بعد مرور أكثر من 5 أشهر على انفجار شحنة من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في لبنان في 4 أغسطس/ آب الماضي، وسقوط أكثر من 200 قتيل و7000 جريح، وتدميره أحياء عدة من العاصمة وتشريده أكثر من 300 ألف نسمة، بدأت تتكشف المزيد من الحقائق في هذا الصدد، خصوصاً في سياق توّرط النظام السوري في ملف الباخرة “روسوس” التي وصلت إلى المرفأ في عام 2013. ولم تكن تلك الباخرة الأخيرة من نوعها، إذ كُشف في اليومين الماضيين، عن وصول باخرة آتية من الصين، على متنها 10 مستوعبات تحتوي مادة “الصوديوم سالفايد”، على أن يتم شحنها عبر الترانزيت إلى سورية. مع العلم أنه يُمكن استخدام تلك المواد في القطاعات العسكرية والصناعية والطبية والكيميائية. ويأتي خبر الباخرة الصينية، بعد أكثر من أسبوع على كشف صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، معلومات عن أن بيروت كانت الوجهة المقصودة لباخرة “روسوس” التي كانت تحمل أطناناً من مادة نترات الأمونيوم، وليس موزمبيق وفقاً للأرقام الرسمية. ولفتت الصحيفة إلى احتمال أن يكون انفجار أطنان نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، قد أتى نتيجة محاولات مسؤولين سوريين الحصول عليها لاستخدامها في الأسلحة. مع العلم أن للنظام السوري تاريخاً من استخدام الأسلحة الكيميائية، سواء في الغوطة أو خان شيحون أو إدلب.
تعرّض باسل حسواني نجل جورج لمحاولة اغتيال في ريف دمشق
ووفق المعلومات، فإن رجلي أعمال مزدوجي الجنسية (سورية وروسية) يقفان خلف إحضار هذه المواد إلى مرفأ بيروت، وهما مدلل خوري وجورج حسواني اللذان يرتبطان بنظام الأسد وبتمويله. وأضافت الصحيفة البريطانية أن الصلات واضحة بين شركات مرتبطة بحسواني وخوري من جهة وشركة “سافارو ليمتد” التي اشترت شحنة النترات عام 2013، من جهة أخرى. ولفتت الصحيفة إلى أن عنوان “سافارو ليمتد” في لندن هو أيضاً العنوان المسجل لشركة كان يديرها حسواني، الخاضع للعقوبات الأميركية منذ عام 2015 بتهمة مساعدة النظام في شراء النفط من “داعش”، وهو الأمر الذي ينفيه. وفرض الأميركيون عقوبات على الأخوين عماد ومدلل خوري. وسبق أن اتهمت وزارة الخزانة الأميركية مدلل خوري بمحاولة الحصول على نترات الأمونيوم، قبل أشهر من رسو سفينة الشحن “روسوس” في بيروت خلال رحلة متعرّجة من جورجيا.
وبمراجعة ملفات الشركة مع هيئة “كومبانيز هاوس” لتسجيل الشركات في بريطانيا، وجدت وكالة “رويترز” أن شركة “سافارو ليمتد” وشركة “هيسكو” لأعمال الهندسة والبناء، الخاضعة بدورها لعقوبات أميركية لصلاتها بحسواني، نقلتا السجلات الرسمية لهما إلى العنوان نفسه في لندن في 25 يونيو/حزيران 2011. وتظهر الملفات أن العنوان هو نفسه المسجل أيضاً لشركة “آي.كيه بتروليوم إندستريال” التي كان عماد خوري مديراً فيها.
ويمكن لعشرات الشركات أن تتشارك العناوين المسجلة، ولا تثبت هذه الروابط بالضرورة أن يكون مالكو الشركات على صلة بعضهم بالبعض الآخر. لكن من النادر أن تنقل الشركات سجلاتها، خصوصاً إلى العنوان نفسه في اليوم نفسه.
ونفى عماد خوري أي صلة بـ”سافارو ليمتد”، وقال لوكالة “رويترز”، إن “هناك جهة تسجيل في لندن والكثير من الشركات مسجلة من خلالها، وليست شركتي فقط. لا أعلم شيئاً عن سافارو هذه”. وقال مدلل خوري إنه “ليس هناك منطق في توجيه اللوم في تفجيرات بيروت إلى شركة مسجلة بعنوان في لندن، يضم العديد من الشركات الأخرى المسجلة هناك أيضاً”.
وأثارت الاستنتاجات عن وجود صلات محتملة تربط بين “سافارو ليمتد” ورجال الأعمال السوريين، تساؤلات لدى البعض في بيروت عما إذا كانت شحنة نترات الأمونيوم، التي تستخدم في صناعة الأسمدة والمتفجرات أيضاً، موجهة إلى سورية. وقال يوسف لحود، أحد المحامين الذين يمثلون نحو 1400 من ضحايا الانفجار لـ”رويترز”، إنهم يسعون للتحقيق في الأمر، مضيفاً أن ذلك قد لا يقود لشيء وربما يكون الخيط الذي يكشف الحقيقة. وقالت وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم لـ”رويترز” إنه يجب التحقيق في التقرير، كما هو الحال مع أي إدّعاءات أخرى تتعلق بالتحقيق في الانفجار.
وتظهر سجلات هيئة “كومبانيز هاوس” في لندن أن قبرصية تدعى مارينا بسيلو هي مديرة شركة “سافارو ليمتد”، والمالكة لأغلبية الأسهم فيها منذ عام 2016. وأرسلت بسيلو رسالة إلكترونية لـ”رويترز”، جاء فيها أنها لا تدير شركة “سافارو ليمتد” أو تملكها، ولم ترد على أسئلة تتعلق بحسواني.
طلبت “سافارو ليمتد” شطب نفسها من السجلات البريطانية في 12 يناير
وتم تحميل نترات الأمونيوم على سفينة تسمى “روسوس” في جورجيا، كما تظهر سجلات الشحن، قبل أن تتوقف بشكل مفاجئ في لبنان في أواخر عام 2013. ولم تغادر “روسوس” لبنان، وتحولت إلى محل نزاع قانوني. وقالت الشركة الموزمبيقية التي طلبت شراء نترات الأمونيوم إنها طلبت الشحنة عبر “سافارو ليمتد”.
لكن الأمور لم تقف هنا، فأول من أمس الثلاثاء، أعلنت شركة “سافارو ليمتد”، عزمها شطب نفسها من السجل التجاري البريطاني، بعدما كانت قد تقدّمت بطلب الشطب في 12 يناير/كانون الثاني الحالي. مع العلم أن الشركة تُحَلّ وتُشطَب خلال شهرين من الإعلان، ما لم يكن هناك سبب يمنع ذلك.
وفي دمشق، تعرّض باسل حسواني لمحاولة اغتيال، يوم الاثنين الماضي، بإطلاق نار على سيّارته في منطقة يبرود في ريف دمشق، من دون أن يُكتَب للمحاولة النجاح. حسواني الذي غالباً ما يستعرض صوره باللباس العسكري، هو مالك شركة “ماسة للإنتاج النفطي” في سورية، التي تعمل في مجال بناء المنشآت النفطية وتجارة المشتقات النفطية، وهو أيضاً ابن جورج حسواني.
العربي الجديد