فوز الأسد بالانتخابات تحصيل حاصل.. ماذا بعد؟

فوز الأسد بالانتخابات تحصيل حاصل.. ماذا بعد؟

الحديث عن سيناريوهات بخصوص انتهاء الحرب فعليا في سوريا والبدء في العملية السياسية ديمقراطيا لا يبدو منطقيا في الوقت الراهن. لكن مجمل المعطيات تشير إلى احتمال حدوث تطورات قد تأتي بنتائج عكسية في ظل إصرار نظام الأسد على إجراء انتخابات لا يعترف بشرعيتها سوى حليفيه الروسي والإيراني، والتي تخفي في طياتها حزمة من التحديات.

دمشق – يبدو الرئيس السوري بشار الأسد، الذي سوف تكرّس الانتخابات الرئاسية المقررة أواخر الشهر الجاري بقاءه في سدة الحكم لولاية جديدة تستمر لسبعة أعوام، واثقا من أنه أنقذ نظامه في مواجهة عشر سنوات من الحرب، التي قامت ضده بعد تفجر احتجاجات لقيت دعما عربيا وغربيا للمطالبة برحيله قبل أن تنطفئ حماسة إسقاطه.

والأمر المتفق عليه لدي الملاحظين أن حاجة النظام لإجراء الانتخابات في موعدها ليست نابعة من كونها الآلية القانونية الوحيدة لاستمرار الأسد في الحكم وحسب، بل وفي استمرار بقاء حلفائه الروس والإيرانيين بالبلاد، كونه هو من وجّه لهم الدعوة، وبقاؤه في الحكم يعني شرعنة وجودهم العسكري.

ويصرّ الأسد الذي يحكم البلد من قبضة من حديد منذ يوليو 2000 على الإيحاء من خلال آلة إعلام نظامه وتصريحات مسؤوليه بأنه يملك الشرعية القانونية والدستورية لإقامة الانتخابات في موعدها، ضاربا عرض الحائط بجميع الأصوات المعارضة لهذا الاستحقاق داخليا وخارجيا، فهو يهدف إلى سدّ جميع الطرق المؤدية للعملية السياسية، والإطاحة بكل الحلول والمسارات التي تبحث مسألة التغيير في سوريا.

ورغم أن فوز الأسد بهذه الانتخابات “الصورية” تحصيل حاصل، لكن بات جليّا أن الرياح لا تجري كما تشتهيه سفن الأسد، حيث يواجه الاستحقاق الرئاسي سلسلة من العقبات والمشاكل، من شأنها تحويلها عن مسارها لتؤدي إلى نتائج كارثية على مستقبل النظام وداعميه، وقد تضطره إلى تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

الأسد يريد سد كافة الطرق المؤدية للعملية السياسية والإطاحة بكل الحلول والمسارات التي تبحث التغيير في سوريا

ويظل التحدي الأبرز في هذه الانتخابات هو الجانب الأمني، حيث تقتصر سيطرة نظام الأسد على ثلث سوريا، وإذا عجز عن بسط نفوذه على محافظة درعا، ولا يبدو ذلك ممكنا حاليا، بحسب المعطيات الميدانية على الأرض، فإن نطاق انتخاباته لن يتعدى الربع.

ومن أجل ذلك يبذل النظام جهودا استثنائية من أجل السيطرة على درعا، لأنها باتت تشكل بيضة القبان، والمنطقة الأكثر حساسية بالنسبة إلى شرعية الانتخابات إذ دون درعا جنوبا، ومنطقة الجزيرة شرق الفرات، إلى جانب مناطق الشمال التي تسيطر عليها قوات المعارضة، ستنحصر مناطق انتخابات النظام في دمشق والمنطقة الغربية.

ووفقا لبعض الدراسات الإحصائية، فإن العدد الإجمالي المفترض لسكان سوريا هو 26.38 مليون شخص، وعدد السوريين في الداخل 16.47 مليون.

ويعيش من بين هؤلاء في مناطق سيطرة النظام نحو 9.4 مليون، أي ما يقارب 57 في المئة من إجمالي عدد السكان، منهم نحو 40 في المئة تحت السن القانوني للانتخاب، كما تظهر بيانات الأمم المتحدة، أي أن من بقي ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات المزمع إجراؤها هم نحو 5.64 مليون شخص.

ويرى مراقبون أن الانتخابات بالنسبة إلى الأسد تشكل حالة مصيرية بالفعل لأن نظامه الذي يستمد روحه من حزب البعث، الذي يحكم الدولة من العام 1963 قائم على فكرة الأبدية، وأن العملية الانتخابية التي تنافسه فيها شخصيتان غير معروفتين هما عبدالله سلوم عبدالله المقرب من دائرة الأسد، والآخر رئيس المنظمة العربية السورية لحقوق الإنسان وأمين عام الجبهة الديمقراطية المعارضة محمود مرعي، والذي يحسب على معارضة الداخل، على ضحالتها، تشكل الوسيلة المناسبة لتكريس هذه الحالة.

كما تعني الانتخابات أيضا الاستمرار في الحكم والسيطرة على ما بقي من مقدرات البلاد، لأن الأسد لن يتخلى عن موقعه مهما كانت الظروف، إذ بمجرد مغادرته للسلطة ستفتح بوجهه أبواب المحاسبة، بينما توفر له الانتخابات قدرا من الشرعية يحتاجها كدرع حصانة تقيه من المساءلة القانونية، ويبرر بها استمرار بقائه في الحكم.

ويلفت البعض إلى أن الانتخابات ليست ضرورة قصوى تقتصر على النظام وحده، بل إن الروس والإيرانيين يبدون أكثر إصرارا على إجرائها، فأي حل أو مسار آخر غير الانتخابات سيشكل مشكلة إضافية جديدة لهم، في وقت هم فيه عاجزون عن تقديم أي حل أو حتى رؤية لحل للأزمة السورية، سوى اللعب ببطاقة استمرار الأسد في الحكم رغم كل شيء.

ويدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيدا أنه بحاجة ماسة إلى غطاء دولي يمده بالشرعية لحين إجراء الانتخابات، ويعلم كذلك أن الولايات المتحدة ابتعدت عن فلك الأزمة السورية، فيما الإيرانيون يئنون تحت الحصار الخانق والضربات الإسرائيلية الموجعة.

وفي ضوء ذلك كانت جميع الظروف مواتية بالنسبة إلى موسكو من أجل جني المزيد من الصفقات الاقتصادية والاستراتيجية التي تثبت حضورها في الشرق الأوسط، وتمنحها تفوقا استراتيجيا في المياه الدافئة طالما حلمت به، وتعوضها أيضا عما أنفقته خلال تدخلهما العسكري في سوريا.

ومع ذلك، من المهمّ تسليط الضوء على كون المعادلة السورية التي دخلت مرحلة بالغة في الصعوبة والتعقيد، لن تسمح لأي طرف بالاستفراد بالكعكة لوحده، بل باتت تحوّل أحلام الطامعين إلى كوابيس، كتلك التي تعيشها إيران في سوريا يوميا، من خلال استهداف مواقعها الحساسة من قبل إسرائيل، والتي أمضت سنين طويلة في إنشائها وأنفقت عليها الكثير من الجهد والمال.

وكما هو معلوم، فإن واشنطن تحتفظ بيدها مفتاح إعادة الإعمار، وتربطه بسير العملية السياسية في جنيف، وبسلوك النظام، لكن ضعف الموقف الأميركي وانعدام شهيته على اتخاذ قرار ذي شأن يخص القضية السورية أغريا الروس بالتقدم خطوة نحو الأمام لجهة فرض أمر واقع على الأرض.

وهناك شبه إجماع لدى السوريين، بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، بمن فيهم مؤيدو الأسد، وحتى المجتمع الدولي على أن انتخابات النظام كانت على الدوام، مسرحية هزيلة سيئة الإعداد والإخراج، حتى أصبحت مادة للسخرية لدرجة أن رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية نصر الحريري، المدعوم من تركيا وصف تحديد موعد الانتخابات بـ”المسرحية”، وقال إنه “يؤكد بؤس هذا النظام واستمراره في الانفصال عن واقع الشعب السوري”.

كما أكدت القوى السياسية والفصائل العسكرية المعارضة للأسد أنها غير معنية بهذه الانتخابات وتعتبر برلمان الأسد فاقدا للشرعية ودعوته باطلة ولن تعدو كونها محاولة بائسة لإعادة إنتاج الأسد ونظامه.

وخلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الشهر الماضي قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس -غرينفيلد إن “الانتخابات لن تكون لا حرة ولا نزيهة. ولن تُكسب نظام الأسد أي شرعية، ولا تستجيب لمعايير القرار 2254 الذي ينص على إجرائها بإشراف الأمم المتحدة أو بموجب دستور جديد”.

وفي بيان مشترك دعا وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، التي “لن تؤدي إلى أي تطبيع دولي للنظام السوري”. وتابع الموقعون أن “أي مسار سياسي يتطلّب مشاركة كل السوريين، ولاسيما (أولئك الذين يعيشون في دول) الشتات والنازحون لضمان إسماع كل الأصوات”.

وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أنها غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في سوريا، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 وأن التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الدائر في سوريا عن طريق المفاوضات هو الأهم قبل البدء بإجراء انتخابات.

وخلال مؤتمر صحافي للمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك الشهر الماضي، علّق على الانتخابات قائلا إنها “ليست جزءا من العملية السياسية لأننا نرى أنها ستجري في ظل الدستور الحالي”.

العرب