على الرغم من ترشيح نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة جديدة في لبنان، إلا أنه يمثل نفس المشكلة الأساسية التي ابتلت بها المحاولات السابقة لتشكيل حكومة شرعية وفعالة وهي: إصرار الطبقة السياسية على اقتراح خيارات تخدم مصالح نخبتها الخاصة. على الولايات المتحدة وأوروبا المضي قدماً في فرض عقوبات إضافية ضد القادة الفاسدين.
في 26 تموز/يوليو، وبعد عشرة أيام من استقالة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، تم اختيار رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة جديدة في لبنان. وحيث ادّعى بأنه يحظى بدعم دولي من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ودول أخرى، تعهّد ميقاتي بتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن. ومع ذلك، على الرغم من ترشيحه من قبل الرئيس ميشال عون وحصوله على أصوات 72 من أصل 128 عضواً في مجلس النواب، إلا أن ميقاتي يمثل نفس المشكلة الأساسية التي ابتلت بها المحاولات السابقة لتشكيل حكومة شرعية وفعالة وهي: إصرار الطبقة السياسية على اقتراح خيارات تخدم مصالح نخبتها الخاصة عوضاً عن السعي إلى تطبيق الإصلاحات المؤسسية الجادة التي تحتاجها البلاد والشعب بشدة.
وكان من بين المصوتين لميقاتي نواب من «حزب الله» و«حركة أمل» وحتى «تيار المستقبل» بزعامة الحريري. ولم يدعمه الفصيلان المسيحيان الرئيسيان، حزب «القوات اللبنانية» وخصمه «التيار الوطني الحر» بزعامة عون. فما الذي تغير حقاً، ولماذا دعم «حزب الله» وحلفاؤه هذه الحصيلة بالذات؟ إن الجواب واضح الآن: هم يفضّلون السيطرة على دولة فاشلة، على السماح بإصلاحات ستُضعف القوة التي اكتسبوها في الانتخابات النيابية عام 2018.
وعلى غرار غالبية الطبقة السياسية، يسعى «حزب الله» وحلفاؤه إلى إدامة الوهم بأن العملية السياسية في البلاد لا تزال فعالة. ويعود ذلك إلى تخوّفهم من مسألتين رئيسيتين، هما: عقوبات “الاتحاد الأوروبي” التي تلوح في الأفق على زعماء لبنانيين، واحتمال نشوب جولة جديدة من الاحتجاجات الشعبية في الداخل. ولتأخير هذه الردود العكسية داخل البلاد وخارجها، تواصل النخب تأجيج الآمال الزائفة بوجود حلٍّ داخلي.
وثمة سبب آخر يدفع بعض الأحزاب إلى ترشيح ميقاتي، وهو لكي يكون بإمكانها استخدام الحكومة الجديدة لإدارة الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار/مايو 2022. فخلال العامين الماضيين خسرت النخب السياسية قدراً كبيراً من الدعم الشعبي، وواجهت موجات من الاحتجاجات، وشاهدت عناصر ً من المعارضة تفوز بانتخابات طلابية ونقابية مختلفة. ولذلك أصبحت نتيجة انتخابات العام المقبل همّها الرئيسي.
وبالتالي، إذا تمكّن ميقاتي من تشكيل حكومة، فمن المرجح أن تتمثل مهمته في تجنب الإصلاحات الجادة، والإشراف على انتخاب بديلها المختار بعناية، والحفاظ على الوضع الراهن. ويعني ذلك إدارة الانهيار البطيء في لبنان، وليس عكس مساره. وفي النهاية، فإن ميقاتي ليس دخيلاً – هو ملياردير من طرابلس، ولطالما كان جزءاً من المنظومة الفاسدة، واستخدم نفوذه السياسي مراراً وتكراراً لتعزيز أعماله وأصوله. كما أنه موضع اتهامات عديدة، من بينها تهمة وُجّهت إليه عام 2019 بأنه استفاد بشكل غير قانوني من قروض الإسكان بسبب صفقات أبرمها مع حاكم “مصرف لبنان المركزي” رياض سلامة. ولم تُرفع القضية إلى المحاكمة، لكن لم يتم مسح التهمة أيضاً.
فضلاً عن ذلك، سبق لميقاتي أن شغل مرتين منصب رئيس الوزراء، الأولى في عام 2005 والثانية بين عامَي 2011 و2013. وفي كلتا المرتين، فرضه «حزب الله» فعلياً على الدولة لخدمةً مصالحه الخاصة. ففي كانون الثاني/يناير 2011، على سبيل المثال، تم اختياره للتغطية على انقلاب الميليشيا في بيروت – وهو حادث سيئ السمعة تعرض فيه الحريري للإذلال عمداً من خلال علمه بانهيار حكومته بينما كان في اجتماع مع الرئيس الأمريكي أوباما. وعندما سعى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وفصائل أخرى إلى إعادة الحريري، أرسل «حزب الله» عناصر مسلحة إضافية إلى جميع أنحاء العاصمة وإلى التجمعات الدرزية النائية. وكان التهديد الحرفي والمحتمل الذي تنقله “القمصان السود” واضحاً [عندما نزل المئات من عناصر «حزب الله» باللباس الأسود في شوارع بيروت، وما إصطلح يومها على تسميته بـ “القمصان السود”، حيث كان لتلك العناصر دور في تعديل قرار جنبلاط وتسمية النائب نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة آنذاك]، وبعد ذلك بوقت قصير تم بالإجماع ترشيح ميقاتي.
في ضوء هذا العبء الثقيل الناشئ عن شروط «حزب الله»، وانتقاد المعارضة، والتوقعات الخارجية المغلوطة، ففي النهاية ستكون أي حكومة يشكلها ميقاتي مضيعة للوقت. على المجتمع الدولي ألا ينتظر ليعرف ما إذا كان ميقاتي سينجح أم لا، ناهيك عما إذا كانت حكومته ستنفذ الإصلاحات. فلعبة شراء الوقت هذه هي لعبة أتقنها «حزب الله» والنخب الأخرى على مر السنين، وكان آخرها خلال المفاوضات بين لبنان وإسرائيل بشأن الحدود البحرية. يجب على الولايات المتحدة وأوروبا ألا تتركا لبنان يستخدم هذا التكتيك لتأخير الإجراءات العقابية ضد أولئك الذين يديمون الفساد أو يعرقلون الإصلاحات. إن القيام بذلك لا يصبّ إلا في مصلحة «حزب الله» ويطيل الأزمة الإنسانية إلى أجل غير مسمى.
من هذا المنطلق، إذا قرر “الاتحاد الأوروبي” فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، فعليه تنفيذ هذه العقوبات في أسرع وقت ممكن. وعلى أقل تقدير، فمثل هذا الإجراء قد يوضح لميقاتي خطر تجنب الإصلاحات. وفي موازاة ذلك، على واشنطن الاستمرار في استخدام “قانون ماغنيتسكي” لمعاقبة المزيد من القادة الفاسدين كرسالة دعم للشعب اللبناني.
حنين غدار
معهد واشنطن