ويقع على عاتق الرئيس الجديد مواجهة تركة ثقيلة خلّفها له سلفه على الساحتين الداخلية والخارجية، على رأسها أزمة اقتصادية خانقة، ووباء كورونا الذي يحصد في الوقت الحالي أرواح ما لا يقلّ عن 400 مواطن إيراني يومياً، واحتجاجات ما إن يتم قمعها حتى تندلع من جديد، إضافة إلى استحقاق استئناف المحادثات في فيينا حول إنقاذ الاتفاق النووي التي توقفت قبل ستة أسابيع بعد الانتخابات الرئاسية في إيران.
ويتزامن تنصيبه مع هجوم على ناقلة نفط تديرها شركة إسرائيلية واتهامات لطهران بالوقوف خلفها وتوعُّد بالردّ عليها.
ذهبت الآمال بالوصول إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة قبل نهاية ولاية الرئيس روحاني أدراج الرياح، بل بدا واضحاً من دعوة المرشد الإيراني أخيراً إلى تجنب الثقة بالغرب وكذلك الحوار الذي نشره موقعه الإلكتروني مع كاظم غريب آبادي عضو فريق التفاوض في محادثات فيينا وسفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن خلافات جوهرية يصعب وربما يستحيل تجاوزها بين الولايات المتحدة وإيران في وقت قريب.
ماذا سيطلب الطرفان في الجولة السابعة من المحادثات؟
بناء على تصريحات المرشد الإيراني وسفير طهران لدى وكالة الطاقة الذرية والمجيء برئيس متشدد، يتضح أن إيران متجهة إلى التشدد في مطالبها بخصوص الاتفاق، ويرجَّح أن الفريق الجديد سيذهب إلى المفاوضات بعد أسابيع محمَّلاً بسقف مرتفع من المطالب يتجاوز مضمون الاتفاق النووي 2015، وتشمل: إزالة جميع العقوبات المفروضة على إيران بما فيها تلك المتعلقة بالبرنامج النووي والصاروخي التي فُرضت في إطار مكافحة الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان والتدخل في المنطقة، وتقديم ضمانات تتعلق بعدم انسحاب الإدارات الأمريكية اللاحقة من الاتفاق واشتراط موافقة الأمم المتحدة على ذلك، وتعويض إيران عن الخسائر والأضرار التي لحقت بها جراء انسحاب إدارة ترمب من الاتفاق، وعودة الولايات المتحدة أولاً إلى الاتفاق وإعطاء مهلة لإيران تتراوح بين ثلاثة وستة أشهُر للتحقق من رفع العقوبات فعلياً وعلى أرض الواقع، وفي حال تأكد إيران من ذلك ستتراجع عن الخطوات التي قامت بها خارج إطار الاتفاق النووي.
في المقابل سيطالب الفريق الأمريكي إيران بعدة نقاط، على رأسها: العودة للإيفاء بالتزاماتها وفق الاتفاق النووي، ويشمل ذلك تدمير الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي، والتوقف عن إنتاج معدن اليورانيوم المخصب، وتمديد مدة الرقابة على المنشآت النووية. لكن يمكن القول إن العقدة في المطالب الأمريكية -التي من الصعب أن تقبل بها طهران ما لم تتعرض لضغوط قاسية- هي اشتراط موافقة إيران على إجراء حوار مستقبلي حول برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي.
يبدو أن إدارة بايدن لن تكرر خطأ أوباما الذي كان يعتقد أن الاتفاق النووي سيمهّد الطريق لفصل جديد من العلاقات بين واشنطن وطهران ويشجع النظام الإيراني على التفاوض حول ملفات أخرى، ليتبين لاحقاً أن نظرة المرشد الإيراني إلى الاتفاق كانت مختلفة وأنه لم ينظر إليه قط كجسر للتوصل إلى تفاهمات حول مختلف الملفات، بل كأداة لخروج البلاد من أزماتها عبر تخفيف العقوبات.
بناء على ذلك لا يُتوقع أن ترفع الإدارة الأمريكية جميع العقوبات عن طهران لأنها لا تملك الصلاحيات الكافية لذلك من ناحية، فضلاً عن أن رفع جميع العقوبات سيُفقِدها الورقة الرئيسة بيدها لدفع طهران إلى الانخراط في محادثات حول الملفين الصاروخي والنفوذ الإقليمي.
التصعيد الإسرائيلي-الإيراني وحرب الناقلات
بالتزامن مع سياسة ترمب بالحد الأقصى من الضغط على إيران، مارست إسرائيل في الفترة نفسها تصعيداً ضد النظام الإيراني شمل تكثيفَ قصفِ مواقع الحرس الثوري في سوريا، وانتقل إلى داخل إيران حيث استهدفت منشآت نووية وحيوية حساسة وقامت باغتيال العديد من الجنرالات والشخصيات المرتبطة بالبرنامجين النووي والصاروخي ولم تكتفِ بذلك.
بل شنّت هجمات سيبرانية على أهداف إيرانية، وانتقلت فيما بعد إلى استهداف السفن التجارية وناقلات النفط الإيرانية في البحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب. وكشف إسحاق جهانغيري نائب الرئيس الإيراني أن إسرائيل استهدفت 12 ناقلة نفط وسفينة إيرانية، مضيفاً أنها كانت ترسل أشخاصاً إلى داخل الناقلات وتفجّرها.
في المقابل كانت إيران مُجبَرة على ممارسة أقصى درجات الحذر خوفاً من ردّ مفاجئ من قبل ترمب، لكن بعد رحيله باتت أكثر جرأة على القيام بخطوات تصعيدية، إذ قامت بتسريع إجراءات تطوير برنامجها النووي وكثفت عبر وكلائها الهجمات على مواقع أمريكا وحلفائها في المنطقة وبدأت استهداف السفن الإسرائيلية.
فقد شهدت الأشهُر الستة الماضية خمس هجمات على ناقلات نفط مرتبطة بإسرائيل كان آخرها في 29 يوليو/تموز الماضي حين استهدفت طائرتان مسيرتان ناقلة نفط تديرها شركة إسرائيلية قبالة السواحل العمانية، مما أسفر عن مقتل اثنين من طاقمها أحدهما بريطاني والآخر روماني في حادثة هي الأولى من نوعها.
ورغم نفي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ضلوع بلاده في الهجوم، إلا أن تصريحاته لم تُؤخَذ على محمل الجد، خصوصاً أن قناة العالم الإيرانية كانت قد أعلنت فور استهداف الناقلة عن وقوف ما أسمته “محور المقاومة” خلف العملية رداً على قصف إسرائيلي لموقع في سوريا قبل أيام أسفر عن مقتل قياديين في حزب الله اللبناني وميليشيا فاطميون.
كما تحدث نشطاء إيرانيون مقربون من الحرس الثوري عن أن الهجوم جاء بعد التهديدات الأمريكية بفرض مزيد من العقوبات على صادرات النفط الإيرانية التي وصلت إلى مليون برميل يومياً تذهب في معظمها للصين، وإمكانية فرض عقوبات على الشركات الصينية المستوردة.
وكان من اللافت للانتباه تبنّي الولايات المتحدة وبريطانيا الرواية الإسرائيلية علناً وتوعُّد وزير الخارجية الأمريكي بردّ جماعي.
سيكون من الصعب عدم الردّ على الهجوم لأن ذلك سيدفع طهران إلى القيام بهجمات مماثلة والاعتقاد أن بإمكانها أن تفعل ما تشاء دون قلق من التبعات.
لكن من المستبعد أن نشهد رداً عسكرياً جماعياً. وإذا ما تقرر أن يكون الردّ عسكرياً، فمن المرجح أن يقتصر على إسرائيل، وساحات المواجهة مفتوحة من سوريا إلى العراق إلى المياه الدولية وحتى الداخل الإيراني، أما إذا ما تقرر أن يكون الردّ جماعياً فمن المتوقع أن يكون عبر عقوبات أمريكية-أوروبية قاسية تشمل عدداً من القطاعات، أو هجمات سيبرانية.
التصعيد الإيراني.. إلى أين؟
من الواضح أن محادثات فيينا وصلت إلى طريق مسدود، وأن إيران متجهة لشراء الوقت والقيام بمزيد من الخطوات التصعيدية كالسعي للوصول إلى العتبة النووية لفرض أمر واقع أو الاقتراب منها لتحصيل بعض الامتيازات ودفع أمريكا إلى التراجع عن بعض مطالبها، لكن هذه السياسة محفوفة بالمخاطر. يدرك الغرب هذه الحقيقة، لذلك يصرّح المسؤولون الغربيون بأن المحادثات لا يمكن أن تستمرّ إلى ما لا نهاية.
إن استمرت إيران في المماطلة، فمن المتوقع أن تلجأ إدارة بايدن إلى التشدُّد في تطبيق العقوبات وفرض عقوبات جديدة، ولن يكون من المستبعَد إحالة ملفّ إيران إلى مجلس الأمن مجدداً ومحاولة تفعيل آلية الزناد لإعادة العقوبات الأممية على طهران ووضعها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. إن استعراض تاريخ الجمهورية الإسلامية يُظهِر أن النظام الإيراني مستعدّ للسير حتى حافة الهاوية، ولن يتراجع إلا حين يشعر أن وجوده بات في خطر.
محمد عبدالمجيد
تي ار تي