غصن زيتون أم كاتيوشا… سياسات الرئيس الإيراني الجديد؟

غصن زيتون أم كاتيوشا… سياسات الرئيس الإيراني الجديد؟

هل حقا هنالك إيران جديدة بوصول إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم؟ أتستطيع طهران إقناع أحد في محيطها وما بعد محيطها بأنها لم تعد مصدر تهديد؟ وهل يمكن أن تكون عنصر استقرار، فتمد يدها لإطفاء حرائق أشعلتها على مدى أكثر من أربعة عقود؟ ما الذي يمكن أن يدفعها لتغيير سلوكها السياسي لتتحول من مصدر اضطراب إلى مصد رياح هوجاء؟
هذه الأسئلة وغيرها لاكتها الألسن، ونطقتها شفاه، وتمنتها دول وشعوب اكتوت بسياسات زعماء طهران، فهل من مراهنة على رئيس جديد، تم تنصيبه من صانع القرارات الكارثية نفسه؟
بمجرد ذكر اسم الرئيس الإيراني الجديد، تعود الذاكرة بالمراقب السياسي إلى مسيرته في سلك القضاء، فيجد التهم الموجهه إليه مباشرة، بالتصديق على أحكام صورية، وآلاف حالات الإعدام خارج القانون على معارضين سياسيين وغيرهم، هذا المشهد يضيف أعباء كبيرة على كل من يتصور أن هنالك أملاً في التغيير، أو من يحاول فتح صفحة جديدة مع هذا النظام.
أما من حيث الشرعية السياسية التي يملكها الرجل، فيكفي أن ننظر إلى سير العملية الانتخابية التي أوصلته إلى سدة الرئاسة، فهي الانتخابات الأدنى مشاركة شعبية منذ عام 1979، وإن من شاركوا في التصويت كانوا يمثلون ثلث الشعب الإيراني فقط، حتى إن طهران العاصمة التي تتركز فيها الطبقة الوسطى كانت مشاركتها في الانتخابات تمثل نسبة 34٪. أما طريقة فوزه فواضح جدا ما قام به مجلس صيانة الدستور، من تعبيد الطريق أمامه، من خلال استبعاد مرشحين كُثر كي لا ينافسه أحد على الفوز.
وإذا كانت الملاحظة الأولى على الرجل تدخل في إطار ملفات حقوق الإنسان، والملاحظة الثانية تدخل في حيز الشؤون الداخلية، فإن ما يهم دول جوار إيران، وما بعد الجوار، هو طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية في عهد إبراهيم رئيسي. يقينا لا تتأثر السياسية الخارجية الإيرانية بالانتخابات الرئاسية، التي يقررها المرشد الأعلى، ومجلس الأمن القومي الإيراني.
التغيير الذي يحصل مع تبدل الرؤساء في هذا البلد هو في الأسلوب، وما تضيفه الصفات الشخصية للرئيس على السلوك السياسي الخارجي، فهو رئيس تنفيذي لا أكثر محكوم بخطة استراتيجية، رسمها صانع القرار الحقيقي الأعلى، وبذلك لابد من استبعاد نظرية الانقلاب في السياسة الخارجية، بتبدل الأشخاص، لأنها غير ممكنة الحدوث مطلقا. والمتتبع للشأن الإيراني على مستوى العلاقات الخارجية للنظام يجدها نسخة مكررة في كل العهود منذ عام 1979 وحتى اليوم، وتقوم على أسس مركزية ثلاثة.. أمن النظام من الاستهداف الخارجي، وعدم السماح بقيام معارضة أولا، السعي لتحويل دول الجوار إلى كيانات فاشلة ثانيا، وأخيرا التهديد والوعيد من أجل دفع الدول الكبرى للتفاوض معها على منحها شرعية الدور الإقليمي. أما الملفات الخارجية التي تلوّح بها طهران منذ عقود، وتشهد ثباتا، من دون أي تغيير في عهد الإصلاحيين والمتشددين والمعتدلين، فهي الملف النووي والملف الصاروخي والنفوذ في المنطقة.

لا تتأثر السياسية الخارجية الإيرانية بالانتخابات الرئاسية، التي يقررها المرشد الأعلى، ومجلس الأمن القومي الإيراني

لماذا الثبات في كل هذه الملفات؟ لأنها ليست بيد السلطة التنفيذية، والتوسع الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأخيرا فلسطين، كلها ضمن مسؤولية الحرس الثوري، وبتفويض من المرشد الأعلى، وقد أثبت ذلك وزير الخارجية محمد جواد ظريف في حديثه المُسّرب، الذي انتقد فيه زعيم فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، الذي كان يعرقل حركة وزارة الخارجية، على حد زعمه. ما سيتم التركيز عليه في المرحلة الراهنة من قبل الرئيس الإيراني الجديد، هو الوصول إلى اتفاق في الملف النووي، بغية رفع العقوبات الأمريكية، وفك الحصار الاقتصادي، فنجاح ذلك يعطيه دفعة قوية، ويُسجل إنجازا له، على الرغم من أن المفاوضات بدأت في عهد سلفه. كما أن حل هذا الملف الشائك سيستثمر فيه هو كانتصار ضد القوة الأعظم في العالم اليوم، وسوف يجعل منه ورقة ضغط على الدول العربية، من باب إيران التي لا تُقهر، لكن التقدم في هذا الملف لن يكون سلسا إطلاقا، وليس في متناول اليد كما يظن البعض.
أما بقية الملفات فسنرى التعامل معها بالمنهج المعطوب واللامسؤول نفسه، الذي جرى في كل العهود، والقائم على التهديد والوعيد، ومد يد السلام العنجهي القائم على فرض الشروط الإيرانية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، بحجة الدفاع عن الطائفة والمذهب.
في الحوار مع المملكة العربية السعودية، لن يحوز هذا الملف أهمية عالية في أجندة الرئيس الجديد، لأنه في الأساس حدث عرضي جاء في سبيل التأقلم مع المعطيات السياسية الدولية، التي فرضها وصول بايدن إلى البيت الأبيض، فوجد فيه المرشد الأعلى فرصة للحصول على مكاسب إضافية، تدفع في تسوية الملف النووي، فأعطى موافقته على فتح الحوار للتهدئة وتنظيم الخلافات لا أكثر. في الملف اللبناني سينعكس وصول إبراهيم رئيسي إلى اندفاعة أكبر، لأن الأخير مقرب جدا من زعيم «حزب الله» حسن نصرالله، وسيستفيد هذا كثيرا في تدعيم وضعه على الساحتين اللبنانية والسورية. في العراق سيملأ رئيسي الفراغ الذي تركه مقتل قاسم سليماني في أوساط الميليشيات، وسيُغطي على إخفاقات زعيم فيلق القدس الحالي قآني، وعجزه عن توحيد كلمتها وموقفها.
وسيشهد الملف العراقي دعما كبيرا للسلطة الموازية التي تتمثل في الأحزاب والأذرع الإيرانية، واستعدادا كبيرا لتنظيم صفوفها لتقرير مصير الانتخابات العراقية المقبلة. في اليمن سيبقى الدفع بالحوثيين ضد السعودية استراتيجية إيرانية مفضّلة. الهدف من ذلك هو إجبار صانع القرار السعودي، على تقديم المزيد من التنازلات للحوثيين، بما يؤمّن ويضمن وجودهم الفاعل والمستدام في البنية السياسية والعسكرية والأمنية اليمنية، على غرار الوضع الذي يتمتع به «حزب الله» في لبنان.
أما في سوريا فالوضع إشكالي للرئيس الجديد بشكل كبير، فروسيا كانت واضحة منذ البداية عندما قال بوتين إنه يجب على الجميع الانسحاب وتبقى روسيا فقط. صحيح أن الاتفاقيات الاقتصادية والاستراتيجية، التي عقدتها طهران مع سوريا تضمن لها نفوذا مهما، لكنها لن تنسحب في ظل الوجود الأمريكي في الشمال السوري، والوجود التركي أيضا، لأن ذلك سوف ينسحب على موقف «حزب الله» كذلك، لذلك قد تُعقد صفقة ما تقبض ثمنها إيران، وعندها يمكن أن يكون الانسحاب مقتصرا على تقليص أعداد المستشارين، مقابل بقاء حزب الله وبعض عناصره بطريقة مبطنة.
إن السلوك الإيراني في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، هو التنافس على مناطق النفوذ مع القوى الإقليمية في المنطقة، السعودية وتركيا وإسرائيل مع الابتعاد عن الصدام المباشر معها، لكن مع اختبار مستمر للخطوط الحمر، وتثبيتها على أرض الواقع، بانتظار الشرعية من القوى العظمى لهذه المكاسب، وستكون سوريا ولبنان والعراق واليمن وفلسطين هي ساحات تثبيت النفوذ لكل هؤلاء اللاعبين، في ما ستسعى طهران أكثر من قبل لجعل هذه البلدان مناطق عازلة وساحات منازلة بين أذرعها والآخرين.

مثنى عبدالله

القدس العربي