رئيسي رئيساً لإيران

رئيسي رئيساً لإيران

بينما يُنتظر أن تجري الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد أسبوعين، لا دلائل أو إشارات من داخل إيران على عملية انتخابية مهمة، ويفترض أنّها تنافسية، فالعلامة الوحيدة على شيء اسمه انتخابات في إيران، استياء بعض المرشّحين الذين استبعدهم مجلس صيانة الدستور. وهو ما حدا بالمرشد علي خامنئي إلى التراجع ظاهرياً عن مواقفه السابقة، فأقرّ، في خطبة الجمعة الأخيرة، بوقوع “ظلم” في استبعاد بعض المرشحين، قبل أن يكمل المجلس ذلك المشهد المفتعل ببيانٍ أكّد فيه أنّ قراراته لم تتأثر بأيّ شائعات أو معلومات مغلوطة.
الواضح من قرارات القبول والاستبعاد، ثم من تمثيلية مراجعة تلك القرارات، أنّ هناك إصراراً على إفساح الطريق إلى الرئاسة أمام مرشّح واحد من دون غيره، هو رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، فقد صار هو المرشّح الأقوى، بل الوحيد المؤهل لحصد أصوات الناخبين، ليس لتميّزه أو قوته مقارنة بالمرشحين الآخرين، وإنّما لاستبعاد الآخرين الأقوياء.
وحين لا يكون من بين المرشحين من يملك كاريزما أو تاريخاً سياسياً سوى واحد فقط أو اثنين على الأكثر، فإنّ العملية برمتها تصبح، في النهاية، أقرب إلى التزكية أو الاستفتاء. ويفوز دائماً الشخص المفضّل لدى السلطة الحاكمة، خصوصاً في ظلّ دعم إعلامي وترويج كبير، ليس فقط من مؤسسات الحكم، لكن أيضاً بواسطة النخب الموالية. وفي الحالة الإيرانية، تلعب تلك النخب دوراً مهماً وحاسماً في التأثير على الرأي العام، بالإقناع وليس فقط بالإجبار. فهو مجتمع يتمتع فيه رجال الحوزة (النخب الدينية) بوضعية متميزة ومكانة رفيعة. وكذلك أهل البازار (رجال التجارة والأعمال)، إضافة بالطبع إلى الدور التنظيمي والتعبوي الضخم الذي يقوم به الحرس الثوري، من خلال تغلغله في مختلف مفاصل الدولة والحياة العامة في إيران، لحشد الناخبين وتوجيههم، ليس فقط إلى المشاركة، لكن أيضاً إلى التصويت لصالح مرشّح بعينه. وبالطبع، تصير هذه العملية – التوجيه، أسهل كثيراً في حالة غياب منافسين أقوياء، إذ توفر التصفية التي يقوم بها مجلس صيانة الدستور مشقّة المفاضلة والاختيار بين المرشّحين.
ويدرك من يعلم، وإن قليلاً، عن تركيبة مؤسسات الحكم في إيران واختصاصاتها، أنّ قرارات مجلس صيانة الدستور ليست إلاّ تجسيداً لإرادة السلطة الأعلى، وهي المرشد. ولأنّ للمرشد مكانة تعلو كلّ المؤسسات والمناصب، يلعب مجلس صيانة الدستور دور يده ولسانه. ويتحمّل في الوقت نفسه ردود الفعل والانتقادات التي لا يمكن لأحد توجيهها إلى المرشد مباشرة، على الرغم من أنّ كلّ الإيرانيين على يقين بأنّ ما يصدر عن المجلس هو ترجمة لإرادة هذا المرشد ورغباته. ومعنى ذلك أنّ خامنئي يريد إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران. وهو ما يفسره بعضهم بالرغبة في إحكام سيطرة المحافظين على مؤسسات الحكم كاملة. وهو تفسيرٌ صحيح لكنّه ليس الوحيد، وإلاّ لما تم استبعاد مرشّحين آخرين محافظين، تولى بعضهم مناصب رفيعة من قبل. التفسير الأقرب أنّ لرئيسي ثقلاً ومكانة لدى دوائر الحكم الإيرانية أكبر من كلّ منافسيه، إلى حد أنّه المرشّح الأوفر حظاً لخلافة خامنئي في منصب المرشد. وسيكون توليه الرئاسة الخطوة الأخيرة في عملية تأهيله للمنصب الأكبر، وتأكيداً نهائياً لتزكيته من خامنئي لخلافته، خصوصاً أنّ خامنئي نفسه كان رئيساً قبل أن يعتلي منصة الإرشاد بعد وفاة الخميني.
وإذ صار من شبه المؤكّد أنّ إبراهيم رئيسي سيكون رئيساً، من المتوقع أيضاً أن يعتلي كرسي المرشد بعد خامنئي. قد يبدو هذا التوقع سابقاً لأوانه، لكنّ قاعدةً جديدة ستترسخ، في حال تحققه، تضاف إلى خصوصيات السياسة والحكم في إيران، وهي أنّ الرئاسة هي الباب الأخير قبل اعتلاء مقعد المرشد.

سامح راشد

العربي الجديد