محاولة استفزاز إيرانية للإدارة الأميركية وراء الهجمات الصاروخية في العراق

محاولة استفزاز إيرانية للإدارة الأميركية وراء الهجمات الصاروخية في العراق

تملّص حلفاء إيران في العراق من المسؤولية عن الاستهداف المتكرّر للمصالح الأميركية داخل الأراضي العراقية، وإداناتهم الصريحة للهجوم الصاروخي الأخير على سفارة الولايات المتّحدة في بغداد، لا تعني بالضرورة براءتهم منها، حيث تظل حليفتهم طهران هي صاحبة المصلحة في استفزاز إدارة جو بايدن ومحاولة تحريك بركة العقوبات التي ما تزال على ركودها رغم رحيل الإدارة الأميركية التي فرضتها.

بغداد – تحمل الهجمات الصاروخية المتجدّدة ضد منشآت أميركية في العراق مؤشرا على تصعيد من جانب الفصائل الشيعية الموالية لإيران على خلفية نفاد صبر القيادة الإيرانية تجاه الإدارة الأميركية الجديدة، وسعيها لاستثارتها وإخراجها عن تحفّظها لمعرفة حقيقة اتّجاهات سياساتها تجاه طهران وحلفائها في المنطقة، والتي لم تحمل بالنسبة إلى الإيرانيين جديدا بشأن أهم الملفّات التي تشغلهم وعلى رأسها العقوبات الشديدة التي كانت إدارة دونالد ترامب السابقة قد فرضتها على بلادهم.

وسجلت ثلاث هجمات بالقذائف الصاروخية على مصالح غربية في العراق خلال أسبوع بعد هدوء استمر أربعة أشهر.

وقال مسؤول عسكري أميركي كبير في العراق غداة إطلاق قذائف صاروخية في اتجاه السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد “يبدو أننا عدنا إلى أحداث العام الماضي”.

واستُهدفت السبت الماضي قاعدة بلد شمالي بغداد بهجوم صاروخي أدى إلى إصابة متعاقد عراقي في شركة أميركية مكلفة بصيانة طائرات آف 16 التي حصل عليها العراق من الولايات المتحدة.

وسبق ذلك هجوم مماثل استهدف الأسبوع الماضي قاعدة جوية في كردستان العراق في شمال البلاد تؤوي جنودا أميركيين ما تسبّب بمقتل مدني عراقي ومتعاقد مدني أجنبي وجرح آخرين بينهم عسكري أميركي.

وقال المسؤول الأميركي لوكالة فرانس برس إن الحوادث الأخيرة تشبه الهجمات التي وقعت العام الماضي واستُخدمت فيها العشرات من الصواريخ من طراز 107 ملم التي تطلق من مركبات صغيرة.

ويظل الملفت للنظر الآن أن المجموعات المتهمة بتنفيذ هذه الهجمات كانت أول الجهات المستنكرة لها، لكن المصادر الأمنية وأغلب المهتمين بالملف لا يبدون مقتنعين بهذا التنديد.

وقال قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق إحدى أشرس الميليشيات الشيعية العراقية وأكثرها ارتباطا بإيران إن “استمرار استهداف المنطقة الخضراء يضع الكثير من علامات الاستفهام حول الجهة المستفيدة من ذلك”.

كما أدان هادي العامري قائد ميليشيا بدر الذي سبق له القتال إلى جانب إيران في حرب الثماني سنوات ضدّ بلاده العراق “العودة إلى قصف البعثات الدبلوماسية وإرهاب المدنيين”.

وقال المسؤول الأميركي إنّ “المؤشرات تدلّ على أن الهجمات تعتمد الأسلوب السابق”، مضيفا “المعلومات الاستخباراتية تقول إن هناك المزيد من الهجمات في المستقبل”.

ويرى محللون وخبراء أن استئناف الهجمات ضد المصالح الأميركية في العراق مرتبط بعوامل محلية ودولية.

وعلى المستوى المحلي، تتحدى الفصائل المسلحة العراقية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي كان وعد بضبط هذه الفصائل، وفق ما تقول أنيسة بصيري من المعهد الملكي لخدمات الأمن والدفاع.

وقال الكاظمي بشأن الاستهداف الجديد للسفارة الأميركية إنّ “الصواريخ العبثية محاولة لإعاقة تقدّم الحكومة وإحراجها”.

وفي إشارة إلى ارتباط تلك الهجمات بالصراع الإقليمي والدولي عبّر عن رفضه لأن “تكون أرض العراق ساحة لتصفية الحسابات”.

ولا يُحسب رئيس الوزراء العراقي ضمن معسكر الموالاة لإيران الذي حكم البلاد منذ سنة 2003، وتعتبره الأحزاب والفصائل المسلّحة أقرب إلى الولايات المتّحدة، ولذلك ترى أن الضغط على حكومته هو بمثابة ضغط على واشنطن.

وفي اتّصال هاتفي بين بايدن والكاظمي إثر الاستهداف الأخير للسفارة الأميركية في بغداد أكّد الرئيس الأميركي “دعم الولايات المتحدة لسيادة العراق واستقلاله وأشاد بقيادة رئيس الوزراء للبلاد”، بحسب ما ورد في بيان للبيت الأبيض.

وجاء في البيان أنّ الطرفين “ناقشا الهجمات الصاروخية الأخيرة ضد أفراد القوات العراقية وقوات التحالف واتفقا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن مثل هذه الهجمات بالكامل”.

وتوضح بصيري أن قادة تلك الفصائل “يريدون أن يذكروا الجميع بأنهم موجودون وأن يظهروا لرئيس الوزراء بأنهم يملكون حرية التحرك متى شاؤوا”.

وتسعى هذه الفصائل الشيعية المعروفة بصلاتها القوية بالحرس الثوري الإيراني ولها ممثلون في البرلمان إلى إبراز عضلاتها مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرّرة لشهر أكتوبر القادم. وتضيف بصيري “الانتخابات المقبلة سيكون لها دور مفصلي وهذه المجموعات تستعدّ لها”.

وتشير الى أن الصواريخ قد تحمل أيضا رسالة من طهران إلى واشنطن حيث تسعى إدارة الرئيس بايدن إلى إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق ترامب في 2018.

وبينما تطالب واشنطن بالعودة الى المفاوضات في شأن الاتفاق الذي تلا انسحابَ واشنطن منه فرضُ عقوبات أميركية شديدة على إيران، تريد طهران رفع العقوبات قبل أي تفاوض جديد.

وحذّر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من أن بلاده ستخصّب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة وهي نسبة أعلى بكثير من الحد الأقصى البالغ 3.67 في المئة الذي قبلت به إيران بموجب اتفاق 2015.

وتقول بصيري “الهجمات المتجددة قد تكون محاولة من المقربين من إيران لزيادة نفوذ حليفتهم في ضوء المحادثات التي تلوح في الأفق مع الولايات المتحدة”. وقد تكون لدى إيران أسباب مالية للضغط على بغداد بشكل مباشر، وفق مسؤولين محليين وغربيين.

فمع تقلص اقتصادها بسبب العقوبات، تحتاج طهران إلى الوصول إلى حسابها في بنك التجارة العراقي المملوك للدولة حيث كانت الحكومة العراقية تدفع لها ثمن الغاز الإيراني المستورد. لكنّ مسؤولين عراقيين قالوا إنهم يخشون دفع ديون مستحقة لطهران بقيمة حوالي ملياري دولار خشية أن يثير ذلك غضب الولايات المتحدة.

وأثيرت القضية في أواخر يناير الماضي عندما سافر وفد يضم وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ورئيس ديوان رئيس الوزراء رائد جوحي إلى طهران.

وبحسب مسؤول عراقي كبير مطّلع على الزيارة حمل جوحي رسالة من الكاظمي تطلب من طهران كبح جماح الجماعات المسلحة في العراق بعد هجمات صاروخية شملت السفارة الأميركية.

والتقى المسؤولان العراقيان إسماعيل قاآني الذي خلف قاسم سليماني في قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري بعد مقتل الأخير في غارة أميركية بطائرة مسيّرة العام الماضي.

وصرح المسؤول العراقي بأن “قاآني أبلغ حسين وجوحي بأن إيران لن تتمكن من السيطرة على نشاطات الجماعات المسلحة في العراق ما لم تحصل على أموال من حساب المصرف العراقي للتجارة”.

وأكد مسؤول عراقي ثان ودبلوماسي غربي أن المناقشات خلصت إلى ارتباط قضايا حساب مصرف التجارة العراقي بالهجمات الصاروخية.

ويطرح متابعون للشأن العراقي سؤالا بشأن كيفية تعامل إدارة بايدن مع الاستهداف المتكرّر لمصالح الولايات المتّحدة في العراق، وإن كانت ستردّ عليها، ومن هو الطرف الذي ستستهدفه بالردّ.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إنّ الولايات المتحدة “ستحمّل إيران المسؤولية عن تصرفات وكلائها الذين يهاجمون الأميركيين” وأضاف “قدمنا خيارات للرد بما في ذلك الضرب داخل وخارج العراق، لكننا لم نتسلم أي أوامر جديدة من الإدارة”.

ورغم ما يبدو موقفا أميركيا حازما تجاه الهجمات الصاروخية في العراق، إلاّ أن إدارة بايدن تبدو حذرة من الانجرار وراء الاستفزازات لمعرفتها بأنّ إيران تستعجل النتائج. وحرص برايس على القول “ما لن نفعله هو شن هجوم والمجازفة بتصعيد يخدم مصلحة إيران ويساهم في محاولاتها إحداث المزيد من زعزعة استقرار العراق”.

العرب