هل يميل ميزان القوى في الشرق الأوسط إلى ناحية الشرق؟

هل يميل ميزان القوى في الشرق الأوسط إلى ناحية الشرق؟

يشير التقييم الصيني العام للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط إلى أنها سياسة مآلها الفشل، حيث ترى بكين أن الولايات المتحدة لديها إحساس سيكولوجي مبالغ فيه بالقوة لفرض هيمنتها في المنطقة، وأن الإمكانيات الأميركية هي أقل من هذا الإحساس.

ومن هنا يسعى الصينيون إلى استغلال هذه النقطة لصالحهم وربما تهيمن بكين على المنطقة -على الرغم من أن الأمر قد يبدو مستبعدا في الراهن- إذا نجحت استراتيجيتها خاصة مع وجود أرضية لذلك.

ويبدو تعزيز التعاون مع دول المنطقة مدخلا لتنفيذ أجندتها عبر تنويع الشراكات في كافة المجالات وعدم الاكتفاء بالتجارة، وبالنسبة إلى الصين فإنه لطالما بقيت السياسة البراغماتية الساعية لضمان استقرار تجارة النفط في الشرق الأوسط هي السائدة، فإنها ستعمل على النأي بنفسها عن الانغماس في الصراعات الداخلية لدول الشرق الأوسط.

معركة كسر عظام

منذ وصول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، والحديث عن الصين يتردد في الكثير من تصريحات المسؤولين، وهو ما يمثل استمرارا لسياسة الإدارة السابقة التي فتحت جبهة صريحة للحرب الاقتصادية مع بكين، في ما اعتبره البعض معركة كسر عظام بين القوتين الأكبر في العالم.

وفي ظل تلك المنافسة الشديدة تضغط كل قوة لفرض نفوذها على جبهات عدة لتحصيل أكبر قدر من النقاط، ويتجلى ذلك في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، حيث تريد الصين الآن لعب دور أكبر في المنطقة، ويبدو دورها على الأرض مختلفا عن أدوار الدول الأخرى وخاصة الولايات المتحدة وذلك من خلال بوابة التعاون الاستراتيجي في كافة المجالات.

وترى المحللة السياسية جوديث بيرغمان في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي أنه بعد جولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي الأخيرة في الشرق الأوسط، التي استمرت أسبوعا تقريبا، ليس هناك مجال للشك في أن الصين تسعى بنشاط إلى توسيع نفوذها في المنطقة.

وبالنسبة لبريغمان فإن الأمر لا يتعلق بالاقتصاد وحسب، ولكن أيضا بالمجالات العسكرية والدبلوماسية والسياسية، متحدية بشدة الدور الطويل الأمد للولايات المتحدة كقوة مهيمنة في المنطقة.

ويتزايد نفوذ الصين في الشرق الأوسط منذ سنوات، لاسيما من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، وهي مشروع عالمي ضخم للبنية التحتية والتنمية الاقتصادية أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 ومن الواضح أن هدفها هو بناء شبكة اقتصادية وهياكل أساسية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا وما وراء ذلك.

وتسعى هذه المبادرة الضخمة للتنمية والاستثمار بشكل كبير إلى تعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين.

ويقول موردخاي شازيز، مؤلف كتاب “دبلوماسية الصين في الشرق الأوسط: الشراكة الاستراتيجية للحزام والطريق” إنه “من الناحية الاستراتيجية، تكشف مبادرة الحزام والطريق كيف تسعى الصين إلى إسقاط الهيمنة الغربية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط سلميا”.

ويشير أيضا إلى أن العلاقة بين مبادرة الحزام والطريق والشراكات الاستراتيجية التي توجدها في المنطقة تسمح لها بالسيطرة تدريجيا على المنطقة دون خلق توترات مع الولايات المتحدة أو الغرب. وبعبارة أخرى، فإن المبادرة هي خطة صينية متطورة لنقل الهيمنة من الغرب والولايات المتحدة إلى الصين دون حرب أو صراع.

وكانت قناة العربية السعودية قد نقلت عن وانغ خلال زيارته إلى السعودية، إحدى الدول الست التي زارها في جولته، بالإضافة إلى سلطنة عمان والبحرين والإمارات وتركيا وإيران قوله “لقد وقعت الصين وثائق بشأن التعاون ضمن الحزام والطريق مع 19 دولة في الشرق الأوسط، وحققت تعاونا مميزا مع كل منها”.

وأضاف “وفي الوقت الذي تعزز فيه الصين نموذجا جديدا للتنمية، فإنها مستعدة لتقاسم الفرص السوقية مع دول الشرق الأوسط، والعمل مع الدول العربية للتحضير بنشاط لقمة الدول العربية مع الصين، وتعزيز التعاون عالي الجودة (ضمن مبادرة) الحزام والطريق، وتوسيع مجالات جديدة للنمو مثل التكنولوجيات العالية والجديدة”.

Thumbnail
والصين هي بالفعل أكبر شريك تجاري لمعظم دول المنطقة، بما في ذلك بعض شركائها الرئيسيين: السعودية وإيران والإمارات. وكانت السعودية أكبر مورد للنفط الخام للصين في عام 2020، متغلبة على روسيا.

وقد قامت الصين “بشراكات استراتيجية شاملة” مع كل من السعودية والإمارات، وكذلك إيران الآن، من خلال توقيع اتفاقية استراتيجية شاملة لمدة 25 عاما حول التعاون الاقتصادي والأمني مع طهران. وتردد أيضا أن الاتفاق يشمل توسيع نطاق المساعدة العسكرية والتدريب وتبادل المعلومات الاستخبارية.

ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، تعد الصين أيضا أكبر مستثمر أجنبي في المنطقة، حيث تبني بنية تحتية تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات. وعلى الرغم من أن مصر لم تكن جزءا من خط سير سفر وانغ، إلا أنها تشكل أيضا جزءا مهما من مبادرة الحزام والطريق للصين، بحسب بيرغمان.

ووفقا لجون ألترمان المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فإنه “في السنوات الخمس الماضية، ومع تزايد اهتمام الصين بالعبور عبر قناة السويس، استثمرت الصين مليارات الدولارات في مصر”.

وتساعد الشركات الصينية في بناء العاصمة الإدارية الجديدة في الصحراء خارج القاهرة، وتقوم بتطوير ميناء على البحر الأحمر ومنطقة صناعية في العين السخنة. وقد قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بست رحلات على الأقل إلى بكين منذ توليه منصبه في عام 2014، مقارنة برحلتين فقط إلى واشنطن.

دور حاسم للمنطقة

مع تنافس الصين على المزيد من النفوذ الدولي في مناطق مختلفة من العالم لتصبح أكبر قوة في العالم بحلول عام 2049، عسكريا واقتصاديا وتكنولوجيا وسياسيا، فمن المرجح أن يصبح الشرق الأوسط حاسما، سواء أعطته الولايات المتحدة الأولوية أم لا.

وتقول بيرغمان إنه للوهلة الأولى، قد ينظر بعض القادة في الشرق الأوسط إلى الصين باعتبارها مناسبة تماما للهيمنة على منطقتهم، التي تتألف، إلى جانب إسرائيل، من دول تشارك الصين وجهات نظرها بشأن سيادة الدول وعدم التدخل وحقوق الإنسان.

ويمكن قراءة ما بين السطور في تلخيص وزير الخارجية الصيني لرحلته عندما قال إن “الصين والدول اتفقت على ضرورة احترام الاستقلال السيادي والكرامة الوطنية لجميع الدول، وتعزيز سبل التنمية المستقلة والمتنوعة”.

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية (شينخوا) عن وانغ قوله إنه تم الاتفاق مع حكومات الدول الست التي زارها على “معارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والافتراء على الدول تحت ستار حقوق الإنسان وحماية النظام الدولي لتكون الأمم المتحدة جوهر النظام الدولي القائم على القانون الدولي والتعددية والإنصاف والعدالة الدوليين”.

وفي ضوء ذلك، فإن تعميق علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط خارج نطاق التجارة لابد وأن يقلق الولايات المتحدة، خاصة وأن إدارة بايدن اتخذت مؤخرا خطوات لتقليل الاهتمام بالمنطقة، وبالتالي فتح الباب أمام الهيمنة الصينية.

وقال مسؤول كبير سابق في الأمن القومي ومستشار مقرب من بايدن لصحيفة “بوليتيكو” في وقت سابق إنه “إذا كنت ستصنف المناطق التي يعتبرها بايدن أولوية، فإن الشرق الأوسط ليس ضمن المراكز الثلاثة الأولى”. وأضاف “إنها منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ثم أوروبا، ثم نصف الكرة الغربي. وهذا يعكس إجماعا بين الحزبين على أن القضايا التي تتطلب اهتمامنا قد تغيرت مع عودة المنافسة بين القوى العظمى (مع الصين وروسيا)”.

صحيفة العرب