أزمة مياه تلهب الاحتجاجات الشعبية في إيران

أزمة مياه تلهب الاحتجاجات الشعبية في إيران

أدى سوء إدارة الموارد المائية في إيران إلى جانب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى شح في المياه العذبة تولد عنه انقطاع مزمن للكهرباء، ما يثير حنق الإيرانيين الذي يتوقع مراقبون أن يتسع نطاق احتجاجهم المطلبي إلى مطالبة بإسقاط النظام.

طهران – تتوسع دائرة الاحتجاجات في إيران بشكل متسارع بعد أن عصفت الأزمة الاقتصادية المستحكمة جراء العقوبات الأميركية وفساد الطبقة الحاكمة المستشري بأبسط مقومات الحياة للإيرانيين، حيث دفع شح المياه والانقطاع المتكرر للكهرباء إلى تفجر الأورام الاجتماعية ما ينذر بهبة شعبية كالتي حدثت في نوفمبر 2019 وكادت أن تزعزع أركان النظام بعد رفعها شعار “الموت لخامنئي”.

وليل الخميس/الجمعة اندلعت احتجاجات في الشوارع خلال الليل بسبب نقص حاد في المياه في جنوب غرب البلاد الغني بالنفط إذ تواجه إيران أسوأ جفاف منذ 50 عاما.

وأظهرت مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي محتجين يضرمون النار في إطارات لإغلاق طريق، وشوهدت قوات أمن تحاول تفريق الحشود وتردّد دوي بعض الطلقات النارية.

وقال محتج مسن في مقطع مصور نشره موقع (عصر جنوب) الإلكتروني المحلي “ينبغي أن ينشر التلفزيون الرسمي ما نقوله وأن ينشر صورا للجاموس النافق بسبب نقص المياه”.

وفي مايو حذر وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان من نقص المياه خلال فصل الصيف، قائلا إن هذا العام سيكون “أحد أكثر الأعوام جفافا منذ 50 عاما”، إلا أن الحكومة الإيرانية لم تتخذ أي إجراءات استباقية للحيلولة دون ذلك.

وقبل أسبوعين قال حميد رضا جانباز مدير شركة المياه والصرف الصحي الإيرانية، إن من بين 304 مدن تتعرض لتحدي المياه، هناك 101 مدينة إيرانية في حالة حمراء من حيث توفر المياه.

وبصرف النظر عن الجفاف وقلة الأمطار، تظهر الدراسات الدولية أن جداول المياه الجوفية الإيرانية تم تفريغها بشدة بسبب الاستخدام المفرط.

من المدن تتعرض لتحدي المياه بينها 101 مدينة في حالة حمراء بسبب عدم توفر المياه

وأعلنت المجلة العلمية “نيجر” في أوائل الربيع، عن استخراج 74 كيلومترا مربعا من المياه من جداول المياه الجوفية تحت الأرض الإيرانية منذ عام 2002 إلى عام 2015.

وأدت سياسة السلطات الإيرانية بمجال بناء السدود واستغلال موارد المياه الجوفية بمضخات عالية الطاقة، والذي وصل إلى ذروته في العقود الثلاثة الماضية، إلى استنزاف موارد المياه في البلاد.

وتحتل إيران المرتبة 131 في العالم من حيث إدارة الموارد المائية، وفقا للإحصاءات العالمية، وهو ما يكشف أن جزءا من أزمة المياه في البلاد تأتي من قبل الحكومة الإيرانية.

وحمّل الصحافي الإيراني المتخصص في مجال المياه نیك آهنغ کوثر، النظام الإيراني الحاكم منذ 1979 مسؤولية التداعيات التي تواجهها البلاد في ظل أزمة المياه، قائلا إن “إفلاس المياه في إيران هو نتيجة أربعة عقود من نظام الحكم”.

وحذر كوثر في تصريحات لسكاي نيوز عربية من اندلاع “توترات اجتماعية”، مضيفا “قصة المياه في إيران معقدة للغاية وسيواجه إبراهيم رئيسي بالتأكيد العديد من المشكلات المتعلقة بإمدادات المياه والغذاء بالإضافة إلى هجرة القرويين”، لافتا إلى أن هذا “سيزيد المشكلات الاجتماعية في المدن، وإذا استمرت قد تؤدي إلى العنف”.

ولجأت الحكومة الإيرانية إلى حل مشكلتها بخصوص المياه إلى تأزيم حالة المياه في العراق، بمنع وصول حصة بغداد من مياه الأنهار التي تنبع من إيران.

وفي وقت سابق سلط تقرير لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن الضوء على أزمة شح المياه في إيران وتداعياتها الداخلية والإقليمية، وأشار إلى أن المسؤولين الإيرانيين يتجاهلون الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة.

وقال الكاتب أحمد مجديار الذي كتب التقرير إن ندرة المياه وتلوث الهواء أديا إلى حدوث مشكلات اجتماعية وسياسية وأمنية في إيران، وإلى توترات إقليمية مع جيرانها.

ويقول الكاتب إن قادة إيران يردون مشكلاتها البيئية المتزايدة إلى طريقة إدارة جيرانها للمياه، وتواجد القوات الأميركية في المنطقة، والتغير المناخي، بينما يتجاهلون بشكل كبير الفساد وسوء الإدارة والسياسات الحكومية الخاطئة.

وأدى نقص المياه إلى انقطاع الكهرباء، ونظم محتجون مسيرات في عدة مدن في الأسبوع الماضي. وخلال بعض الاحتجاجات صب الناس جام غضبهم على الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وهتفوا “الموت للدكتاتور” و”الموت لخامنئي”.

وفي الأسابيع الماضية نظم عمال في قطاع الطاقة المهم احتجاجات مطالبين بتحسين الأجور وأوضاع العمل في حقول الغاز الجنوبية وبعض مصافي النفط في المدن الكبيرة.

واحتجاجات العمال وأرباب المعاشات مستمرة منذ شهور مع تنامي الاستياء بسبب تدهور اقتصاد تجاوز معدل التضخم فيه 50 في المئة وارتفاع البطالة، بينما اشتكى بعض العمال من عدم دفع أجورهم.

وتعيد احتجاجات أزمة الكهرباء والمياه، الآخذة في الاتساع تدريجيا، إلى الأذهان ما يعرف بأزمة الوقود سنة 2019 والتي رفعت في نهاية المطاف شعار إسقاط النظام قبل أن يتمكن الحرس الثوري الإيراني المدعوم بقوات الباسيج من إخمادها بصعوبة.

صندوق النقد الدولي:
من المتوقع أن يزيد التضخم إلى 39 في المئة هذا العام ارتفاعا من 36.5 في المئة خلال العام الماضي

واندلعت الاحتجاجات منتصف نوفمبر 2019 على خلفية زيادة كبيرة في أسعار الوقود. وامتدت إلى نحو 100 مدينة، وتخللها إحراق محطات وقود ومهاجمة مراكز للشرطة ونهب متاجر.

وشهدت إيران في الأعوام الأخيرة العديد من التحركات الاحتجاجية المرتبطة بشكل أساسي بصعوبات اجتماعية واقتصادية تعود في جزء منها إلى العقوبات الاقتصادية التي أعادت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرضها على طهران بعد قرار واشنطن الانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق النووي.

وأقر محمد رضا باهنر النائب السابق لرئيس البرلمان الإيراني أنه إذا لم يتمكن مسؤولو النظام الإيراني من “إنهاء” أحداث نوفمبر 2019، فإن الأحداث كانت “تتجه نحو ثورة لا يمكن السيطرة عليها على الإطلاق”.

وإلى جانب المياه والكهرباء، ترتفع أسعار السلع الأساسية كالخبز والأرز يوميا. وبالنسبة إلى الكثيرين أصبحت اللحوم حلما بعيد المنال بعد أن قفز سعر الكيلوغرام الواحد إلى ما يعادل 40 دولارا فيما يقف الحدّ الأدنى للأجور عند حوالي 215 دولارا.

وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يزيد التضخم إلى 39 في المئة هذا العام ارتفاعا من 36.5 في المئة خلال العام الماضي، في حين سيقفز معدل البطالة إلى 11.2 في المئة هذه السنة ارتفاعا من 10.8 في المئة خلال 2020.

ويرى متابعون للشأن الإيراني أن الوضع الداخلي الآخذ في التردي مع تواصل العقوبات الأميركية على طهران وانحسار عائدات النفط المورد الأساسي للموازنة، يوفر ظروفا مواتية لاندلاع احتجاجات شعبية جديدة قد تكون أكثر حدة وأكثر خطرا على النظام من سابقتها.

العرب