خلال هذا الأسبوع، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية “OFAC”. سبعة أفراد على صلة بحزب الله وشركته المالية “القرض الحسن”، التي يستخدمها كغطاء لإدارة الأنشطة المالية للجماعة الإرهابية والوصول إلى النظام المالي الدولي على قائمة العقوبات، ودعت الوزارة العالم إلى اتخاذ إجراءات للحد من أنشطة الجماعة وتفكيك شبكاتها المالية والتنظيمية.
وقال البيان الصادر عن الوزارة: “إننا نحيي دول أوروبا وأمريكا الجنوبية والوسطى التي اتخذت إجراءات ضد حزب الله في السنوات الأخيرة، وندعو الحكومات الأخرى في جميع أنحاء العالم إلى أن تفعل الشيء نفسه”.
في لبنان يعرف الجميع تلك المؤسسة المسماة مؤسسة “القرض الحسن”، حيث هي إحدى أبرز الركائز الاقتصادية لحزب الله، ويديرها من خارج المنظومة الاقتصادية اللبنانية المصرفية ولا تخضع لقانون “النقد والتسليف” اللبناني، ويعود افتتاحها إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث تم تسجيلها بصفة “جمعية خيرية”، في حين أنها باتت اليوم تقدم قروضاً بنحو 500 مليون دولار، وهو ما يوازي – ويا للغرابة – قيمة المبلغ الذي قام الأفراد السبعة الذين فُرضت عليهم العقوبات بتبييضه في الخارج.
مع الإشارة هنا إلى أنه وبعد الانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان عمدت هذه المؤسسة إلى نشر صرافات آلية ATM قرب فروعها وفي أماكن سيطرة الحزب ونفوذه لخدمة المودعين، لتتحول “الجمعية” رسمياً إلى مصرف، خارج عن سلطة الدولة وقرارات مصرف لبنان المركزي وتعاميمه، بحيث تفرض على المقترضين سداد ديونهم بالدولار الأمريكي بدلاً من الليرة خلافاً لتعاميم مصرف لبنان، التي تفرض ذلك على جميع المصارف اللبنانية.. ولا ننسى هنا أن الخزانة الأمريكية كانت قد فرضت في عام 2019 عقوبات على “جمال ترست بنك” والشركات التابعة له في لبنان، حيث اتهمته بتسهيل الأنشطة المالية لجماعة “حزب الله”، وقالت إن المصرف “يحول الأموال لأسر المفجرين الانتحاريين”.
الأمين العام لهذا الحزب الإرهابي يدعي علانية أن حزبه ليس لديه حسابات مصرفية ولا يهدد القطاع المصرفي في لبنان وهذا ليس حقيقياً. فالأفراد المذكورون والشركات التي فرضت عليها سابقاً عقوبات كلهم لديهم حسابات مصرفية في مصرف جمال ترست بنك ومصارف لبنانية أخرى.
هذه العقوبات التي فرضت قبل عدة أيام وهذا الموقف من إدارة بايدن يثبت ما كرره الإعلام كثيراً في السنوات القليلة الماضية، وهو أن “حزب الله يخبئ أمواله عبر غسلها دولياً في أنشطة مشبوهة وكذلك عبر تهريب سلع حيوية للشعب اللبناني مثل الأدوية والنفط، وهو ما عرض صحة الشعب اللبناني للخطر ودمر الاقتصاد”.. لكن حزب الله حاول تسويق فكرة ساذجة عبر لوم الولايات المتحدة وآخرين على الاضطرابات الاقتصادية في لبنان، بينما تعمل مؤسساته المالية على إنشاء شركات مثل محطات وقود “الأمانة” التي تحاول منافسة الشركات المشروعة والصادقة من أجل استجرار المال من محطات الوقود وشركات الأدوية لتمويل نشاطات الحزب وعصاباته في أماكن مثل سوريا واليمن.
المشكلة هي أن لبنان لا يريد أن يقوم بما يجب عليه، حيث كان من الطبيعي أن تتحرك المصارف اللبنانية بسرعة لتجميد كل الحسابات التابعة للشخصيات المصنفة على قائمة الإرهاب، وأن ينخرط مصرف لبنان بطريقة أكثر فاعلية لضبط النظام المصرفي اللبناني ضد منظمات حزب الله وأصلها وأفرادها، لكن الفساد المتغلغل في الكيان اللبناني عاجز عن مواجهة فساد حزب الله.
اليوم تقوم استراتيجية بايدن على أن يبقى حزب الله خارج النظام المالي اللبناني بعد أن نجح في السرقة المقننة لـ”مئات الملايين من الدولارات التي سربت من خلال النظام المصرفي اللبناني عبر بعض الشركات وخلافاً للقوانين اللبنانية”.
هذه العقوبات الأمريكية تشير إلى مدى جدّية إدارة بايدن في الذهاب إلى أبعد الحدود في عزل الحزب اقتصادياً، لكن هذا الطريق حتماً يجب أن يسير في اتجاه متوازٍ مع توصيف حزب الله بشكل دقيق كلواء في الحرس الثوري الإيراني بعناصر لبنانية.. وأنه يؤدي خدمات لإيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وحيث تدعو الحاجة في هذه الدولة العربية أو تلك وحتّى في أفريقيا وأمريكا وأستراليا وأوروبا وليس تبييض الأموال، وهو فقط ما يفعله عملاء هذا الحزب في العالم.
في السابق، لم تكن هناك استراتيجية ضد حزب الله من قبل إدارة ترامب، حيث تعاملت إدارة ترامب مع حزب الله من منظور تعاملاتها مع إيران.. لكن بالنسبة لإدارة بايدن فيبدو أن لديها استراتيجية تنظر إلى حالات فردية، وتحاول إقامة صلة بين حزب الله والهيئات التابعة له وتنظيم داعش أو تنظيم القاعدة وتعامله معهما. وبالتالي سيتم فرض عقوبات ضد أفعال معينة ستضطر معها الإدارة الحالية إلى ربط كل القضايا التي تخص حزب الله ضمن استراتيجية شاملة خلال السنوات المقبلة.
ماريا معلوف
العين الاخبارية