رسم جنرال روسي الخطوط الرئيسية لـ”خريطة طريق” للوصول إلى حل نهائي لوضع أحياء درعا البلد، جنوبي سورية، التي تحاصرها قوات النظام منذ خمسين يوماً، وهو ما فتح كوّة أمل بتجنيب آلاف المدنيين ويلات عملية عسكرية واسعة النطاق يتحفز النظام لتنفيذها بهدف إخضاع هذه الأحياء لسلطته بالقوة. وقال المتحدث الرسمي باسم “لجنة مفاوضات درعا البلد”، المحامي عدنان المسالمة، أول من أمس السبت، إنه تم الاتفاق بين ممثلين عن “اللجنة المركزية” في درعا، وممثلين عن النظام السوري، مع الوفد الروسي، على استمرار وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين إضافيين تتم خلالهما جولات من المباحثات والتفاوض بين الطرفين بمساهمة روسية. وأكد المسالمة، في حسابه الرسمي في “فيسبوك”، أنه “جرت مباحثات مع قائد القوات الروسية العماد أندريه، بحضور ممثل عن الحكومة السورية، وممثلين عن اللجان المركزية في درعا”، مشيراً إلى أنه “تم عرض الخطوط الرئيسية لخريطة الطريق التي تحتوي حلاً يشمل كامل المنطقة”.
بدأت روسيا تسيير دوريات في درعا البلد وفتحت معبر السرايا
ولفت إلى أنها “تبدأ خلال أسبوعين من استمرار وقف إطلاق النار تتم خلالهما جولات مباحثات وتفاوض”. ووفق مصادر مطلعة، فإن الاتفاق المبدئي يتضمن وقف إطلاق النار في درعا، على أن تبدأ روسيا اعتباراً من أمس الأحد تسيير دوريات في منطقة درعا البلد، بالتزامن مع إعادة فتح معبر “السرايا” العسكري المؤدي إلى أحياء درعا المحطة القريبة. وأشارت المصادر إلى أن “خريطة الحل” التي تتضمن حسم مصير ريفي درعا الشرقي والغربي، تنص على تمركز قوى شرطية تابعة للنظام في مواقع عدة (لم يُحدد عددها) في أحياء درعا البلد، إضافة إلى بندين (سيجري التفاوض على تفاصيلهما خلال الأيام المقبلة) هما تسليم سلاح المعارضة للنظام، وتهجير المعارضين غير الراغبين بالتسوية ويُقدر عددهم بنحو 135 شخصاً من مدينة درعا.
من جهته، أشار الناشط الإعلامي أحمد المسالمة في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن حاجز السرايا (الممر بين درعا المحطة مع الأحياء المحاصرة) لم يُفتح أمام حركة المدنيين، مؤكداً نفاد كل كميات الخبز والطحين في الأحياء المحاصرة منذ نحو 50 يوماً من قبل قوات النظام ومليشيات إيرانية. ولا يزال هناك عدة آلاف من المدنيين داخل أحياء درعا البلد، يعيشون في ظروف إنسانية بالغة السوء في ظل ندرة الغذاء والدواء.
لكن مقابل ذلك، ذكر “تجمع أحرار حوران” أمس أن قوات النظام أطلقت الرصاص فوق رؤوس العشرات من الأهالي من بينهم نساء وأطفال يقفون أمام معبر السرايا، بانتظار السماح لهم بالخروج من درعا البلد باتجاه مناطق أخرى داخل محافظة درعا. وأشار إلى أن هذه القوات استهدفت بالمضادات الأرضية أحياء درعا البلد المحاصرة، بالتزامن مع قصف بقذائف المدفعية للمنطقة الواصلة بين طفس واليادودة في ريف درعا الغربي. ويخشى أهالي درعا البلد محاولات الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، الموالية للجانب الإيراني، إفشال الاتفاق الذي كما يبدو لم يلبِ الشروط التي كان وضعها النظام، ومنها انتشار قواته ومليشياته في أحياء درعا البلد وصولاً إلى الحدود السورية الأردنية.
ويشي ما تسرب من بنود الاتفاق بأن موسكو تحاول الحد من النفوذ الإيراني في جنوب سورية، والذي يتمثل بعدة مليشيات، وهو ما يشير إلى أن اللواء الثامن التابع للروس المتمركز في بلدة بصرى الشام، ربما يكون له دور بارز في تطبيق الاتفاق. وفي جولات التفاوض التي جرت بين اللجنة المركزية والنظام، لم تقبل اللجنة أي وجود للفرقة الرابعة أو الأجهزة الأمنية داخل أحياء درعا البلد، وهو ما دفع النظام لاستقدام تعزيزات حاصرت هذه الأحياء من كل الاتجاهات، إلا أن الموقف الروسي الرافض لعمليات عسكرية واسعة حال دون قيام مليشيات النظام بمحاولة إخضاع هذه الأحياء بالقوة.
وفي هذا الصدد، قال إبراهيم جباوي عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية لـ “العربي الجديد”، إن “خريطة الحل الروسي لم تحقق كل مطالب الأهالي في أحياء درعا البلد، إلا أنها ربما تجنبهم شر المليشيات الإيرانية”.
من جهته، نوّه نقيب المحامين الأحرار في درعا، سليمان القرفان، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “لم تتضح بنود الاتفاق بوضوح في ما أسماها الروس بخريطة طريق، ولكن إذا صحت الأنباء عن تهجير 135 شاباً من درعا البلد إلى الشمال السوري، فهذا يعني إفراغ المنطقة من المجاهدين الحقيقيين الذين عجز النظام والروس عن ترويضهم، وكانوا الشوكة في حلق النظام وهم من منعوا بسط سيطرته على درعا البلد”. وأعرب عن اعتقاده بأن خريطة الحل الروسي “انقلاب على اتفاق التسوية الذي تم في عام 2018 والذي نصّ صراحة على الإبقاء على السلاح الخفيف بأيدي الثوار، وعدم دخول الجيش إلى العديد من مناطق درعا بما فيها درعا البلد”.
موسكو تحاول الحد من النفوذ الإيراني في جنوب سورية
ورأى القرفان أنه “ليس هناك من يثق بالروس لا سيما أنهم لم يفوا بتعهداتهم سابقاً وأكثر النقاط التي وردت بتسوية عام 2018 تم الإخلال بها والتف النظام والروس عليها”. وتابع: “لذلك لا بد من مطالبة الولايات المتحدة والأردن بالتقيد بما ورد ببنود التسوية التي تمت بإشرافهما ومشاركتهما، وفي حال القبول بخريطة الطريق الروسية الجديدة فإننا سنشهد تطبيقها على كامل محافظة درعا بالأشهر المقبلة”.
وكان الجانب الروسي قد رعى في منتصف عام 2018 اتفاقات تسوية بين فصائل المعارضة والنظام في محافظتي درعا والقنيطرة في الجنوب السوري، أنهت حالة الحرب التي استمرت نحو ثماني سنوات، إلا أن النظام لم يلتزم على الإطلاق ببنود هذه الاتفاقات. كما لم يقم الجانب الروسي بمسؤولياته كضامن لهذه الاتفاقات، وهو ما سمح للنظام بحصار عدة مدن وبلدات وتهجير معارضين له إلى الشمال السوري، فضلاً عن قيامه باعتقال المئات من المعارضين بعضهم قضى تحت التعذيب في سجون النظام. وقامت أجهزة النظام باغتيال العديد من المعارضين الذين كانوا ضمن صفوف فصائل المعارضة السورية على الرغم من قيامهم بإجراء ما يسمّيه النظام بـ”تسوية وضع”. ويثير هذا الأمر المخاوف من تكرار الأمر ذاته في أحياء درعا البلد الخارجة عن سيطرة النظام منذ أواخر عام 2011، فضلاً عن كونها المنبع الرئيسي للثورة السورية التي بدأت في ربيع ذاك العام.
أمين العاصي
العربي الجديد