إيران وروسيا تستغلان غياب الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا

إيران وروسيا تستغلان غياب الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا

من خلال قيام روسيا وإيران بإعادة نشر قواتهما العسكرية وتلك التي تعمل بالوكالة عنهما، وتعزيز الحملات السياسية لبشار الأسد، واللجوء إلى تكتيكات التخويف المحلية المختلفة، يعمل البلدان معاً بشكل متزايد على فرض السيطرة الكاملة على دير الزور. على واشنطن أن لا تكون تحت أوهام في تخلّي طهران وموسكو طواعية عن طموحاتهما لبسط سيطرتهما العسكرية والسياسية الكاملة في شمال شرق سوريا.

في 11 تموز/يوليو، ومرة أخرى بعد ذلك بيومين، شنت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في سوريا هجمات بالقرب من حقل “العمر” النفطي في دير الزور، في إطار نمط أوسع نطاقاً من التصعيد ضد الوجود الأمريكي في هذه المحافظة السورية الحدودية الشرقية المهمة من الناحية الجيوستراتيجية. ومع ذلك، فإن مثل هذه الاستفزازات ليست سوى مثال صغير على كيفية قيام خصميْ الولايات المتحدة – روسيا وإيران – بتوسيع نفوذهما المحلي بهدف تحويل المنطقة إلى مستعمرة عسكرية. وعلى الرغم من الحكمة التقليدية بأنه يمكن الضغط على موسكو للتعاون مع الولايات المتحدة في سوريا وكبح طموحات طهران في تلك البلاد، إلّا أن التطورات الأخيرة في دير الزور ترسم صورة مختلفة.

جبهة متحدة في شمال شرق سوريا

[حالياً]، لدى روسيا وإيران أسباب أكثر من أي وقت مضى للحفاظ على تحالفهما العامل في سوريا. وتعتمد موسكو بشكل كبير على الأنشطة الإيرانية في دير الزور للحفاظ على نفوذ روسيا هناك. وفي المقابل، تستفيد إيران استراتيجياً ومالياً من علاقتها مع الداعم العسكري الأساسي لبشار الأسد.

وهذه الديناميكية قد مكّنت موسكو من لعب دور شريك حقيقي على الساحة العالمية وسط عملها ضد الأهداف الدبلوماسية للمجتمع الدولي على المستوى المحلي، فضلاً عن تأمينها المصالح الروسية وضمان بقاء الأسد. على سبيل المثال، تظاهرت روسيا مراراً وتكراراً بالتعاون مع مفاوضات الأمم المتحدة نحو الانتقال السياسي على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، لكن بدلاً من ذلك تُركز أنشطتها المحلية بالكامل على العمل مع إيران. وبالمثل، قدّمت روسيا عرضاً بتقويض التوسّع الإيراني من خلال دفع الجماعة الشيعية الوكيلة “لواء الفاطميون” خارج حقول النفط والغاز بالقرب من الرقة خلال آذار/مارس، إلا أن قواتهما تعاونتا منذ ذلك الحين بطرق عديدة، بدءً من ممارسة نفوذ أوسع نطاقاً في دير الزور، مروراً بتغيير التركيبة السكانية للمحافظة، ووصولاً إلى إخراج الولايات المتحدة والتحالف العالمي و«قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد.

التسلّل إلى القبائل المحلية وسرقة الأملاك الشاغرة

يعتمد جزء كبير من استراتيجية طهران في دير الزور على نشر نسختها من الإسلام الشيعي الإثني عشري بين القبائل المهيمنة في المنطقة. ويشمل ذلك تكتيكات مثل التسلل إلى النسيج الاجتماعي السني إلى حد كبير واستغلال الظروف الاقتصادية الصعبة من خلال تقديم المساعدة المالية لعائلات المجندين في الميليشيات إذا كانوا على استعداد لتغيير معتقداتهم. ووفقاً لنشطاء محليين، انضم ما لا يقل عن10,000 سوري إلى الميليشيات المدعومة من إيران وروسيا في دير الزور في السنوات الأخيرة. وإلى جانب العديد من المقاتلين الأجانب الشيعة المنتشرين هناك، فإن ذلك يمنح إيران وروسيا قوة محلية بالوكالة يبلغ مجموعها حوالي 25,000 عنصر، يتركز معظمهم غرب نهر الفرات.

وسهلت موسكو أيضاً تكتيكاً إيرانياً آخر، وهو: سرقة الأملاك الخاصة المهجورة لكي يستخدمها المقاتلون الأجانب كملجأ من الضربات الجوية. ومنذ نيسان/أبريل، تمت مصادرة حوالي 75 من هذه الأملاك في البوكمال والميادين وحدهما. على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن ميليشيا “لواء الفاطميون” سرقت 15 ملكاً في الميادين وأقامت ما لا يقل عن 10 مستودعات للأسلحة في قرية عياش شمال عاصمة المحافظة. وبالمثل، قامت ميليشيا “لواء أبو الفضل العباس” بإخفاء أعداد كبيرة من الأسلحة بين الأنقاض الأثرية وفي الأنفاق بالقرب من الميادين لتجنب الضربات الجوية. وتشتري إيران أيضاً مساحات شاسعة من الأراضي في المنطقة بأسعار منخفضة للغاية، مستفيدةً من الحاجة الملحة للسكان المحليين إلى الأموال النقدية.

ويتمثل تكتيك إيراني وروسي آخر في إغراء الوجهاء وشيوخ القبائل بوعود اقتصادية، ويشمل ذلك عائدات تهريب الأسلحة والمخدرات بين سوريا والعراق. فمنذ عام 2017، على سبيل المثال، تحالف الشيخ نواف البشير والكثيرون من أفراد قبيلته الكبيرة “البقارة” علناً مع إيران ونظام الأسد. وفي دير الزور، قام الشيخ بتجنيد وتمويل مقاتلين لصالح ميليشيات مدعومة من إيران مثل “لواء الباقر”. ومنذ منتصف حزيران/يونيو، كلّفت روسيا ونظام الأسد هذه الميليشيا والجماعة التي تنتمي إليها (“أسود العشائر”) بإضعاف الوجود المحلي لـ «قوات سوريا الديمقراطية». وبالمثل، خضع قادة قبائل أخرى (على سبيل المثال “الجبور” و”المشاهدة” و”البوخابور” و”المعامرة” و”البوعاصي”) لأوامر روسيا وإيران، ووافقوا على المساعدة المالية مقابل العمل ضد «قوات سوريا الديمقراطية». وعلى الرغم من تنافس موسكو وطهران أحياناً على النفوذ على هذه المجتمعات القبلية التي تعاني من ضائقة مالية، إلّا أن سلوكهما العام يتحول نحو التعاون بشكل متزايد.

الحملة الانتخابية للأسد وراء الكواليس

تم تسهيل الانتخابات المزورة الأخيرة من خلال الأنشطة الروسية والإيرانية في دير الزور. وشمل ذلك ضخ الأموال والموارد البشرية في الحملة الانتخابية، وخلق جو مزيف بشرعية الأسد، وترهيب الشخصيات المحلية وحملها على الامتثال.

على سبيل المثال، جمعت بعض العناصر أرقام هواتف وعناوين سكان مقيمين في البوكمال والميادين ومناطق أخرى ومارسوا الضغوط عليهم للتصويت. وتمّ اعتقال أي إمام رفض الإشادة بالانتخابات خلال صلاة يوم الجمعة. كما تم الضغط على الوجهاء، وشيوخ العشائر، ورجال الأعمال، وزعماء الميليشيات للمساعدة في المخطط. ومن ناحية أخرى، سعى علاء الشويش وشخصيات محلية أخرى مرتبطة بـ «الحرس الثوري الإسلامي الإيراني» إلى جذب الناخبين من خلال فتح خيم انتخابية أطلقوا عليها اسم خيمات وطن. ولتجنب ردة الفعل الغاضبة من الجمهور، حرص الأفراد على عدم رفع أي لافتات روسية أو إيرانية في الإعدادات الانتخابية.

توفير الحماية العسكرية

وفقاً لنشطاء محليين، ساعد المقاولون الروس مثل “مجموعة فاغنر” إيران بشكل متزايد على حماية وجودها العسكري في دير الزور، سواء من خلال منح «الحرس الثوري الإسلامي» وأفراد الميليشيات إشعاراً مسبقاً بتوجيه ضربات جوية متوقعة أو مساعدتهم على إعادة نقل قواعدهم. بالإضافة إلى ذلك، منذ عام 2017، أفادت بعض التقارير أن روسيا زودت الميليشيات المدعومة من إيران بالذخيرة والأموال لتنفيذ حملات ضد «قوات سوريا الديمقراطية» وأي قوى معارضة محلية أو احتجاجات.

وامتدت مساعدة موسكو لتشمل الانخراط العملياتي المباشر أيضاً. فمن الجانب الغربي من نهر الفرات، تقوم الطائرات الحربية الروسية بمراقبة منطقة البادية بشكل يومي، حيث تقلع من مطار دير الزور إلى مناطق جنوبي الرقة مثل غانم العلي والزملة. ويتمثل جزء من مهمتها في هذا القسم من أراضي النظام غير الخاضع لمراقبة شديدة في توفير الحماية لمشاريع «الحرس الثوري الإسلامي»، والتي تشمل الحفاظ على حقول النفط والغاز التي تضررت أثناء القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وكذلك بناء سجون وقواعد جديدة. كما لروسيا وجود عسكري في مناطق الشولا وكباجب والبشري.

وبالنسبة لمهام أخرى، اعتمدت روسيا على “قوات الدفاع المحلية”، وهي جماعة مظلة ميليشياوية كبيرة تضم أعضاء من مختلف أنحاء البلاد. على سبيل المثال، في عام 2019، تمّ تكليف قوة أسسها حسام القاطرجي المولود في البوكمال بتأمين حقول النفط/الغاز ومحطات الضخ (على سبيل المثال، “تي تو” [T2]، “تي فور” [T4]، نيشان، التيم، الخراطة، الشولا) وكذلك المعابر مع أراضي «قوات سوريا الديمقراطية» (مثل الحسينية والصالحية). وفي وقت سابق من هذا العام، عززت موسكو وجودها في دير الزور من خلال نقل مختلف وحدات الميليشيات الخاضعة للنفوذ الروسي إلى هناك، والتي شملت ما يسمى بـ “الفيلق الخامس” وجماعة «لواء القدس» الفلسطينية. وإلى جانب “الفرقة الرابعة” المدرعة التابعة لنظام الأسد و”قوات الدفاع الوطني” غير النظامية، تم تكليف “الفيلق الخامس” بتنفيذ مداهمات في المنطقة.

التوصيات

لن تكون العمليات العسكرية الأمريكية المتفرقة كافية لمواجهة هذه المحاولة الروسية والإيرانية المنسقة للسيطرة على شمال شرق سوريا – فهناك حاجة ماسة أيضاً للمساعدة غير الحركية. وفي إطار الجهود العامة للدفاع عن المدنيين، على واشنطن وحلفائها حماية ودعم الناشطين المحليين والصحفيين من المواطنين الذين يواصلون سرد روايات عن الأنشطة المذكورة أعلاه. كما أن كسْب ثقة المجتمعات القبلية في دير الزور وتمكينها من مقاومة الترهيب الأجنبي أمر أساسي أيضاً. على الحكومة الأمريكية تمويل تسليم المساعدات الإنسانية المباشرة إلى هذه المجتمعات وتسهيلها، والعمل بشكل وثيق قدر الإمكان مع القيادة التقليدية. وفي الوقت نفسه، يجب أن تَفرض عقوبات صارمة على أي شخص سوري أو إيراني أو روسي متورط في انتهاكات محلية لحقوق الإنسان.

ويقيناً، لدى الولايات المتحدة أجندة كاملة من القضايا الإقليمية والعالمية الأخرى التي عليها التعامل معها مع إيران وروسيا. ومع ذلك، في الوقت الذي تتابع فيه المفاوضات وتسعى للتوصل إلى اتفاقات بشأن هذه القضايا، لا ينبغي على واشنطن أن تكون تحت أوهام في تخلّي طهران وموسكو طواعية عن طموحاتهما لبسط سيطرتهما العسكرية والسياسية الكاملة في شمال شرق سوريا.

عُلا الرفاعي

معهد واشنطن