إن من شأن الأزمات المتطورة في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تقع تحت وطأة التنافس السني الشيعي وصعود “الدولة الإسلامية”، أن تشكل ما يكفي من التحدي بالنسبة للأمن القومي الأمريكي للحفاظ على الولايات المتحدة منشغلة لفترة طويلة من الزمن.
ولكن، ومع وصول المزيد والمزيد من المستشارين الأمريكيين إلى العراق، ومع استمرار تدفق الفظائع المسجلة على أشرطة الفيديو على شبكة الإنترنت، هناك خطر يتمثل في أن تعود واشنطن مرة أخرى لتركيز سياستها الخارجية بشكل كبير وغير متناسب على تلك المنطقة.
نعم، للولايات المتحدة مصالح رئيسة في الشرق الأوسط، ولكن لا يجب أن تجعلنا تلك المصالح نغفل عن أهم تحد واجه القوة والقيادة الأمريكية في ربع قرن، وهو أن الصين وروسيا تتصرفان كقوى رجعية، في محاولة لتقويض العناصر الرئيسة للنظام الدولي القائم، بما في ذلك الحدود الإقليمية والشراكات الأمنية طويلة الأمد.
إذا ما ترك هذا التحدي من دون مواجهة، فمن الممكن أن يؤدي مرة أخرى إلى تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ، مع وجود خطر دائم لحدوث الصراع بين القوى الكبرى.
منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، افترضت السياسة الخارجية الأمريكية أن القوى الكبرى تتشارك إلى حد كبير بالمصالح والتهديدات، أو أنها مع مرور الوقت، سوف تندمج في الاقتصاد العالمي. ونتيجةً لذلك، فقد اعتبر صناع القرار في الولايات المتحدة كل من آسيا وأوروبا كمناطق مستقرة ومكتفية ذاتيًا، على عكس ويلات الديكتاتورية، والدول الفاشلة، والتهديدات العابرة للحدود في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن الدرس الكبير الذي قدمه هذا القرن حتى الأن هو أنّ النظام الذي قادته الولايات المتحدة ليس مقبولًا أو ملتزمًا به عالميًا كما افترض الكثيرون في واشنطن. وبعد أن أثارت الأزمة المالية العالمية التساؤلات حول القيادة الأمريكية، بدأت روسيا والصين تعملان على اتخاذ الإجراءات التي تعكس موقفًا منافسًا للولايات المتحدة.
ومن خلال مزيج من الغطرسة والتظلم التاريخي، بدأت الدولتان على حد سواء إعادة رسم خرائط مناطقهما، من خلال الاستيلاء على أراضي جديدة وممارسة البلطجة على جيرانهم.
وقد اقترحت مجلة الإيكونوميست مؤخرًا أنه “لحسن الحظ، ليس هناك أدلة كافية لدعم فكرة وجود جهد صيني عالمي لقلب النظام الدولي”. ولكن هذا الاقتراح لا يجب أن يوفرنا بالكثير من الراحة.
حيث إنه، وتاريخيًا، بدأت جهود قلب النظام الدولي من خلال إجراءات إقليمية، بما في ذلك روسيا في القرنين الـ 19 والـ 20، وحتى ألمانيا النازية واليابان الإمبريالية في الثلاثينيات، ومن ثم جاءت النتائج العالمية في وقت لاحق. القوى الصاعدة تهتم عادةً بجيرانها القريبين أكثر من القارات البعيدة.
وعلاوةً على ذلك، هناك القليل من العزاء في استعمال حجة أن الطموحات الروسية والصينية سوف تهزم نفسها بنفسها على المدى الطويل. من هذا المنظور، يجب على الولايات المتحدة أن تشعر بالارتياح إلى أن روسيا بوتين تعيش تدهورًا اقتصاديًا وديموغرافيًا، وإلى أن طموحات الصين تزيد في الواقع من قوة التحالف ضدها، حيث تسعى دول قريبة منها مثل استراليا، والهند، واليابان، والفلبين، وفيتنام، إلى توثيق العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة.
ولكن حتى لو استمرت هذه الاتجاهات، سوف تبقى الصين وروسيا كقوى معزولة حريصة على أن تكون مزعجة مثلها مثل تلك القوى الواثقة، لأنها سوف تعتقد بأن الوقت ليس في صالحها.
ولكن الخبر السار هو أنه، وعلى عكس روسيا بوتين، لا تلتزم الصين بمسار رجعي، وقد أظهرت زيارة الرئيس أوباما إلى بكين هذا الشهر أنه من الممكن توجيه العلاقة مع الصين نحو مسار أكثر استقرارًا، ولكن هذا سيحتاج إلى الاهتمام الكامل من قبل حكومة الولايات المتحدة، بما في ذلك أشهر من المفاوضات الدبلوماسية يقوم بها وزير الخارجية، جون كيري، ومستشارة الأمن القومي، سوزان رايس.
وهذا سبب إضافي في أن واشنطن لا يمكنها أن تتحمل عبء عقد آخر من تركيز جهود سياستها الخارجية بشكل ضيق على محاربة المسلحين وأصحاب النعرات الطائفية والقبلية في العالم الإسلامي. منع صعود القوى الرجعية العالمية يتطلب أدوات دبلوماسية واقتصادية أكثر حتى من تلك التي تم شحذها لأكثر من 13 عامًا من الحرب في العراق وأفغانستان.
روسيا والصين تشكلان تحديات مختلفة، ولكن في كلتا الحالتين، على الولايات المتحدة أن تركز سياساتها على الحفاظ على المنافسة السلمية. لقد كانت قواعد لعب أوباما في الصين صحيحة، وهي السعي لتوسيع مجالات التعاون، مثل تغير المناخ والتجارة، في الوقت الذي يتواصل فيه التنسيق العسكري والدبلوماسي لمنع وقوع الأزمات.
ولكن، من المهم أيضًا تخصيص الموارد لتطوير المناهج العسكرية والاقتصادية الجديدة لردع ومعاقبة التحركات الرجعية بطريقة أفضل. لقد كانت العقوبات هي السلاح المفضل ضد روسيا، ولكنها لم تنجح في تغيير طموحات بوتين.
بالإضافة إلى تصميم أدوات اقتصادية أكثر تطورًا، يجب على الولايات المتحدة أيضًا إعادة النظر في نهجها للردع العسكري، بما في ذلك تطوير القدرة على الرد على الاستفزازات على مستوى منخفض، وتقديم المساعدة للحكومات الحليفة، مع مثل أوكرانيا وفيتنام.
واستكمالًا لهذا التطوير العسكري، يجب على واشنطن أن تعتبر الشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاقها التجاري مع أوروبا، على رأس أولوياتها من أجل تجديد زعامة الولايات المتحدة الاقتصادية.
وأخيرًا، تحدي قوى الرجعية سوف يتطلب أيضًا قدرًا من القوة الوطنية، التي لا يمكن أن تتوفر وتستمر إلا من خلال اقتصاد مزدهر، وجيش قوي، وحكومة ومجتمع يثيران إعجاب الكثير من دول العالم.
الحفاظ على المصالح الأمريكية الحيوية في آسيا وأوروبا لم يعد مضمونًا إذا ما بقيت الولايات المتحدة تدفن رأسها في رمال الشرق الأوسط.
ايلي راتنر & توماس رايت – واشنطن بوست
(التقرير)
http://goo.gl/YNPvDy
الكلمات الدلالية :الشرق الأوسط،الولايات المتحدة،الصين،روسيا،القوى الكبرى،داعش،العراق.