لندن – قالت مصادر إعلامية إن صورا للأقمار الصناعية التقطت لقاعدة عسكرية إماراتية في إريتريا تظهر أن الإمارات بدأت بتفكيك قاعدة عسكرية تديرها في ميناء عصب الإريتري في خطوة قال مراقبون إنها تُظهر وجود مراجعة إماراتية لتمركزها في القاعدة تحسبا لنهاية الحرب في اليمن، كما تشير إلى إعادة تموضع إستراتيجية تتناسب مع متغيرات الأمن في منطقة البحر الأحمر والممرات البحرية الإستراتيجية القريبة.
ويأتي التحرك الإماراتي في الوقت الذي يُنتظر فيه أن تقود تغيرات الحرب في اليمن إلى إحداث تغييرات في توزيع القوى خاصة في ظل سباق دول إقليمية مثل تركيا وإيران للحصول على مواقع إستراتيجية في القرن الأفريقي.
وشيدت الإمارات ميناءً ووسعت مهبطا للطائرات في مدينة عصب منذ سبتمبر 2015، واعتُمدت المنشأة كقاعدة لنقل أسلحة ثقيلة وقوات سودانية إلى اليمن أثناء قتالها إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران هناك.
وأشار وزير الدولة للشؤون الأفريقية في السعودية أحمد عبدالعزيز قطان خلال زيارة يجريها للسودان إلى أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز سيدعو إلى قمة لمنظومة البحر الأحمر وخليج عدن، مؤكدا أن منظومة البحر الأحمر ستكون لها أدوار في غاية الأهمية، أهمها خلق فرص استثمارية والمحافظة على أمن البحر الأحمر.
وتنظر الرياض بقلق إلى المحاولات الإيرانية والتركية للتمدد في المنطقة، في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة فكرة تعيين مندوب خاص لمنطقة القرن الأفريقي والعمل على تغيير طبيعة التواجد الأميركي في المنطقة وتحويل وجهته من مواجهة عمليات الإرهاب والقرصنة إلى التحصن للرد على التحدي الإستراتيجي الإيراني المتزايد من اليمن.
وأشار خبراء إلى أن المشاهد التي نقلت صورا لها وكالة أسوشيتد برس تظهر أن الإمارات تغير أولوياتها الدفاعية في المنطقة وأن قاعدة عصب اللوجستية كانت ضرورية للحملة في اليمن، أما الآن فإن أمن الممرات المائية يفترض حضورا استخباريا وتحركا عسكريا مرنا وقت الضرورة، ولكنه أيضا يعكس إدراكا إماراتيا بأن ثمة تغييرا في قواعد المواجهة في المنطقة.
وقال ألكس ألميدا -المحلل الأمني في شركة “هوريزنكلاينت أكسس” الذي درس الوضع في عصب- إنه “بمجرد أن رأى الإماراتيون أن اليمن لا يستحق كل هذا العناء، قرروا إنهاء الأمر”.
وأعلنت الإمارات في صيف 2019 أنها شرعت في سحب قواتها من الحرب التي ما زالت مشتعلة إلى اليوم.
ويشير الخبراء إلى أن تفكيك القاعدة هو تأكيد على الانسحاب من ملف اليمن مع محافظة الإمارات على وجودها في القرن الأفريقي الذي دخلته ضمن رؤية تقوم على تبادل المصالح مع دول المنطقة.
ولعبت الإمارات دورا محوريا في نجاح المصالحة بين إريتريا وأثيوبيا، وشجعت على انتهاج هذا المسار من خلال مشاريع واستثمارات في المجالات الاقتصادية والتجارية والتنموية.
ويحمل الانسحاب الإماراتي من حرب اليمن وتفكيك القاعدة التي استثمرتها أبوظبي في تدخلها ضمن التحالف العربي لدعم “الشرعية” رسالة واضحة لتبديد الاتهامات والإشاعات التي روج لها الإعلام المعادي بشأن خطط الإمارات في اليمن والممرات المائية.
واعتبر مراقبون أن الإمارات نقلت الضغط إلى خصومها من خلال تفكيك قاعدة عصب وإظهار نوايا جدية في الانسحاب، وأنها فتحت الأعين على الأدوار التي تقوم بها دول أخرى مثل إيران وقطر وتركيا في اليمن، لافتين إلى أن الاستهداف الإعلامي للإمارات كان الهدف منه التغطية على خطط الدول الثلاث التي تقوم على تقاسم النفوذ في نقاط حساسة في اليمن.
وقال مصدر خليجي مطلع لـ”العرب” شرط عدم الكشف عن اسمه إن “الرسالة الإماراتية من وراء تفكيك القاعدة سعت إلى لفت الأنظار إلى الأعداء الحقيقيين الذين يهددون أمن اليمن ومنطقة القرن الأفريقي، خاصة في ظل هوس أنقرة وطهران بزيادة النفوذ في هذه المنطقة”.
وتحاول تركيا عن طريق حزب الإصلاح الإخواني الحصول على وجود إستراتيجي على سواحل اليمن، وهي تقف وراء مشروع ميناء “قنا” التجاري بمديرية رضوم في محافظة شبوة، بما سيتيح لها ولقطر الحصول على منفذ على بحر العرب.
وعملت أنقرة بقوة على دعم علاقاتها بدول شرق أفريقيا، وتمكّنت من إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في الصومال عام 2016، وتحاول حاليا العودة إلى السودان وإحياء الاتفاق بشأن جزيرة سواكن التي خسرتها بعد الثورة على حليفها الرئيس السابق عمر البشير، فضلا عن التركيز الكبير على أثيوبيا.
وتلعب قطر أدوارا ذات أهمية إستراتيجية في اليمن، حيث تقوم بتشجيع التحالف بين الإخوان والحوثيين، وهي بذلك تعبّد الطريق أمام زيادة النفوذ الإيراني من ناحية، ومن ناحية ثانية تسعى إلى تعقيد الوضع على السعودية ومنعها من التوصل إلى وضع ميداني في اليمن يحافظ على مصالحها ويحفظ أمنها القومي.
وستكون إيران أكبر المستفيدين فيما لو نجحت خططها في الدفع نحو حل سياسي يحافظ على مكاسب حلفائها الحوثيين الذين يقاتلون حاليا لإضافة مأرب الغنية بالنفط إلى الأراضي الواقعة تحت نفوذهم.
ويعتقد الخبراء أن توقف الحرب في اليمن وفق التوازنات الحالية سيدفع إلى واقع جديد لن يُترك القرار فيه للدول الإقليمية وحدها، وأن الولايات المتحدة -على وجه الخصوص- ستعمل على فرض واقع أمني يسمح بحرية الملاحة ولا يعيق حركة تصدير النفط. وهو ما بدا واضحا من خلال تسريبات عن تمركز أميركي عسكري مرتقب في ميناء ومطارين سعوديين على مقربة من اليمن، وجدية التعهدات الأميركية بحماية أمن السعودية وإجبار الحوثيين على وقف الهجمات.
وسيظل أمر تقاسم المواقع مرهونا بما ستؤول إليه التوازنات اليمنية قبل مفاوضات الحل النهائي، ومن بين هذه التوازنات حدود السيطرة الحوثية في الشمال؛ هل سيضمون مأرب؟ وكذلك ما ستؤول إليه الأمور في المناطق المتنازع عليها بين الحكومة اليمنية والحوثي، وهل سينجح اتفاق الرياض في بناء “شرعية موحدة” بين الانتقالي الجنوبي وحكومة عبدربه منصور هادي؟
العرب