لا يزال ملف تشكيل الحكومة اللبنانيّة يراوح مكانه وسط استياء فرنسي عارم خصوصًا مع دخول مشاورات التشكيل أسبوعها التاسع على التوالي وتقاذف مسؤوليّة التعطيل بين الأطراف الداخليّة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينوي زيارة لبنان مطلع الأسبوع المقبل، إلّا أنّ إصابته بفيروس كورونا عطلتها.
وقُبيل الإعلان عن إصابة ماكرون بكورونا، بدا جليًّا الاستياء الفرنسي ولا سيّما لعدم تجاوب الأطراف اللبنانيّة مع المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأولى للبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي.
وعبّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأحد الماضي في تصريح لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسيّة، عن تشاؤمه حيال الوضع اللبناني مشبّهًا إيّاه بسفينة “تيتانيك لكنّ من دون الأوركسترا”.
وتقف تعقيدات داخليّة وراء ضبابيّة تشكيل الحكومة، حيثُ بات رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة ميشال عون يتمسّك بالاستحواذ على حقائب وزاريّة وازنة، وفق مراقبين.
والأسبوع الماضي، قدّم الحريري إلى عون، تشكيلة حكومية من 18 وزيرا من أصحاب الاختصاص، بعيدا عن الانتماء الحزبي.
إلا أن عون أعلن، الثلاثاء، اعتراضه على “تفرد” الحريري بـ”تسمية الوزراء، وخصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع رئاسة الجمهورية”.
استياء فرنسي ولا ولادة حكوميّة
وفي تصريح للأناضول علّق نائب رئيس “تيار المستقبل” مصطفى علّوش على التشاؤم الفرنسي من الوضع اللبناني قائلاً:” هناك ضغط معنوي فرنسي بالتأكيد، لكنّ لا يبدو أنه وصل إلى مرحلة تسهيل إنشاء الحكومة”.
وأضاف: “هناك استياء فرنسي من موضوع تشكيل الحكومة خاصّة أنّ الوقت ينفد إزاء مسألة إنقاذ البلاد، خصوصًا وأنّ الجهود الفرنسيّة تواجه بالعناد المَرَضي”. (دون ذكر تفاصيل).
وعن تشكيل الحكومة قال علوش: “من خلال المعطيات التي سجّلت خلال الأسبوع الماضي في السجال القائم بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهوريّة لا يبدو أنّ هناك أي جهوزيّة حتى اللحظة للتفاهم على صياغة حكوميّة معيّنة”.
وأوضح أن ” الحريري مصرّ على حكومة تحدث فروقات مع المجتمع الدولي أي حكومة من المستقلين ولا شبهات عليهم ولاسيّما في مسألة العقوبات، في حين أنّ رئيس الجمهوريّة يريد حكومة على الطريقة التقليديّة أي على طريقة المحاصصة”.
ورأى علوش أن “الرئيس عون يسعى بأيّ شكل من الأشكال إلى تعويم صهره جبران باسيل من خلال السيطرة على الثلث المعطل في الحكومة لذلك فإن احتمال الذهاب إلى إعلان الحكومة صعب حاليًّا”.
وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، فرضت واشنطن عقوبات على صهر الرئيس اللبناني وزير الخارجية السابق جبران باسيل بدعوى “تورطه في الفساد وعلاقات مع “حزب الله” حليف إيران والنظام السوري”.
وأردف علوش، أن “رئيس الجمهوريّة حقيقةً رفض التشكيلة الحكوميّة التي قدّمها الحريري على اعتبار أنّها غير متوازنة، وقدّم اقتراح تشكيلة حكوميّة أخرى وهذا أيضًا بالأعراف الدستوريّة يعدّ نوعًا من الهرطقة”.
ورأى علوش أنّ الحريري “سيضطر في وقت من الأوقات إلى إعلان الأسماء التي طرحها للحكومة القادمة ووضع القضيّة أمام الرأي العام، لكنّ الأزمة اللبنانيّة لا يبدو أنها ذاهبة إلى حلّ قريب”.
فرنسا تستعين بمصر للضغط على لبنان
في أغسطس/ آب الماضي أطلق ماكرون “مبادرة” بلهجة تهديد وإعطاء تعليمات، غير أن بعض القوى في لبنان اعتبرتها تدخلا في شؤون بلدها.
وتنص “المبادرة” على تشكيل حكومة جديدة من “مستقلين” (غير تابعين لأحزاب)، على أن تتبع ذلك إصلاحات إدارية ومصرفية، إلا أن خبراء يعتبرون أن “المبادرة” فشلت حتى اليوم، وتواجه صعوبات كبيرة داخليا وخارجيا.
وبحسب ما يراه المحلّل السياسي اللبناني جوني منيّر، فإنّ الفرنسيين منزعجين جدًّا من الوضع اللبناني الداخلي.
وقال منيّر: “لولا إصابة ماكرون بكورونا لكانت زيارته بالشكل مؤشر استياء كبير لأنّه كان سيلتقي رئيس الجمهوريّة بشكل بروتوكولي للغاية ويصدر كلامًا على أنه مستاء ومحبط من موضوع عدم الانتباه للمآسي التي يمر بها لبنان”.
ووفق منيّر، فإنّ الفرنسيين “مستاؤون جدًّا ويعملون على الضغط في الداخل اللبناني”.
وأضاف: “كانت هناك زيارة للأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي للرئيس اللبناني، “لأنّ الفرنسيّين طلبوا من المصريّين أن يساعدوهم في مسألة الضغط في ظل ابتعاد السعوديّة عن الشأن اللبناني الداخلي”.
والخميس، بدأ زكي زيارته إلى بيروت للقاء المسؤولين اللبنانيين بهدف الاطلاع على الوضع في لبنان وتقييمه.
وعن العقد التي تحول دون تشكيل الحكومة قال منيّر :”الموضوع الحكومي يراوح مكانه لأن هناك قرار بذلك، لاسيّما وأنّ عون متمسّك بشروطه”.
واستطرد منيّر :”العقدة الأساسيّة أنّ الرئيس عون يقول أنّه يريد 7 وزراء أي أنّه يتمسّك بالثلث المعطل، بالإضافة إلى تمسّكه بحقيبة الطاقة التي يصر الفرنسيون على موقفهم حيالها بأنّ لا يكون الشخص الذي سيتولاها حزبيا”.
وتابع :”هناك إشكالية أخرى إزاء حقيبتي الداخلية والعدل، فالرئيس اللبناني يصرّ على تكونا له للتحكم بالقرار السياسي في البلد”.
وعن أسباب الإصرار الفرنسي على التدخل بالشأن اللبناني، أوضح منّير أن “لبنان يعني الفرنسيين تاريخيا وسياسيًّا لأنّه آخر بلد فرانكفوني جدّي في الشرق الأوسط”.
فرنسا تدرك من المعطل
وفي جانب آخر استغرب النائب عن كتلة “التيار الوطني الحرّ” (يتزعمه جبران باسيل) إيدي معلوف، تحميل التيار مسؤوليّة تعطيل الملف الحكومي.
وقال معلوف:” نحن نلتزم بحكومة مستقلين وغير حزبيين ولكنّنا نُفاجأ بالطرح الذي يقدّمه الحريري الذي أعطى وزارة الخارجية والزراعة لنفس الشخص”، متسائلًا:” أين هو الاختصاص في هذه الحالة؟”.
وأضاف: ” الدستور واضح بأنّ عمليّة التشكيل يجب أن تكون بين كلّ من رئيس الحكومة المكلّف ورئيس الجمهوريّة، ولكنّ الحريري يضع الطرح من دون التشاور مع رئيس الجمهوريّة”.
وشدّد معلوف، على “تمسّك التيار الوطني الحرّ بتطبيق الدستور”.
ولم ينفِ معلوف الاستياء الفرنسي إزاء تعثر تشكيل الحكومة قائلا ” واضح جدّا أنّهم مستاؤون، وهذه المرّة الفرنسي يدرك أيّ جهة تعرقل تشكيل الحكومة”.
وكان عون كلف الحريري، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بتشكيل حكومة، عقب اعتذار سلفه مصطفى أديب لتعثر مهمته في تأليف حكومة تخلف حكومة دياب التي استقالت بعد 6 أيام من انفجار مرفأ بيروت.
وتسبب انفجار المرفأ الذي وقع في 4 أغسطس/ آب الماضي، بمقتل نحو 200 شخص وأكثر من 6000 جريح، فضلا عن أضرار مادية هائلة في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.
وفاقم الانفجار وتداعيات جائحة “كورونا” الوضع سوءا في بلد يعاني بالأساس من أكبر أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، ومن استقطاب سياسي حاد، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
(الأناضول)