“بريكست” .. بريطانيا تغادر الاتحاد بشروط بروكسل وليس لندن

“بريكست” .. بريطانيا تغادر الاتحاد بشروط بروكسل وليس لندن

ها نحن نتعثر. لا ينبغي أن يكون تمديد المحادثات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مفاجئا. مع كل تبجح بوريس جونسون بشأن “الازدهار بقوة”، يعلم رئيس الوزراء البريطاني أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “من دون اتفاق” سيكون كارثيا على البلاد. سيعاني الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس بقدر معاناة بريطانيا. لذلك من المحتمل أن يتم إبرام صفقة قبل نهاية العام. إذا لم يكن كذلك، فإنها بعد ذلك بوقت قصير.
عندما يتم التوصل إلى اتفاق، سيكون على شروط أوروبا إلى حد كبير. لا شك أن الاتحاد الأوروبي سيقدم بعض التنازلات بشأن مصائد الأسماك ضمن مساومة في اللحظة الأخيرة. لكن سيتعين على بريطانيا الموافقة على المطلب المركزي للاتحاد الأوروبي، وهو ضرورة أن تكون هناك قواعد تضمن “تكافؤ الفرص” – ضمان ألا تنتقص المملكة المتحدة لوائح الاتحاد الأوروبي بشأن المنافسة كما تشاء.
السبب في إبرام الصفقة وفقا لشروط الاتحاد الأوروبي هو السبب نفسه الذي جعل عملية خروج بريطانيا بأكملها مؤلمة للغاية لبريطانيا – وهو عدم وجود تناسق أساسي في القوة بين الجانبين. بريطانيا ترسل 43 في المائة من صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي بينما ترسل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا مجتمعة نحو 6 في المائة من صادراتها إلى بريطانيا. يبلغ عدد سكان المملكة المتحدة نحو 67 مليون نسمة بينما الاتحاد الأوروبي 447 مليونا. حتى من دون بريطانيا، فإن الاتحاد الأوروبي لديه سوق واحدة يمكن مقارنة حجمها بسوق الولايات المتحدة أو الصين.
يصر جونسون على أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي “متساويان في السيادة”. لكن طالما حافظ الاتحاد الأوروبي على وحدته، فهما ليسا متساويين من حيث القوة. وهذا ما كان مهما في هذه المفاوضات. ولهذا السبب قدمت بريطانيا سلسلة من التنازلات المؤلمة على مدى الأعوام الأربعة الماضية – أبرزها الموافقة على فصل إيرلندا الشمالية، وبالتالي وجود عمليات فحص جمركية على البضائع التي تعبر البحر الإيرلندي، ما يعني تقسيم المملكة المتحدة فعليا.
لطالما أصر البريطانيون على وجود اتفاق يربح فيه الجميع، تتقبله كل من بروكسل ولندن بسعادة. لكنهم فشلوا في فهم كيف يرى الاتحاد الأوروبي مصالحه الخاصة. نزاهة وجاذبية السوق الأوروبية الموحدة هي أهم الأصول الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي. بروكسل عازمة على عدم تقويض تلك القوة من خلال السماح بدخول السوق البريطانية بشروط مفيدة للغاية.
يحتاج الأوروبيون أيضا إلى أن يثبتوا للقوى المتشككة في الاتحاد الأوروبي داخل دولهم أن مغادرة الاتحاد الأوروبي فكرة سيئة. لذلك كانوا دائما أقل قبولا بفكرة أنه يمكن أن تكون هناك نتيجة “مربحة للجانبين” من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بمجرد أن قرر الأوروبيون أنه ليس من مصلحتهم منح بريطانيا سهولة الوصول إلى السوق الموحدة التي وعد بها جونسون بمرح للناخبين البريطانيين أصبحت القوة النسبية حاسمة. لسوء الحظ، بالغ أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي باستمرار في تقدير قوة بريطانيا – معتقدين أن الاتحاد الأوروبي كان على وشك التراجع أو تقديم تنازلات لم تتحقق أبدا.
لماذا ارتكبت بريطانيا هذا الخطأ؟ يعود ذلك جزئيا إلى أن أنصار الخروج وضعوا الكثير من الثقة بحقيقة أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بفائض تجاري كبير مع المملكة المتحدة. نسوا أن بريطانيا على المستوى العالمي ليست سوى سوق واحدة من بين كثير من الأسواق. لأعوام كان البريطانيون ينتظرون ظهور شركات صناعة السيارات الألمانية في الأفق – مثل جبهارد ليبرخت فون بلوخر في ووترلو – وإنقاذ اليوم. نحن ما زلنا ننتظر. قد يكون انخفاض الوصول إلى السوق البريطانية مؤلما لشركات صناعة السيارات الألمانية – لكنه ليس مؤلما لدرجة أنه يستحق تقويض سلامة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
على نطاق أوسع كان دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي مذنبين بابتلاع دعايتهم الخاصة. لعقود من الزمان، كان الاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي (و/أو اليورو) على وشك الانهيار عنصرا أساسيا في الخطاب البريطاني المتشكك في أوروبا. جيل نشأ على حكايات الانتصارات العسكرية البريطانية على ألمانيا وفرنسا يجد صعوبة في تصور أنه “إذا تطلب الأمر”، فإن بريطانيا لن تتغلب في النهاية على هؤلاء الأوروبيين الطائشين.
تم تلخيص هذا النوع من الغلو في الوطنية من خلال الملاحظة الأخيرة التي أدلى بها جافين ويليامسون، وزير التعليم البريطاني، الذي قال نحن “دولة أفضل بكثير من كل دولة منهم”. هذا هو الرجل نفسه الذي كان وزيرا للدفاع، الذي قال ذات مرة للروس “اصمتوا وابتعدوا”.
بعد أن تلاشت أوهامهم لجأ مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى الشكوى من أن الاتحاد الأوروبي يعامل بريطانيا بشكل غير عادل. لكن كان بإمكان طلاب العلاقات الدولية والمفاوضات التجارية أن يشيروا لهم إلى أن الاعتماد على لطف الدول الأخرى ليس استراتيجية سليمة. الدول، بما في ذلك بريطانيا، تبحث عن مصالحها الخاصة أولا.
أدى الرعب من ضعف موقف بريطانيا إلى تفشي كراهية الأجانب والتفاخر الذي لا أساس له. صاحت إحدى الصحف البريطانية في نهاية الأسبوع الماضي، نقلا عن وزير حكومي لم تذكر اسمه: “تريد ميركل أن تزحف بريطانيا على الزجاج المكسور”.
في اليوم السابق صاحت الصحيفة نفسها: “سنرسل سفن مدفعية”. الرد الواضح على ذلك هو – وماذا بعد ذلك؟ إن مواجهة الصيادين الفرنسيين بالقوة العسكرية تدعو إلى انتقام غير عسكري من الاتحاد الأوروبي بأكمله – الأمر الذي يعيد بريطانيا إلى ذلك التفاوت المحرج في القوة.
في الحربين العالميتين – اللتين فعلتا الكثير لتأطير فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – انتصرت المملكة المتحدة بمساعدة أمريكا. لكن إدارة بايدن لن تنقذ بريطانيا في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي. من شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق أن يؤدي إلى عزلة غير رائعة للغاية. هذا هو السبب في أن النتيجة المرجحة إلى حد بعيد هي أن الصفقة تتم وفقا لشروط الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير.

الاقتصادية