جوبا – ترك العقد المضطرب منذ استقلال جنوب السودان الدولة الفتية أكثر هشاشة من أي وقت مضى حيث يمزقها عدم الاستقرار السياسي والعنف والجوع وتهددها العودة إلى الاقتتال من حين إلى آخر.
وأسفر النزاع الذي طبعته فظائع إثنية وعمليات اغتصاب وتعذيب عن أكثر من 380 ألف قتيل وتسبب بأزمة إنسانية كارثية، فيما لا تزال مناطق عدة تشهد نزاعات محلية.
وبالعودة إلى بداية العقد الماضي، ففي منتصف ليل التاسع من يوليو 2011 انطلقت الاحتفالات مع ولادة الدولة الجديدة وصفق شعب جنوب السودان ورقص مع إعلان نهاية نزاع دموي طويل خاضه من أجل إقامة دولته.
وتولى سلفا كير الرئاسة وعيّن رياك مشار نائبا له. وتزّعم الخصمان المنتميان إلى قبيلتين مختلفتين “الحركة الشعبية لتحرير السودان” التي قادت التحرّك من أجل الاستقلال.
وكانت من بين القضايا الشائكة مسألة ترسيم حدود جديدة ووضع مناطق متنازع عليها غنية بالنفط مثل أبيي. كما استحوذت دولة جنوب السودان على ثلاثة أرباع احتياطات النفط التابعة للسودان بينما حافظت الخرطوم على سيطرتها على جميع أنابيب النفط ومنشآت التصدير.
وبين مارس ومايو دارت مواجهات بين البلدين على خلفية حق استغلال حقول النفط المحيطة ببلدة إهليلج الحدودية والواقعة ضمن أراضي السودان.
المناطق الغنية بالنفط والاستراتيجية طالما شكلت نقط خلاف أساسية بين الفرقاء في جنوب السودان
واحتلت قوات جنوب السودان لمدة وجيزة المنطقة التي تساهم في نصف إنتاج الخام، واندلع سجال بشأن تكاليف مرور خط النفط فيما صادر السودان الملايين من براميل خام جنوب السودان.
وتوقفت دولة جنوب السودان عن الإنتاج في يناير لأكثر من عام، متهمة الخرطوم بسرقة نفطه. وفي الثالث والعشرين من يونيو 2013، أقال كير نائبه مشار وجميع وزراء الحكومة ونوابهم وعددا من ضباط الشرطة، واتّهمه مشار بالتصرّف بـ”دكتاتورية”.
وبعد ليلة من القتال في العاصمة جوبا، أكد كير في السادس عشر من ديسمبر بأن قواته أحبطت محاولة انقلاب نفّذها مشار الذي نفى بدوره الأمر.
واشتبكت وحدات عسكرية متخاصمة داخل الجيش في جوبا واتسع نطاق القتال ليتجاوز العاصمة، إذ غذّته الخصومة بين قبيلة الدينكا التي يتحدّر منها كير والنوير التي ينتمي إليها مشار. وأطلق ذلك العنان لمجازر متبادلة بين الطرفين تحوّلت إلى حرب استمرت ست سنوات.
وفي أغسطس 2015 وقّع مشار وكير على اتفاق سلام ينص على إعادة تعيين الأول نائبا للرئيس. وعاد إلى جوبا وتم تنصيبه في السادس والعشرين من أبريل 2016. لكن القتال اندلع مجددا بين أنصار الزعيمين في يوليو، ليهرب مشار من البلاد متهما كير بالسعي لقتله.
وبعد ذلك بثلاث سنوات وتحديدا في العشرين من يونيو، التقى كير ومشار لأول مرة بعد عامين، ووقعا في الثاني عشر من سبتمبر على اتفاق سلام جديد لإنهاء الحرب التي أدت إلى نزوح أربعة ملايين شخص.
ومهد ذلك لتشكيل حكومة تتقاسم السلطة في مارس 2020، ليتولى مشار مجددا منصب نائب الرئيس، لكن النزاع المسلّح تواصل. ومددت الأمم المتحدة مهمة السلام مرّات عدة كما الحظر على الأسلحة.
وفي يونيو 2020 اتفق كير ونائبه مشار على مسألة السيطرة على ولايات البلاد العشر، والتي كانت من أبرز النقاط الخلافية بينهما. لكن بعد عام بأكمله من الاتفاق حذّر تقرير للأمم المتحدة في أبريل الماضي من أن بطء تطبيق اتفاق السلام يعرّض البلاد إلى خطر الانزلاق في “نزاع واسع النطاق”.
وبعد أن أفسح كير في الثامن من مايو، بعد تأجيل لأكثر من عام، المجال للنواب المعارضين للانضمام إلى برلمان جديد شرع الفرقاء في الخامس والعشرين من مايو في صياغة المسودة النهائية للدستور. ورغم تأدية البرلمان الجديد في الثاني من أغسطس اليمين الدستورية أعلن قادة الجناح المسلح في حزب مشار في الرابع من أغسطس أنه تمت الإطاحة بالأخير كرئيس للحزب وللجناح المسلح للحركة الشعبية لتحرير السودان، عازين ذلك إلى “إخفاقه التام” في تمثيل مصالحهم. وسموا في بيان سايمن غاتويش دوال قائدا للحركة بالوكالة.
وفي السادس من الشهر الجاري ندد أنصار مشار داخل الحزب بما اعتبروه “انقلابا فاشلا”، لتندلع السبت معارك شرسة بين فصائل متناحرة داخل حزب نائب الرئيس في بلد يجاهد لتجاوز حرب أهلية استمرت خمسة أعوام.
العرب