عندما فاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2008، كان الشرق الأوسط يغمره الأمل.
لكن بعد 12 عاما، مع اقتراب تولي نائبه الديمقراطي جو بايدن السلطة في البيت الأبيض الشهر المقبل، لا يكاد يكون هناك أي توقعات بأنه سيعكس تمامًا نهج سلفه دونالد ترامب تجاه المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بفلسطين.
فبإجبار دول عربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أي مقابل والسماح ببناء مستوطنات يهودية جديدة في الضفة الغربية والاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل وإنهاء الدعم المالي للفلسطينيين والمقامرة بـ “صفقة القرن”، قلب ترامب سياسة الولايات المتحدة التقليدية في الشرق الأوسط.
ووصفت العديد من الدول، وحتى حلفاء له نهج ترامب بأنه يعيق إحراز تقدم تجاه حل سلمي للمشكلة الفلسطينية.
واعتبرت تركيا والاتحاد الأوروبي الخطوة الأمريكية بأنها تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة التي مزقتها الصراعات بالفعل.
وخلال زيارة لفلسطين وإسرائيل في السنوات الأخيرة لنظام أوباما، كان يمكنني الشعور ببركان يغلي تحت سطح الهدوء المخادع نتيجة التوقعات التي لم تتحقق.
فكان كل من الفلسطينيين والإسرائيليين يتحسرون على فشل أوباما، الذي أخفق في الارتقاء إلى مستوى توقعات لجنة “نوبل” التي منحته جائزتها للسلام 2009، لجهوده غير العادية في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب.
وقالت اللجنة آنذاك: “إنه من النادر جدا أن يحظى شخص بالقدر نفسه الذي استحوذ فيه أوباما على اهتمام العالم، ومنح شعبه الأمل في مستقبل أفضل”.
وأضافت: “تأسست دبلوماسيته على مفهوم أن أولئك الذين سيقودون العالم يجب أن يقوموا بذلك على أساس القيم والمواقف التي dشترك فيها غالبية سكان العالم “.
وبعد عقد من الزمان لم يتبق للفلسطينيين ولا الإسرائيليين ثقة كبيرة في “المفاوضات المباشرة” بقيادة القوى العالمية.
وإلى جانب الأسوار العالية التي بناها الإسرائيليون لتقييد تنقل الفلسطينيين، ازدادت الكراهية بين اليهود والمسلمين، فلتجنب رؤية الفلسطينيين في البلدة القديمة بالقدس يستخدم المتطرفون من اليهود ممرات مبنية على سطح السوق المغطى للابتعاد عن الأزقة المليئة بالمتاجر العربية.
كما أن الإسرائيليين يطردون ببطء العرب من القدس القديمة بدعوى تغيير التركيبة السكانية للمدينة.
وفي السنوات العشرين الماضية ارتفع عدد المستوطنين اليهود الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية بأكثر من 200 ألف، ليصل العدد الاجمالي 600 ألف مستوطن، وتم تخفيض عدد السكان المسلمين في مدينة القدس إلى 36 في المئة حسب تعداد عام 2011.
حل الدولتين:
لا تزال المجموعات المؤثرة داخل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعترفون بحل الدولتين بناء على حدود ما قبل عام 1967، تاركين السيطرة على القدس مفتوحة للمفاوضات.
لكن نقص الثقة بين المجتمعين وتراجع النفوذ السياسي للسلطة الفلسطينية واستمرار الاستيطان وممارسة الفصل العنصري، أضافت حواجز على الطريق نحو حل سلمي.
وعلى الرغم من أن العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت في إسرائيل أشارت إلى أن الغالبية العظمى من اليهود كانوا يؤيدون إنشاء دولتين، لم تحرز إسرائيل ولا المجتمع الدولي أي تقدم لتحقيق هذا الهدف.
ويرى ديفيد روزين المدير الدولي السابق للشؤون الدينية في اللجنة اليهودية الأمريكية، أن أكثر من 70 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون أن تكون فلسطين منفصلة ومستقلة لأنهم يشعرون بالتهديد من معدل نمو المسلمين في العالم العربي.
وقال روزين وهو حاخام يهودي إن: “معدل المواليد في العالم العربي والإسلامي يتجاوزنا بكثير، سيتم القضاء علينا خلال فترة قصيرة، ولهذا لدينا حاجة ملحة إلى حل سلمي أكثر من أي شخص آخر”.
وعلى الرغم من أن روزين يرى أن حل النزاع الفلسطيني سيكون له تأثير إيجابي على العلاقات بين المسلمين والغرب، إلا أنه يتساءل “ما إذا كان بإمكان الإسرائيليين الوثوق بالفلسطينيين الذين يقاتلون بعضهم البعض؟”
ومما زاد الطين بلة أن العالم لم يعد يعترف الآن بحركات المقاومة، ولا سيما تلك المنخرطة في النضال المسلح، وهي الآن مدرجة ضمن صفوف الجماعات الإرهابية مع وجود عداء عالمي ضد الإرهاب.
وفي هذا الصدد قال خالد مشعل الرئيس السابق لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إن هناك حاجة ماسة لإزالة هذا الانحراف والتمييز بين المقاومة والإرهاب.
وأضاف مشعل: “من حقنا مقاومة الاحتلال، لقد اكتسبنا الشرعية بسبب فوزنا في الانتخابات (المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006)، ونحن لسنا آلات قتل عشوائية مثل الإرهابيين، فنحن نحصر معركتنا ضد المحتل وداخل حدود فلسطين”.
وخلال لقاء بالدوحة قبل سنوات، أكد مشعل أن هذا النضال ضد الاحتلال له شرعية في القانون الدولي، وقد تم الاعتراف به أيضًا في جميع الأديان.
وتابع أنه إذا كان هذا يعد إرهابا فكيف ستصنف المقاومة الفيتنامية والمقاومة بجنوب إفريقيا ضد الفصل العنصري والنضال الفرنسي ضد النازيين والمقاومة الهندية ضد البريطانيين وما إلى ذلك؟
تولي بايدن الرئاسة:
بالنسبة للكثيرين يبدو أن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل يوفر أفضل فرصة لتحقيق سلام دائم بين إسرائيل وفلسطين.
ولكن مع كل خطوة جديدة لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، فإن الباب أمام مثل هذه الصفقة يغلق أكثر، كما أن التخلي الفعلي لترامب عن اتفاق “أوسلو” (للسلام المرحلي بين الفلسطينيين وإسرائيل الموقع عام 1993) زاد الوضع سوءا.
لكن تولي بايدن للرئاسة يقدم أملًا واحدًا فقط في أن تتجه واشنطن إلى الدبلوماسية التقليدية باحتلال السفارات والمبعوثين الرسميين مركز الصدارة، على عكس الدبلوماسية الشخصية أو الدبلوماسية عبر تطبيق “واتساب” للمحادثة التي تبناها ترامب.
وهذا يعني أيضًا عودة التنافس بين الوكالات الأمريكية حول قضايا السياسة الخارجية، ولا سيما المتعلقة بالشرق الأوسط، وعلى الأرجح يبدو أن عهد أوباما الذي بدأ بالأمل وانتهى باليأس يعود من جديد.
لكن بايدن لا تزال أمامه فرصة لإثبات خطأ المعارضين، والسبيل الوحيد هو تبني نهجا متمركزا حول الشعوب وإيجاد سبل لتسوية القضية الفلسطينية.
ونظرًا لأن هذا الصراع يقع في قلب عدم الاستقرار العالمي والإقليمي، فسيكون له تأثير مفيد على تسوية النزاعات الأخرى أيضًا.
وقد أظهر تفشي فيروس كورونا وعجز الدول عن التعامل معه، أن العالم لا يستطيع تحمل عدم الاستقرار السياسي ويحتاج إلى التركيز والاستثمار في القضايا الأكثر إلحاحًا مثل الصحة والبيئة لإنقاذ البشرية.
فهذا العدو المجهري لا يعترف بالحدود بين الدول أو الفروق بين البشر على أساس عرقهم ودينهم، ولا يفرق حتى بين الأغنياء والفقراء. (الأناضول)