أثار اغتيال الكاتب والناشط السياسي اللبناني لقمان سليم موجة من ردود الأفعال، فدعا رئيس الجمهورية ميشال عون إلى «إجراء التحقيقات اللازمة» واعتبر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن «اغتياله لا ينفصل عن سياق اغتيالات من سبقه» فيما اعتبر مقربون منه، مثل علي الأمين، رئيس تحرير موقع «جنوبية» «الاغتيال رسالة لكل الناشطين في لبنان» مشيرا إلى أن «القاتل وقع اسمه وهو ليس بحاجة إلى من يتهمه بهذا الأمر» وخرجت بعض الأطراف، كـ»لقاء سيدة الجبل» من التلميح إلى التصريح، فقال إن الاغتيال تم «في منطقة نفوذ حزب الله وبالتالي هو المتهم الأساس».
اشتغل سليم، الذي هو نجل النائب السابق محسن سليم، من خلال إدارته مركز دراسات وأبحاث، على ملفات «الذاكرة اللبنانية» وتابع ما جرى خلال الحرب الأهلية، وقوائم المفقودين والمجازر التي ارتكبت، كما اهتم بتوثيق مجريات الحرب السورية، ومخيمات النازحين السوريين في لبنان، إضافة إلى متابعته ملفات الفساد، ومشاركته في الاحتجاجات الشعبية، وإدارته لدار نشر، وكان من المطالبين بدولة مدنية يحترم فيها الإنسان، ولعلّه كان قد أحسّ بمصيره فأشار إلى قاتليه بعد أن جرى اعتداء على منزله في الضاحية الجنوبية وألصقت على بابه لافتة كتب عليها «المجد لكاتم الصوت» وحصل ذلك بالتزامن مع هجوم نفذه مؤيدون لحزب الله وحركة أمل استهدف خيام نشطاء في بيروت.
إضافة إلى التهديدات المباشرة بالقتل، وتطويق منزله، فقد تعرّض سليم إلى حملة تخوين وهدر دم، وكان مؤسفا أن صحيفة معروفة شاركت في حفلة التحريض المعلنة هذه، كما كان مسيئا إطلاق نجل الزعيم الشيعي حسن نصر الله تغريدة بعد الاغتيال يقول فيها إن «خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب» مرفقا إياها بهاشتاغ: بلا أسف، وهي جملة قام آخرون بتكرارها بعده قبل حذف التغريدة وإنكار علاقتها بالحادث.
قامت بعض الجهات التي جرت الحادثة في دائرة نفوذها الجغرافية، كحركة «أمل» في المقابل، باستنكار الحادثة وطالبت بتحقيق أمني سريع للكشف عن الفاعلين، فيما اعتبر بعض المقرّبين من «حزب الله» كالوزير السابق وئام وهاب، أن من قام بالاغتيال «هو من يحاصر المقاومة» وطالب المفتي الشيعي عبد الأمير قبلان بـ«التفتيش عن القاتل بين أعداء لبنان».
كانت مصادر أمنية لبنانية قد حذرت، في وقت سابق، من عودة الاغتيالات السياسية، وربطت ذلك بانسداد الأفق على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعبّرت تصريحات دول فاعلة في لبنان عن هذا الانسداد، بدعوة أمريكا وفرنسا لإعلان النتائج سريعا في أسباب انفجار مرفأ بيروت، وتشديد وزيري خارجيتي البلدين على «الضرورة الملحة» لتشكيل حكومة ذات مصداقية، كما عبّر الشارع اللبناني عن غضبه باحتجاجات عنيفة في طرابلس.
من نافل القول إن للمنظومة السياسية اللبنانية، التي يلعب فيها «حزب الله» الدور الأكبر، علاقة بهذا الانسداد الكبير في مجمل هذه القضايا. تجمع سياسات «حزب الله» وحلفائه في حركة «أمل» وتيار رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، بين الفساد الفاحش، والاستيلاء على موارد الدولة، وتجيير الأمن والسياسة والاقتصاد لدعم آليات بقاء النظام السوري، وتنفيذ سياسات إيران الإقليمية، وقد أهدرت هذه السياسات كل الدعاية السابقة حول وقوف الحزب ضد إسرائيل، وحوّلت دعايته تلك إلى مجرّد بضاعة سيئة لتمرير الطغيان المحلّي والإقليمي، ضد الشعبين اللبناني والسوري.
القدس العربي