اكتسبت قضيةُ اللاجئين السوريين اهتمامًا وزخمًا خاصًّا خلال الفترة الأخيرة في أعقاب نزوح عدد كبير من هؤلاء اللاجئين إلى بعض الدول الأوروبية؛ حيث بدأت بعضُ الأطراف المعنية بالأزمة في الدعوة إلى ضرورة تفعيل الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية تُنهي الأزمةَ التي قاربت على إنهاء عامها الخامس، خاصةً وأن سوريا تحولت إلى أكبر مصدر للاجئين في العالم. ومن دون شك، فإن ما يُمكن أن يدعم من تلك الجهود هو أن الأولوية باتت في الوقت الحالي لمحاربة الإرهاب، لا سيما تنظيم “داعش”. ومع ذلك، فإن ثمة تحديات يمكن أن تعرقل تلك الجهود خلال الفترة القادمة.
ردودُ فعل متباينة:
كشفت مواقف الدول الغربية حيال التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين عن تباين ملحوظ يُمكن تناوله على النحو التالي:
1- استيعاب كامل: وهي السياسة التي تبنتها ألمانيا التي أعلنت أنها ستمنح إقامة مؤقتة لجميع اللاجئين، وتوقعت تدفق أكثر من 800000 بحلول نهاية عام 2015، وهو ما دفع اللاجئين السوريين إلى إطلاق حملة “شكرًا ألمانيا”. بينما أعلنت إسبانيا استيعاب أكبر عدد ممكن من اللاجئين دون تحديد نسب معينة.
2- استقبال حذر: على غرار موقف كلٍّ من فرنسا وبريطانيا، حيث أعلنت الأخيرة نيتها استضافة 20 ألف لاجئ سوري، بينما أشارت الأولى إلى أنها يمكن أن تستقبل 24 ألف لاجئ. ويرجع تغير الموقف الفرنسي والبريطاني حيال استقبال اللاجئين إلى الضغوط الداخلية التي تعرضت لها الحكومتان، حيث طرحت الناشطة البريطانية كيتي وايت، على سبيل المثال، عريضة لحث حكومة ديفيد كاميرون على استقبال اللاجئين، وقد حصلت بالفعل على 130 ألف توقيع من البريطانيين يُطالب البرلمان بمناقشتها. أما الولايات المتحدة الأمريكية فتعرضت لانتقادات جمة نتيجة موقفها الذي وصفته بعض الاتجاهات بـ”المتخاذل” حيال استقبال اللاجئين، خاصةً وأنه منذ الأزمة السورية استقبلت 1500 لاجئ سوري فقط. ويبدو أن ذلك هو ما دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التعهد باستقبال 10 آلاف لاجئ سوري خلال العام المقبل.
3- الاكتفاء بالمساعدات: وهو ما بدأت دول مثل الدنمارك في اتخاذ خطوات إجرائية بشأنه؛ حيث أعلنت نيتها تقديم مساعدات تصل إلى عشرة ملايين و476 ألف دولار.
4- استقبال مشروط: إذ اشترطت بعض الدول أن يكون اللاجئون مسيحيين، على غرار بولندا وسلوفاكيا والتشيك، وهو الموقف ذاته الذي تبنته المجر، في حين منحت قبرص الأولوية للمسيحيين، وأعلنت سلوفينيا استقبال ألف لاجئ سوري مسيحي، بينما قررت سلوفاكيا استضافة 200 لاجئ سوري مسيحي. واللافت في هذا السياق، هو أن بعض التوجهات المماثلة ظهرت في بعض الدول الأخرى مثل فرنسا، حيث قال نائب رئيس بلدية روان، الجمهوري إيف نيكولين إن “البلدية ستستقبل لاجئين مسيحيين فقط”.
عوامل عديدة:
يرجع تباين مواقف الدول الغربية في التعامل مع ملف اللاجئين إلى جملةٍ من العوامل الرئيسية التي تتمثل في:
1- استمرار أزمات الاتحاد الأوروبي، حيث ما زال الاتحاد الأوروبي يُعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة بسبب أزمة اليونان، وعدم استقرار اليورو، فضلا عن المخاوف المرتبطة بالتصويت المقبل حول بقاء أو انسحاب بريطانيا من الاتحاد. وبالطبع، فإن ما سوف يزيد من حدة تلك الأزمات، هو عدم الاستقرار على حصص متساوية لتوزيع اللاجئين على دول الاتحاد، بالتوازي مع تزايد احتمالات مناقشة مستقبل اتفاقية “دبلن”، سواء في اتجاه إلغائها أو تعديلها بوضع استثناءات على اللاجئين السوريين.
وقد دفع ذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للقول: “إن العالم يراقب ما يقوم به الاتحادُ الأوروبي حيال اللاجئين، فإذا فشل فهذا يعني تدمير منظومة حقوق الإنسان، وإن أوروبا لن تكون هي أوروبا التي حلمنا بها”. لذا اقترح الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند تفعيل “آلية إلزامية” لتوزيع طالبي اللجوء على دول الاتحاد الأوروبي، للحفاظ على اتفاقية “شنجن”، حيث قال: “هناك بُلدان تريد فرض معايير معينة، تريد استقبال هؤلاء وتستبعد غيرهم باسم الأديان.. هناك بُلدان تريد بناء جدران وعدم استقبال أي لاجئ”.
واللافت في هذا السياق، هو أن هذا التباين يمثل امتدادًا لانقسام آخر ظهر داخل الاتحاد الأوروبي حيال التعاطي مع قضية المهاجرين، فعلى سبيل المثال، أصرت فرنسا في السابق على منع عدد من المهاجرين من الدخول إلى أراضيها، بينما أرادت إيطاليا منح وثائق قانونية للمهاجرين غير الشرعيين، وهو ما رفضته ألمانيا وفرنسا. كما أعلنت المجر عن إنشاء جدار عازل لحمايتها من المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما قوبل برفض من جانب المفوضية الأوروبية.
2- تصاعُدُ معارضة اليمين الأوروبي، المعروف بتوجهاته المعادية للمهاجرين، وهو ما يُمكن أن يؤثر على تحديد اتجاهات السياسات الأوروبية إزاء قضية اللاجئين؛ حيث علقت مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بفرنسا، على سبيل المثال، على استقبال ألمانيا للاجئين قائلة: “ربما تظن ألمانيا أن سكانها يشرفون على الهلاك، وربما تكون تسعى إلى إعطاء أجور متدنية، لذا فإنها تواصل جلب العبيد من خلال الهجرة الجماعية”.
3- تزايد المخاوف من تدفق الإرهابيين، وهو الخطر الأكبر الذي تُواجهه أوروبا في الوقت الحالي، خاصة وأن سوريا هي أكثر دول الأزمات التي استقبلت “مجاهدين أوروبيين” والذين وصل عددهم، بحسب بعض التقديرات، إلى 2500 جهادي. وبالطبع فإن ما يُضفي وجاهةً خاصةً على تلك المخاوف هو أن الجهود المبذولة لتقليص خطر الإرهاب والتطرف لم تُحقق نتائج بارزة. ويبدو أن تلك المخاوف امتدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما عكسه موقف بعض أعضاء الكونجرس من الجمهوريين الذين أكدوا أن “دخول اللاجئين سيكون بمثابة خط أنابيب لضخ الإرهابيين”. وقد دفع ذلك وزارة الخارجية الأمريكية إلى التأكيد على أن “عملية الفحص ضرورية، ولكنها تُعقِّد دخول السوريين للبلاد”.
الأولوية لمحاربة “داعش”:
رغم أن الدول الأوروبية تبدو في الوقت الحالي منهمكة في الاتفاق على نظام لتوزيع حصص استقبال اللاجئين، فإن ذلك لا ينفي أن الضغوط التي باتت تفرضها تلك القضية دفعت أطرافًا عديدة معنية بتداعيات الأزمة السورية إلى الدعوة لضرورة البحث عن تسوية للأزمة السورية، وفقًا لمبدأ “الحل السياسي” الذي يعني استبعاد الخيار العسكري، باعتباره أحد البدائل المطروحة لحسم الأزمة، خاصة في ظل اتجاه كثير من القوى الدولية إلى منح الأولوية في الوقت الحالي لمحاربة تنظيم “داعش” الذي بات تمدده داخل مناطق عديدة بالإقليم يفرض تهديدات مباشرة لأمنها ومصالحها. ويبدو أن ذلك هو ما دفع بعض المسئولين الغربيين إلى التلميح بأهمية التعاون مع نظام الأسد في محاربة “داعش”، على غرار وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورتز الذي قال إن “على الدول الغربية أن تشرك الرئيس السوري في الحرب ضد “داعش”.
وربما يُمكن تفسير ذلك في ضوء عاملين: أولهما، يتمثل في اتجاه الدول الأوروبية إلى زيادة انخراطها في مكافحة التنظيمات الإرهابية، خاصة بعد تصاعد حدة أزمة اللاجئين؛ حيث أعلنت كلٌّ من فرنسا وبريطانيا عن بدء توجيه ضربات عسكرية لبعض مواقع تنظيم “داعش” في سوريا. وينصرف ثانيهما، إلى حرص القوى الدولية على استمرار العمل بالاتفاق النووي، خاصة أن أي اتجاه لتبني الخيار العسكري بهدف تسوية الأزمة السورية يُمكن أن يؤدي إلى عرقلة تنفيذ الاتفاق، في ضوء الأهمية القصوى التي تُبديها إيران تجاه تحالفها مع النظام السوري.
وختامًا، يُمكن القول إن أزمة اللاجئين سوف تفرض ضغوطًا على الدول الغربية للبحث عن حل للأزمة السورية، خاصة وأنها لن تستطيع، على الأرجح، مواجهة تبعات تدفق اللاجئين إلى أراضيها، وهو ما سوف يتطلب تنسيقًا ما مع دولٍ إقليمية بالمنطقة، خاصة التي ترفض استخدام الخيار العسكري لحسم الأزمة السورية. ورغم ذلك، فإن الوصول إلى تسوية للأزمة لا يبدو مهمة سهلة، في ظل اتساع نطاق الخلافات بين الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة، التي لم تستقر بعد على صيغة مقبولة للتعامل مع تداعياتها.
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية