غموض حول أهداف «حرب أبراج الطاقة» في العراق

غموض حول أهداف «حرب أبراج الطاقة» في العراق

لم تكن ساعات الإطفاء شبه التام التي شهدتها مدن وسط العراق وجنوبه الأسبوع الماضي، حدثاً فنياً مجرداً، فيما بات يُنظر إلى تزامن الهجمات ضد أبراج الكهرباء مع خفض إيران مستوى الغاز المجهز لمحطات العراق، على أنه «شبهة سياسية» تثير جدلاً واسعاً.
ومنذ أيام، تتعرض أبراج نقل الطاقة العراقية، البالغة في المجمل نحو 46 ألف برج، لهجمات منسقة، بزرع عبوات ناسفة، أسفرت عن تقطع أوصال شبكة الكهرباء في مناطق شاسعة من البلاد.
وتطورت تلك الهجمات من ضرب أبراج النقل إلى قصف محطات توليد نوعية في البلاد، كما في محطتي «صلاح الدين» و«المسيب». وبحسب معطيات ميدانية؛ فإن الصواريخ استهدفت أجزاءً حيوية في المحطتين أخرجتها عن الخدمة، ولن تعود قبل عام من الآن.
وعلق وزير الكهرباء الأسبق، قاسم الفهداوي، في تصريح متلفز، بأن القدرة على استهداف هذه الأجزاء تتطلب «إحداثيات من مصادر لديها دراية تقنية بهذه المحطات… الأمر كله شبهة واضحة».
والحال أن الهجمات المنسقة ضد منظومة الطاقة في العراق تعكس حجم التعقيد ليس في الأزمة الراهنة؛ بل في عدد الفاعلين في سوق الطاقة، والتنافس الشرس فيما بينهم.
يقول ضابط ميداني رفيع، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهجمات الأخيرة تبدو نوعية ومنسقة، وتختلف عن سابقاتها، التي كان ينفذها إما عناصر (داعش)، وإما مقاولون صغار خسروا عقوداً مع وزارتي الكهرباء والنفط».
ويضيف الضابط، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن «نوعية الهجمات تشير إلى جهة لديها سلطة ميدانية وأمنية في المناطق التي تمتد فيها خطوط الطاقة، لا سيما في المدن المحررة، شمال بغداد».
وتضم خريطة خطوط نقل الطاقة في العراق مناطق شاسعة غير مأهولة في الغالب بين جنوب الموصل وصلاح الدين وأجزاء من الأنبار وصولاً إلى جنوب بغداد، لتتوزع إلى بقية مدن العراق.
وبحسب الضابط الميداني، فإن «العبوات المستخدمة محلية الصنع، وغالباً ما تعرف عليها مهندسو تفكيك القنابل في الأجهزة الأمنية».
وسرعان ما ارتبطت تلك الهجمات بـ«تفسيرات سياسية» مرتبطة بالتنافس الانتخابي، بهدف إحراج فاعلين في السباق إلى البرلمان المقبل، باستخدام ورقة الكهرباء، التي سبق لها أن أشعلت احتجاجات غاضبة في مدن مختلفة؛ أبرزها في البصرة عام 2019.
ويقول قيادي سابق في «الحشد الشعبي» لـ«الشرق الأوسط» إن ملف الكهرباء واحد من «أسهل» الضربات التي تريد الفصائل المسلحة تصويبها نحو الحكومة العراقية، «ليس الكاظمي وحده؛ بل الصدر أيضاً». ويضيف: «لا يمكن استبعاد رغبة الفصائل في الانتقام من الكاظمي، بوصفه أحد دوافع ضرب منشآت الطاقة».
لكن مقربين من دائرتي الصدر والكاظمي يقيمون أزمة الطاقة بأنها «محاولة جريئة لتوريطهم مع الشارع العراقي»، الذي يشهد أساساً احتجاجات غاضبة على تردي الخدمات في موسم حار بلغ معدل الحرارة فيه نحو 50 درجة مئوية.
وبحسب نظام توزيع مناصب الحكومة بين الفعاليات السياسية، فإن وزارة الكهرباء من حصة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، لكن عضو لجنة الطاقة في البرلمان العراقي، صادق السليطي، قال، إن «الوزير ماجد حنتوش (الذي قبل الكاظمي استقالته أخيراً) مستقل ولا ينتمي إلى (التيار)»، مشيراً إلى أن «أزمة الإطفاء شبه التام ذات بعد خارجي، تترافق مع عيوب إدارية داخلية».
وتزامن الانهيار غير المسبوق في الطاقة، مع توقف إيران عن تزويد العراق بالكهرباء والغاز بسبب تخلف بغداد عن سداد الديون المتراكمة عليها والتي تقدر بمليارات الدولارات.
وتقول مصادر حكومية رفيعة إن «المبالغ المخصصة لعقد الغاز الإيراني موضوعة في حساب مصرفي، لكن العقوبات الأميركية على إيران تمنع بغداد من صرفها».
وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال اجتماع طارئ لبحث أزمة الطاقة، إن «العقد الإيراني هو الوحيد الذي يمد العراق بالطاقة، لكن العقوبات على طهران جعلته غير مستقر ويشوبه كثير من الصعوبات».
وأعادت أزمة الطاقة الأخيرة الحديث عن تنويع مصادر الطاقة في العراق من دول أخرى غير إيران، وقال 3 نواب من لجنتي الطاقة والعلاقات الخارجية لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار التعاقد على الغاز أو الكهرباء مع غير إيران شبه مستحيل لأسباب سياسية».
وتتحكم إيران، بحسب معطيات وأرقام، في نحو ثلث قطاع الطاقة بالعراق؛ إذ يبلغ معدل تجهيزها نحو 6 آلاف ميغاواط؛ بما في ذلك ما يوفره الغاز الإيراني للمحطات العراقية، سوى أن القطاع الخاص العراقي، وعبر المحطات الاستثمارية، يوفر نحو 4 آلاف ميغاواط، يقول مهندسون عراقيون إن شركات إيرانية تسيطر عليها هي الأخرى.
وقال أحد المهندسين لـ«الشرق الأوسط» إن «واحدة من الشركات الإيرانية الكبرى تستحصل أموالها بالعملة العراقية (الدينار) في محاولة للالتفاف على العقوبات الأميركية، بمساعدة من شركاء عراقيين يعملون مع جهات نافذة».
وخلال تصريحه المتلفز، كشف وزير الكهرباء السابق عن تفاصيل جديدة حول فشل اتفاق استثماري بين العراق والمملكة العربية السعودية، تقوم الأخيرة بموجبه بتأمين الطاقة للعراق من «الغاز المصاحب»؛ المهدور أصلاً في البلاد.
وبحسب الوزير؛ فإن «شركة (أرامكو) قدمت عرضاً أقل تكلفة من العقد الإيراني، يتضمن تحول الغاز العراقي المهدور إلى طاقة كهربائية»، وإن الاتفاق كان «على وشك الإبرام، لكن ضغوطاً من جهة سياسية أجهضت كل شيء».
وبحسب تفاصيل العقد الإيراني، المبرم عام 2013، فإنه كان يمتد إلى نحو 5 سنوات كانت كافية للحكومة العراقية لتأمين الغاز الوطني، عبر تعاقدات مع شركات أجنبية وعربية أخرى، لم تتحقق جميعها لأسباب إدارية وسياسية.

الشرق الاوسط