تصاعد التوتر، بين واشنطن وطهران، مما ينذر بنشوب حرب، عشية الذكرى الأولى لمقتل قاسم سليماني. وفيما اتهم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف الولايات المتحدة بـ«التآمر» لشن حرب ضد طهران، وأن بلاده لا تنوي دخول الحرب، في حين تواصل واشنطن حشد مقاتلاتها في المنطقة.
وقلل الرئيس حسن روحاني، من أهمية شعار «الموت لأميركا» في الداخل الإيراني، واعتبره «كاذباً»، متهماً منتقدي من يسعون وراء «تضعيف الحكومة» بأنهم «موالون للولايات المتحدة».
وحذر ظريف في تغريدة عبر «تويتر» من أن «هناك معلومات استخباراتية من العراق أفادت بوجود مؤامرة لاختلاق ذريعة بغية (شن) حرب»، وتابع ظريف، أن «إيران لا تريد الحرب، لكنّها ستردّ بشكل صريح ومباشر دفاعاً عن شعبها، وأمنها ومصالحها الحيوية».
ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن تغريدة ظريف «بدلاً من مكافحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة، ينفق دونالد ترمب المليارات لإطلاق قاذفات (بي – 52) ونشر أسطول في منطقتنا».
وتأتي تغريدة ظريف، غداة رسالة تحذير من وزارة الدفاع الأميركية إلى إيران، بتحليق قاذفتين استراتيجيتين من طراز «بي – 52» للمرة الثانية في غضون شهر.
وقال قائد القيادة الأميركية الوسطى، الجنرال كينيث ماكينزي، بأن الولايات المتحدة «تواصل نشر قدرات جاهزة للقتال في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية لردع أي خصم محتمل، ولتوضيح أننا مستعدون وقادرون على الرد على أي عدوان موجه ضد الأميركيين أو مصالحنا».
وفي وقت سابق، قال مسؤول عسكري أميركي، إن الاستخبارات الأميركية تلقت دلائل حديثة على «تهديدات جوهرية إلى حد ما» من إيران. وأضاف، أن الولايات المتحدة «التقطت أيضاً إشارات إلى أن إيران ربما تدرس أو تخطط لهجمات (أكثر تعقيداً) وأوسع نطاقاً ضد أهداف أو مصالح أميركية في الشرق الأوسط»، مشيراً إلى «مؤشرات على تدفق أسلحة متطورة من إيران إلى العراق أخيراً، وأن قادة الميليشيات الشيعية في العراق ربما التقوا ضباطاً من (فيلق القدس) الإيراني».
وقبل ذلك بساعات، نقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن نائب إيراني إن قائد «فيلق القدس»، إسماعيل قاآني، قدم تقريراً إلى نواب البرلمان عن استعداد وانتشار الميليشيات الموالية لطهران. ونُسب إلى خليفة سليماني قوله لنواب البرلمان، إن «زوال القوات الأميركية بات وشيكاً، بسبب الإجراءات التي على أجندة قوات المقاومة».
وكرر روحاني أمس، مرة أخرى ارتياحه لقرب نهاية فترة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب، وأعاد التشبيه بينه وبين الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين. وقال «من يريد تضعيف الحكومة، سواء أراد أم لم يرد، فإنه يدعم ويدين بالولاء للإدارة الأميركية». وأضاف «من يريد تضعيف الحكومة ويقول أنا ضد أميركا، فهي كذبة كبيرة».
وأشار ضمناً إلى إمكانية رفع العقوبات بعد تولي الرئيس المنتخب جو بايدن، وقال «من يريد أن يضر القطاع الخاص والمستوردين والمصدرين، يدعم أميركا»، غير أنه عاد وشدد على أهمية الوحدة وصرح «يجب أن ندعم بعضنا، اليوم يوم الوحدة ومن يكسر الوحدة ويتسبب في إثارة الخلافات فإنه يناصر الولايات المتحدة».
ويخشى روحاني من تأثر جهوده للحافظ على الاتفاق النووي، تحت تأثير صدمة دوائر صنع القرار الإيراني من خسارة صاحب أعلى رتبة عسكرية، خاصة أن كبار المسؤولين وقادة «الحرس الثوري» رفعوا خلال العام الماضي، سقف مخاوف الشارع الإيراني من احتمال نشوب مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة، على إثر تهديدات بالرد على مقتل سليماني.
ولطالما نال روحاني من نظيره الأميركي، بمفردات حادة، بعدما تأكد تقدم الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأميركية. وعلق أمس، بشكل خاص على اقتراب الذكرى الأولى لمقتل، قاسم سليماني، العقل المدبر لعمليات «الحرس الثوري» خارج الحدود الإيرانية، ومعه نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، في ضربة جوية شنّتها طائرة مسيّرة قرب مطار بغداد، بأمر مباشر من الرئيس الأميركي.
وقال روحاني، إن «الناس أدركوا اليوم طالما بقيت أميركا في المنطقة فإنها لن تشهد الهدوء»، وأضاف «الأعداء تضرروا من الاغتيال الوحشي، وعليهم أن يعرفوا أن الشعب والشباب في إيران والمنطقة أكثر مقاومة وسيواصلون مسار المقاومة».
وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب في مايو (أيار) 2019. وفي وقت لاحق من العام نفسه، دخل سليماني، على خط تهديدات متبادلة بين روحاني وترمب وحذر بأن قواته ستخوض حرباً «غير متكافئة» ضد القوات الأميركية في المنطقة، دون أن يتطلب مشاركة من القوات المسلحة الإيرانية إلى مواجهة مباشرة.
وحصلت الضربة بعد نحو أسبوع على مقتل مقاول أميركي في هجوم على قاعدة القوات الأميركية بالقرب من كركوك، ضمن قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وقبل مقتل سليماني بثلاثة أيام، تعرضت السفارة الأميركية في بغداد، لهجوم حيث داهم حشد غاضب، غالبيته من المؤيدين لكتائب «حزب الله»، أكثر الفصائل الموالية لإيران تشدداً، محيط السفارة وأضرموا النيران عند بوابتها.
وفي اليوم الخامس على مقتل سليماني، أطلقت إيران صواريخ باليستية عدة على الأراضي العراقية؛ لاستهداف قاعدتين تضمان القوات الأميركية. وقال محمد جواد ظريف بعد ساعات من إطلاق الصواريخ إن بلاده «أكلمت الانتقام لقاسم سليماني»، لكن كبار المسؤولين الإيرانيين أصروا لاحقاً على خلاف ذلك. واعتبروا إخراج القوات الأميركية من المنطقة، «هدفاً أساسياً للانتقام».
ولم تسجل خسائر في أرواح القوات الأميركية بعد عملية الهجوم، لكن تقارير وردت عن ارتجاجات بالمخ تعرض لها عشرات من الجنود الأميركيين. وفي ليلة الهجوم، أسقطت دفاعات «الحرس الثوري» طائرة ركاب مدنية، بعدما اعتقد فريق الرادار الإيراني أنها صاروخ كروز في طريقه إلى طهران؛ ما أدى إلى كارثة، قتل فيها 176 راكباً.
ودخل الجانبان، الأميركي والإيراني، سلسلة من التوترات في أعقاب بدء خطة أميركية قضت بتجميد صادرات النفط الإيرانية في مايو 2019. وتلاها، تعرض ناقلات نفط ومنشآت نفطية، لسلسلة هجمات غامضة في الخليج العربي وخليج عمان، بعد عام من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
وفرضت الولايات المتحدة استراتيجية الضغط الأقصى لإجبار طهران على قبول اتفاق يضبط تطوير الصواريخ الباليستية، إضافة إلى احتواء دورها الإقليمي، المتمثل برعاية ميليشيات متعددة الجنسيات تقاتل بإشراف من قادة في «فيلق القدس» أطلقت عليهم إيران تسمية «المستشارين العسكريين».
ونسبت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى محللين استخباراتيين، أمس، أنهم «رصدوا الدفاعات الجوية الإيرانية والقوات البحرية ووحدات أمنية أخرى في حالة تأهب قصوى».
من جانبه، علق حسين دهقان ومستشار المرشد الإيراني، على تقارير بشأن تحليق القاذفات «بي 52» وتأهب القوات الأميركية في المنطقة، محذرا ترمب من أن «جميع القواعد الأميركية بالمنطقة في نطاق صواريخنا». وأضاف «لا أنصح المطرود من البيت الأبيض بتحويل السنة الجديدة إلى عزاء للأميركيين».
الشرق الأوسط