رغبة بايدن في إغلاق ملف اليمن لا تعكس توافقا دوليا حول التسوية

رغبة بايدن في إغلاق ملف اليمن لا تعكس توافقا دوليا حول التسوية

عدن – سارعت كل الأطراف المرتبطة بالملف اليمني إلى إعلان تأييدها لما تضمنته أول كلمة للرئيس الأميركي جو بايدن حول السياسة الخارجية للإدارة الجديدة، والتي تضمنت الدفع باتجاه التوصل إلى تسوية شاملة في اليمن وإيقاف الدعم الأميركي لعمليات التحالف ومواصلة واشنطن تعهداتها بمساعدة السعودية على حماية أراضيها ضد الهجمات الحوثية المدعومة من إيران. لكن هذه الرغبة الأميركية لا تعبر عن رؤية دولية واضحة حول شكل التسوية في اليمن.

ولم يكن موقف الرئيس الأميركي إزاء الأزمة مفاجئا، في ظل الإشارات المبكرة التي بعثت بها إدارة بايدن بشأن إمكانية ممارستها المزيد من الضغوط السياسية لإيقاف الحرب في اليمن، بما في ذلك إعلانها في السابع والعشرين من يناير الماضي تجميدا مؤقتا لبعض مبيعات الأسلحة للإمارات والسعودية ومراجعة الاتفاقات الموقعة مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وتزامن الموقف الأميركي مع إعلان واشنطن عن تعيين الدبلوماسي الأميركي تيموثي ليندركينغ مبعوثا خاصا إلى اليمن، في مؤشر على جدية إدارة بايدن في إحداث اختراق في الملف اليمني، وتعزيز جهود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث الذي سارع إلى الترحيب بهذا القرار ووصفه بالخطوة الإيجابية نحو تعزيز الانخراط الدولي والدبلوماسي. وعبر في تغريدة على تويتر عن تطلعه إلى العمل مع المبعوث الأميركي الجديد من أجل إعادة اليمن إلى مسار السلام.

وتشير التطورات المتصلة بالأزمة اليمنية إلى عدم تبلور رؤية إقليمية ودولية موحدة حتى الآن حول شكل التسوية الشاملة للملف اليمني، فيما عدا الرغبة الأميركية التي أتت مكملة للمواقف الأوروبية الداعية إلى ضرورة وضع حد للحرب في اليمن وممارسة ضغوط متزايدة على جميع الأطراف اليمنية لإنجاح جهود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث ورؤيته لوقف إطلاق النار والمرحلة الانتقالية المعروفة باسم “الإعلان المشترك”.

وأكدت مصادر سياسية مطلعة لـ”العرب” أن غريفيث استطاع تجاوز العقبة الأميركية التي كانت تحول دون تصعيد رؤيته للحل في اليمن إلى مجلس الأمن الدولي، وهو الأمر الذي لم يعد موجودا بعد اتضاح ملامح السياسة الخارجية الأميركية الجديدة التي تقترب في الملفين اليمني والإيراني من الرؤية الأوروبية إلى حد كبير.

واعتبر مراقبون أن كلمة بايدن جاءت للتأكيد على رغبة واشنطن في إغلاق ملف الحرب في اليمن، بالتوازي مع التصدي لأي مخاطر تتهدد الأمن الإقليمي لحلفائها في المنطقة، وهو ما قد يشير إلى وجود رغبة أميركية -لم يصرّح بها بايدن علنا- في إنهاء دور التحالف العربي في اليمن.

وشدد خبراء يمنيون على أن الاستعجال الأميركي اللافت في معالجة الملف اليمني، انطلاقا من أبعاده الإنسانية، لا يبدو أنه ينسجم مع تعقيدات الملف اليمني، وخصوصا الجزئية المتعلقة بدور التحالف في اليمن الذي لعب دورا رئيسيا في منع المزيد من الانقسامات في معسكر المناوئين للحوثي. وحذّر هؤلاء الخبراء من أن انسحاب التحالف من اليمن في هذه المرحلة قد يهدد بنسف “اتفاق الرياض” وبدء جولة جديدة من الصراع في المناطق الجنوبية المحررة.

وأشار مراقبون سياسيون يمنيون إلى أن أي فراغ أمني وعسكري في هذه المرحلة قد يغري أطرافا وجهات يمنية ممولة من الخارج بخوض معارك جديدة للاستحواذ والسيطرة قبيل التوصل إلى أي تسوية شاملة للملف اليمني. وهو الأمر الذي قد تشارك فيه الميليشيات الممولة من قطر (الحشد الشعبي)، والتي تسيطر على أجزاء من تعز وشبوة والمهرة ومازالت تتمتع بلياقة عسكرية تمكنها من الدخول في مواجهات جديدة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.

ورحب نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في سلسلة تغريدات على تويتر بكلمة بايدن، وبما اعتبره “التزام الرئيس الأميركي المعلن بالعمل مع الأصدقاء والحلفاء لحل النزاعات، والتعامل مع الهجمات المدعومة من إيران ووكلائها في المنطقة”.

كما رحب نائب وزير الدفاع السعودي بتعيين تيموثي ليندركينغ مبعوثا أميركيا خاصا لليمن، مؤكدا تطلع الرياض إلى مواصلة العمل مع شركائها الأميركيين للحد من تدهور الوضع الإنساني وإيجاد حل لأزمة اليمن، وضمان السلام والاستقرار في هذا البلد، مشيرا إلى أن بلاده “حتى قبل أن يطيح مسلحو الحوثي المدعومون من إيران بالحكومة اليمنية في عام 2014، لم تدخر أي جهد في إيجاد حل سياسي مستدام للصراع”.

وترك الأمير خالد بن سلمان الباب مواربا أمام موقف السعودية من دعم “الشرعية” اليمنية، في إشارة وصفها مراقبون بأنها تعبير عن ثقة الحكومة السعودية في دعم خياراتها المتعلقة بأمنها القومي، بمعزل عن أي ضغوط خارجية.

وشدد في تغريدة بهذا الشأن على استمرار الرياض في “دعمها للجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن وفق المرجعيات الثلاث ودعمها للشرعية اليمنية سياسيًّا وعسكريًّا في مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران في كل الجبهات وبكل حزم”.

وتعاقبت تصريحات المسؤولين السعوديين في وزارة الخارجية للتعبير عن ترحيب السعودية بكلمة الرئيس الأميركي، وخصوصا الجزء المتعلق بتعهد إدارته الالتزام بدعم جهود حماية الأراضي السعودية من الهجمات الحوثية المدعومة من طهران.

وفي اتجاه مواز أعلنت دولة الإمارات، العضو الفاعل في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إنهاء الإمارات تدخلها العسكري في اليمن في أكتوبر من العام الماضي، حرصًا منها على دعم جهود الأمم المتحدة ومبادرات السلام المتعددة.

وفي بيان لها رحبت الحكومة اليمنية بما ورد في خطاب الرئيس الأميركي، مؤكدة على أهمية دعم الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة اليمنية.

كما رحب البيان اليمني بتعيين تيم ليندركينغ مبعوثا خاصا إلى اليمن، معتبرا هذا القرار “خطوة أخرى مهمة تتخذها الولايات المتحدة الصديقة ضمن مساعيها الداعمة والمساندة للحكومة والشعب اليمني لإنهاء الحرب التي أشعلتها الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران”.

وشددت الحكومة اليمنية في البيان على “التزامها التام بالعمل مع تحالف دعم الشرعية وأعضاء المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سياسي يجلب السلام الشامل والمستدام في اليمن ويستند على المرجعيات الثلاث؛ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وعلى وجه الخصوص القرار 2216”.

كما رحب المجلس الانتقالي الجنوبي على لسان نائب رئيسه، هاني بن بريك، بتعيين واشنطن مبعوثا خاصا لها إلى اليمن، معتبرا أن هذا القرار يصب في مصلحة جميع الأطراف.

وأضاف بن بريك في تغريدة على تويتر “نثمن هذه الخطوة للإدارة الأميركية الجديدة بقيادة فخامة الرئيس بايدن وهي بلا شك ستسهم في التعجيل بتسوية الصراع بشكل عادل”.

العرب