليست سلاحا سحريا. فمن الضروري استخدامها في إطار إستراتيجية أوسع، وهذا هو ما كانت إدارة ترامب تفتقر إليه في كثير من الأحيان”.
ويصر مسؤولون في إدارة ترامب على أن استعراض القوة الاقتصادية الأميركية ألحق ضررا بالغا ببعض خصوم أميركا، وهو ما يمكن أن يمنح بايدن ورقة ضغط.
تشغيل الفيديو
رجال حول بايدن
وقد شكك بعض المنتقدين في جدوى توسع ترامب في فرض عقوبات على الأفراد، وإدراج مسؤولين أجانب في قوائم سوداء بتجميد أرصدة ومنع الأميركيين من إبرام تعاملات معهم.
ومن الممكن أن تكون مثل هذه الخطوات ذات فاعلية عندما يكون المستهدفون أثرياء أو لهم استثمارات في الولايات المتحدة، غير أنها رمزية في الغالب إذا لم يكن الحال على خلاف ذلك.
ويشعر معاونو بايدن بالقلق خشية أن يؤدي الإفراط الواضح في استخدام العقوبات إلى نتائج عكسية، خاصة إذا حفّز دولا أخرى على تطوير آليات للتحايل على الشبكات المالية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.
غير أن اختيار بايدن لأنتوني بلينكن ليكون وزير خارجيته، وجيك سوليفان لشغل منصب مستشار الأمن القومي، يشير إلى أنه لن يكون هناك قدر كبير من التساهل رغم الاتجاه إلى استخدام العقوبات في إطار متعدد الأطراف.
وتعهد أدويل أديمو الذي سيكون المسؤول الثاني في وزارة الخزانة، بالتركيز الشديد على الأمن القومي، بما فيه “استخدام نظامنا الخاص بالعقوبات في محاسبة الأشرار”.
وقالت عدة مصادر إنه سيقود عملية تقييم العقوبات في ظل إدارة بايدن.
المأزق الإيراني
وكان بايدن قال إنه سيعود إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في 2018 إذا استأنفت إيران الالتزام به.
ورغم أنه سيكون من الصعب على بايدن أن يعرض على إيران تخفيف العقوبات بشكل كبير خلال وقت قريب، فقد قال مصدر مقرب من فريقه إن بوسعه أن يفتح الباب أمام إعادة التواصل بتخفيف القيود التي عرقلت حصول طهران على السلع المخصصة للأغراض الإنسانية في خضم جائحة كورونا.
وكانت العقوبات في إطار حملة “الضغوط القصوى”، التي شنها ترامب على إيران، أدت إلى تقليص إيراداتها النفطية وعرقلت تجارتها الخارجية.
ونأت أغلب الدول والشركات بنفسها عن إيران بسبب الخوف من أن تتعرض هي نفسها للعقوبات بسبب التعامل مع طهران.
وقال روبرت مالي الذي كان مستشارا لشؤون إيران في عهد أوباما، “ثمة فورة من الإجراءات تحاول بها الإدارة الحالية، وهي في طريقها للرحيل، إحداث المزيد من الألم الاقتصادي وانتكاس البرنامج النووي الإيراني وتعقيد مسيرة بايدن”.
غير أن مسؤولي إدارة ترامب يردون على ذلك بالقول إنهم يحسنون إلى بايدن بفرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على إيران حتى لا يكون أمامها خيار سوى العودة إلى المفاوضات.
تشغيل الفيديو
الخصم الصيني
وسيواجه بايدن أيضا مسألة العقوبات على الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ورغم أن ترامب اتهم بايدن خلال حملة الدعاية الانتخابية بأنه سيطأطئ الرأس أمام بكين، فقد قال الرئيس المنتخب إنه سينتهج نهجا أكثر تشددا خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وقال المصدر المقرب من فريق بايدن الانتقالي إن هذا سيعني على الأرجح فرض عقوبات أخرى بسبب هونغ كونغ وإقليم شينجيانغ وربما بسبب إقليم التبت أيضا.
غير أن أحد مستشاري بايدن أشار إلى أن التهديد بالعقوبات قد يستخدم أيضا للضغط على الصين لتسوية نزاعات تجارية.
“بلطجة” كوريا الشمالية
ومن التحديات التي يواجهها بايدن في التعامل مع كوريا الشمالية، التخلص من حالة البلبلة التي اعترت سياسة ترامب، ودعم تنفيذ العقوبات الرامية إلى إرغامها على التخلي عن أسلحتها النووية.
ويقول خبراء إن العلاقة الودية التي ربطت بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أضعفت ضغوط العقوبات الدولية، رغم أن بيونغ يانغ لا تزال في وضع اقتصادي صعب بسبب القيود التي تحول دون استفادتها من النظام المالي والتجاري العالمي.
وقد وصف بايدن كيم بأنه “بلطجي”، ويتنبأ مساعدوه بنهج أكثر تشددا.
روسيا.. العلاقة الشائكة
كذلك أشار بايدن إلى احتمال فرض عقوبات على روسيا بسبب التدخل في الانتخابات الأميركية.
وهذا التوجه ربما يحفزه اختراق أجهزة الحاسوب في وكالات اتحادية في عملية قرصنة وجهت أصابع الاتهام فيها لروسيا.
وقال مصدران إن بايدن ربما يتحرك أيضا في مسألة امتنع ترامب عن معالجتها، وهي تقديرات أجهزة المخابرات أن روسيا عرضت مكافآت على متشددين لقتل جنود أميركيين وجنود من قوات الحلفاء في أفغانستان.
وقال مسؤول مطلع إن من الممكن أن يفرض بايدن أيضا عقوبات مماثلة للعقوبات التي تفرضها بريطانيا والاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب تسميم أليكسي نافالني معارض الكرملين. وكانت موسكو قد نفت أي دور في تسميمه.
المصدر : رويترز