فجأة استيقظت الدول الأوروبية على اللجوء السوري الذي بدأ منذ ان شن بشار الأسد حربه على شعبه ودفعت براميله الى اللجوء الى الخارج والتشرد. لبنان تحمل اكثر من مليون لاجئ. وهو عبء كبير لبلد يعاني من انقسام سياسي عميق ومن اوضاع اجتماعية واقتصادية مزرية. والأردن وتركيا تحملا ايضاً عبئاً كبيراً.
لكن كل ذلك بفعل حرب ارادها الأسد وكان بالإمكان تجنبها والتجاوب الحقيقي مع مطالب الشعب بالحرية والإصلاح. بيد ان عائلة الأسد لا تعرف معنى الحرية. فكلما تحدث سوري او لبناني عن الحرية اما اعتقلته وعذبته او اغتالته او قصفته بالبراميل القاتلة. والآن وأوروبا تتنازع حول توزيع ١٥٠ الف لاجئ سوري في دولها، يتنافس الأوروبيون لزيارة اللاجئـــين في الدول التي تستضيفهم لإطلاق الوعود بمساعدتهم ودعمهم في وقت يتدفق اللاجــئون ويـــخاطرون بحياتهم متجهين الى الغرب الذي لا يمكنه استيعابهم بهذه الكثرة.
وأصبح اللجوء السوري الى فرنسا وبريطانيا وألمانيا فجأة الموضوع الأساسي في الإعلام الغربي مع مشهد الولد ايلان الكردي السوري الملقى على الشاطئ التركي. لكن لماذا لم يتحرك هذا الرأي العام نفسه عندما قتلت قوات بشار الأسد في ٢٠١١ الطفل حمزة الخطيب في درعا عندما بدات الأحداث. فسلطات الأسد اعتقلته وقتلته قبل انتشار صوره على الشبكات الاجتماعية. ان مشهد ايلان الكردي مؤلم ومريع وغير مقبول.
لكن ينبغي التساؤل كم ايلان وقع قبله وكم حمزة بعده بسبب بشار الأسد. واللجوء بدأ منذ اربع سنوات عندما اندلعت الأحداث وتفاقمت عندما قتل الطفل حمزة الخطيب. وقال ذلك بوضوح امس رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالز ان داعش اتى على يد الأسد الذي اراد قتل المعارضة المعتدلة. فمسألة اللجوء اليوم تطرح نفسها في اوروبا بقوة في اوساط الرأي العام وأدت الى تأييده ضرب «داعش» الذي لن يحل مشكلة اللجوء ما دام بشار الأسد وجماعته على رأس الحكم.
جاء السيد كامرون لزيارة خاطفة مشكورة يعلن فيها عن المزيد من الدعم الى اللاجئين. ان زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ستتبع ولكنها ستكون مختلفة لأنه يريدها مفيدة للبنان وللاجئين فيبحث عن ظروف تمكنه من جعلها مفيدة على الصعيد السياسي اللبناني رغم ان رأيه العام غير مهتم الا بمسألة اللاجئين لأن الجميع ملّ من لبنان وانقساماته السياسية المستمرة. وهولاند يقول الآن انه اصبح من الضروري ان يتم ضرب «داعش» في سورية وغالبية الرأي العام تؤيد هذه الضربة ما سيشجعه على القيام بها.
ولكن ضرب «داعش» على عكس ما يعتقده بعضهم، سيزيد مأساة اللجوء لأن المدنيين الباقين سيحاولون الهروب من ضربات الائتلاف ضد «داعش» مهما كانت محددة ودقيقة لمراكزها. فدائماً في هذه الحروب يأخذ العدو المدنيين رهينة وحشيتهم. الحل ليس في ضرب داعش بل انهاء نظام الأسد. ولكن الغرب عاجز. وبعضهم في فرنسا في طليعتهم زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن تقول انه ينبغي الاختيار والتحدث مع الأسد. وبعض النواب ايضاً من اليمين واليسار يقول الشيء نفسه. ولكنهم يغضون النظر عن ان كل المشكلة ظهرت وتراكمت من وحشية الأسد قبل «داعش».
لذا ينبغي الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلى النظام الإيراني من اجل الحل دون الأسد قبل تفكيك سورية. ووحدها الإدارة الأميركية وربما ألمانيا بإمكانهما القيام بذلك. وحدها باريس الآن ورئيسها هولاند وفالز يؤكدان ضرورة حل من دون الأسد.
رنده تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية