ما بين شد وجذب تعيش الأوساط السياسية حالة الجدل فيما بينها، بسبب قرار الرئيس جو بايدن بسحب كافة القوات الأميركية من أفغانستان، بحلول الذكرى العشرين في 11 سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو ما أكدته وزارة الدفاع (البنتاغون) أن عملية الانسحاب تسير بوتيرة متسارعة قبل الموعد المحدد.
ورغم التحذيرات الاستخباراتية والدفاعية للرئيس بايدن بعدم الخروج من أفغانستان، لأن ذلك سيسمح لطالبان بالسيطرة على البلاد والإطاحة بحكومة كابل، فإن بايدن ظل متمسكاً برأيه متفقاً مع ما كان يدعو ويطالب به الرئيس السابق دونالد ترمب بإنهاء «الحروب الأبدية».
ولم تشفع أيضاً زيارة الرئيس الأفغاني أشرف غني إلى واشنطن الشهر الماضي، بعدول الإدارة الأميركية عن قرارها، إلا أن تصريحات جديدة من قيادات عسكرية ألمحت إلى إبقاء بعض القوات يقدّر عددها بـ650 عسكرياً لحماية السفارة الأميركية في كابل، والمساعدة في تأمين مطار كابل.
وفي تصريحات لجون كيربي المتحدث باسم البنتاغون للصحافيين يوم الجمعة الماضية، قال إن الجنرال أوستن ميلر قائد القوات الأميركية في أفغانستان، سيبقى هناك «لبضعة أسابيع على الأقل» للمساعدة في تحويل المهمة العسكرية الأميركية من القتال إلى هدفين جديدين، هما حماية الوجود الدبلوماسي الأميركي المستمر في كابل، والمحافظة على التواصل مع الجيش الأفغاني، بعد تسليم قاعدة باغرام العسكرية للقوات الأفغانية الأسبوع الماضي، وهي أكبر قاعدة كانت في البلاد.
ومن الملاحظ أن تسلسل الأحداث والتصريحات الأميركية داخل الأوساط السياسية؛ اختلف وتغيّر على مدار العامين الماضيين، فما بين دعم لخروج القوات الأميركية إلى ضرورة الإبقاء على قوات صغيرة لمكافحة الإرهاب، أو قوات تحافظ على استقرار حكومة كابل، حتى لا تسقط الدولة في يد طالبان، وصولاً إلى إبقاء قوات صغيرة «لحماية السفارة».
وفي هذه الأثناء والأجواء المشحونة سياسياً في أميركا، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن سيطرة قوات طالبان المسلحة على منافذ العبور الحدودية بين أفغانستان وطاجيكستان، وفرض الحركة المسلحة غرامات ورسوم عبور على الشاحنات القادمة من وإلى هذا المعبر، الذي تم تطويره على يد القوات الأميركية بعد دخولها البلاد قبل 20 عاماً.
ومنذ بدء المحادثات الأميركية مع حركة طالبان مع الإدارة السابقة، كانت العمليات الأميركية محصورة أساساً بالحد الأدنى بعد توقيع الاتفاق في فبراير (شباط) 2020، والذي ينص على رحيلهم مقابل بدء مفاوضات سلام بين الحركة والحكومة، وهي محادثات لا تزال في طريق مسدود.
وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية، بعض السيناريوهات المحتملة لمستقبل أفغانستان بعد خروج قوات أميركا، فإذا كان هذا الانسحاب الذي يفترض أن يُنجز بحلول 11 سبتمبر المقبل، سينهي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، فإن النزاع سيتواصل على الأرض الأفغانية، ولا شيء يوحي بنهايته قريباً.
ويبدو أن حركة طالبان تراهن على انتصار عسكري يتيح لها الإطاحة بالرئيس أشرف غني، وقد سيطرت في الآونة الأخيرة على عشرات المناطق الإضافية خصوصاً في الأرياف، بيد أن الجيش الأفغاني لا يزال يسيطر على المدن الكبرى.
وبحسب العديد من التحليلات التي صدرت مؤخراً من أجهزة الاستخبارات الأميركية، وكذلك من اللجنة البحثية المستقلة التي شكلها الكونغرس، فإن طالبان يمكن أن تسيطر على البلاد في الأشهر الستة إلى 12 شهراً بعد الانسحاب. وتؤكد كل من حركة طالبان والحكومة، يومياً أنها ألحقت خسائر فادحة بالآخر، لكن من المتعذر التحقق من تأكيداتها بشكل مستقل، لكن حملة اغتيالات محددة الأهداف ضد شخصيات من المجتمع المدني الأفغاني، تراجعت كثافتها في الأسابيع الماضية، ومن غير المستبعد احتمال اندلاع حرب أهلية.
وكثيراً ما كان سلاح الجو الأميركي عاملاً حاسماً في النزاع حتى الآن عبر تقديم دعم حيوي للقوات الحكومية حين كانت تواجه مخاطر، وفي دليل على القلق السائد، أطلقت الحكومة نداءً لتعبئة ميليشيات لمحاربة طالبان. ويرغب الرئيس أشرف غني في وقف لإطلاق النار مع طالبان بهدف تنظيم انتخابات تنبثق عنها «حكومة سلام»، إلا أنه رفض الدعوات لتشكيل حكومة انتقالية غير منتخبة تشمل طالبان، بالمقابل فإن الولايات المتحدة تؤيد حلاً مثل «حكومة الوحدة»، وتضغط لكي تتوصل حركة طالبان والحكومة إلى اتفاق في الدوحة، حيث لا تزال المفاوضات التي بدأت في (سبتمبر الماضي، في طريق مسدود بين الفرقاء». ورغم أنها لم تعط توضيحات حول نواياها، فإن حركة طالبان تعتزم أن تقيم مجدداً «إمارة إسلامية» تحفظ حقوق المواطنين بموجب «الشريعة».
وجرت أربع انتخابات رئاسية في أفغانستان، منذ الإطاحة بنظام طالبان في 2001. واعتمد ملايين الأفغان هذا النظام الديمقراطي والتعددي، رغم أن عمليات الاقتراع غالباً ما تشوبها أعمال تزوير، في أفغانستان البلد الذي يعد من أفقر دول العالم، وهي مدينة بشدة وتعتمد على المساعدات الخارجية.
ورغم امتلاكها احتياطيات معدنية كبيرة يرغب جيرانها مثل الصين أو الهند في الاستفادة منها، فإن الوضع الأمني لم يتح أبداً لتطوير نشاط التعدين بشكل كافٍ، كما يأتي قسم كبير من الثروة الوطنية من مخرجات تهريب المخدرات، وخصوصاً الهيروين، الذي تعد أفغانستان إلى حد بعيد أكبر منتج له في العالم».
الشرق الأوسط