قمة دول الجوار العراقي تتعدى الحوار إلى خفض التوترات

قمة دول الجوار العراقي تتعدى الحوار إلى خفض التوترات

يشكل التمثيل الدبلوماسي للدول المشاركة في قمة الجوار العراقي نقطة أساسية في تحديد نجاح المؤتمر من عدمه للخروج برؤية تخرج العراق من أزماته المختلفة، بالإضافة إلى وجود توترات وخلافات حول ملفات وقضايا حساسة بين الدول المشاركة قد تفشل تحقيق أهداف المؤتمر.

بغداد – تسود شكوك كثيرة حول قدرة العراق الذي يحتضن مؤتمرا لدول الجوار ودول عربية وأجنبية أخرى على جمع الأضداد والخصوم وأحيانا الأعداء حول طاولة حوار لمناقشة الخلافات أو تسويتها.

وتستهدف حكومة بغداد من وراء المؤتمر، الذي سيعقد نهاية أغسطس الجاري، خفض التوترات القائمة بين عدد من دول المنطقة والتقليل من حجم التباينات في العلاقات بين الدول الفاعلة المشاركة في المؤتمر.

وتشهد العديد من العلاقات البينية بين معظم الدول المدعوة إلى المؤتمر أشكالا متعددة من الخلافات والخصومة والصراع. وكانت فكرة عقد المؤتمر تقتصر في البداية على دول الجوار العراقي لمناقشة قضايا تتعلق بالتدخلات الخارجية والشؤون الداخلية لهذا البلد الذي يعاني من سطوة الميليشيات المدعومة من إيران.

لكن المؤتمر الدولي سيناقش بعد دعوة دول عربية وأجنبية من غير دول الجوار العراقي قضايا الأمن والاستقرار والاستثمار والتحديات الإقليمية المشتركة والعلاقات بين دول الجوار.

باستثناء نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وجهت حكومة بغداد دعوات لدول الجوار، إيران والسعودية والأردن والكويت وتركيا، ودول أخرى مثل مصر وقطر والإمارات، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

وسلم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض رسالة إلى الرئيس السوري من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل أيام قليلة يوضح فيها أن عدم دعوة دمشق إلى المؤتمر لا تعبّر عن تجاهل عراقي، وإنما هو تعبير عن الحرص على إنجاح المؤتمر.

مستوى التمثيل
فكرة المؤتمر اقتصرت في البداية على دول الجوار العراقي لمناقشة قضايا تتعلق بالتدخلات الخارجية

ولا يزال مستوى تمثيل الوفود يسوده بعض الغموض، باستثناء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي نقلت وسائل إعلام عنه اعتزامه الحضور شخصيا.

ويرى مراقبون أن نجاح المؤتمر يرتبط بمستوى تمثيل الدول التي ستشارك فيه.

وتتجه الأنظار نحو مشاركة وفدي إيران والسعودية ومستوى تمثيلهما، في ظل تقارير إعلامية ذهب بعضها إلى احتمال حضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فيما تحدثت أخرى عن أن السعودية في حال مشاركتها، ستحدد مستوى تمثيلها في ضوء مستوى تمثيل الوفود الأخرى وتحديدا إيران.

وبحسب بيان للخارجية العراقية، رحب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالدعوة العراقية، وقال إن طهران تعتبر المؤتمر “خطوة مباركة، وتتطلع لحوار بين دول المنطقة لمعالجة القضايا الخلافية وتحسين العلاقات بينها، لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين”.

ولم تحقق جولات الحوار غير المعلنة بين السعودية وإيران بوساطة الحكومة العراقية أي تقدم في مسار تطبيع علاقات البلدين، باستثناء تخفيف حدة الخطاب العدائي بينهما.

وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها بغداد مؤتمرا لقادة دول عربية وأجنبية، منذ غزو العراق (عام 2003 عبر تحالف عسكري دولي بقيادة واشنطن)، في محاولة من حكومة الكاظمي لاستعادة الدور العربي والإقليمي لبغداد.

وسبق وأن استضاف العراق القمة العربية عام 2012 التي ترأسها الرئيس العراقي آنذاك جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي، وعدّت أقصر قمة عربية إذ لم تستمر سوى ساعات، وكان التمثيل فيها على مستوى متدن، فبعض الدول العربية أرسلت ممثليها في الجامعة العربية لرئاسة الوفد أو وزير الخارجية.

يُعتقد أن أهداف المؤتمر تتعدى حدود مناقشة قضايا اقتصادية وأمنية إلى محاولة تخفيف التوترات بين الدول المشاركة، إيران من جهة وكلّ من الولايات المتحدة والسعودية من جهة أخرى من دون الحاجة إلى وساطة دبلوماسية من العراق، بحسب تقرير لوكالة الأناضول أعدّه رائد الحامد.

وتسعى حكومة الكاظمي إلى تقليل مستوى التوترات بين دول الجوار والمنطقة والتوسط لحل الخلافات وعقد تفاهمات إقليمية تقلل من مساحة التدخلات الخارجية في العراق.

وسبق للعراق أن استضاف قمة ثلاثية جمعته مع مصر والأردن في يونيو الماضي، وناقشت مواضيع اقتصادية تتعلق بالربط الكهربائي والتعاون التجاري والزراعي، بالإضافة إلى التعاون الثقافي والتعليمي وجوانب أخرى.

ويعتقد محللون أن الأمر يتعدى قدرات الدول الثلاث على مواجهة تحديات تنفيذ الاتفاقيات الثلاثية، حيث تسيطر الجماعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، على الملف الأمني في مناطق يُفترض أن تكون ممرا للتبادل التجاري وإقامة المشاريع المشتركة.

بالإضافة إلى محاولة تلك الجماعات، الممثلة في البرلمان العراقي عرقلة أي توجه لبغداد نحو محيطه العربي، لاعتقادها أنه يمكن أن يلحق ضررا بمصالح إيران في العراق، خاصة بالنسبة إلى الربط الكهربائي، سواء مع دول الخليج العربية أو مع مصر عبر الأردن، إذ يعتمد العراق على شراء الغاز الإيراني، لتغذية محطات توليد الطاقة، كما يشتري كميات من الكهرباء عبر الشبكات الناقلة من إيران.

ووفقا لتصريحات مسؤولين وأعضاء في مجلس النواب، يسعى العراق من خلال مؤتمر يجمع أطرافا إقليمية ودولية إلى المزيد من التواصل مع دول الجوار والمنطقة والعالم لمناقشة قضايا تتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب والفساد والبنية التحتية وغيرها من الملفات ذات الصلة بالعراق وتلك الدول.

كما يسعى إلى حل الخلافات بين دول الجوار، لتفادي تداعياتها على الأوضاع الداخلية، خاصة بين إيران والقوى العراقية الحليفة لها من جهة والولايات المتحدة والسعودية من جهة أخرى.

تنشيط دبلوماسية العراق
مؤتمر بغداد يتوقع ألا يخرج بتوافقات بين الدول المشاركة التي تسود علاقاتها البينية توترات وخلافات جوهرية

يقول تقرير وكالة الأناضول إنه كان من المفترض أن يقتصر المؤتمر الدولي على دول الجوار، لكن الحكومة العراقية رأت، وفق مسؤولين، أن مشاركة دول عربية وأجنبية يمثل انفتاحا على المحيطين الإقليمي والدولي بشكل أوسع.

ويضيف أنه “ربما كان من الأفضل أن يحصر العراق المشاركة بدول الجوار، التي تؤثر بالمشهد العراقي وتتأثر به، وأن يكون هذا المؤتمر، في حال خرج بنتائج جيدة، منطلقا لمؤتمر دولي أوسع، يضم دول الجوار ودولا عربية وأجنبية”.

ولا يزال العراق ساحة لصراعات الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وإيران أو إيران والسعودية التي هوجمت أكثر من مرة انطلاقا من الأراضي العراقية.

كما أن دولا مجاورة مثل سوريا تعيش حالة حرب أهلية منذ عشر سنوات، إلى جانب انخراط السعودية الجارة الأخرى للعراق، في الحرب باليمن، فيما تلعب إيران دورا فاعلا ومؤثرا في البلدين عبر دعم الميليشيات المسلحة.

ويمكن للمزيد من انفتاح العراق على محيطه العربي وبوجود رغبة من دول عربية مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية، أن يشجع الكاظمي على اتخاذ إجراءات لاستعادة سلطة الدولة والحد من نفوذ القوى الحليفة لإيران، والتي يرى متابعون أنها تقف في وجه توجهات الكاظمي بالانفتاح على محيطه العربي.

ومع الفارق الزمني القصير بين انعقاد المؤتمر نهاية أغسطس الجاري وموعد الانتخابات البرلمانية المبكرة، في العاشر من أكتوبر المقبل، فإن الكاظمي قد يسعى إلى ترسيخ أسس علاقات العراق مع دول جواره ودول المنطقة قبل مغادرته منصبه.

ولا يمتلك الكاظمي كتلة أو حزبا سياسيا، ولم يرشح نفسه للانتخابات القادمة، لكن ثمة احتمالات لاستمراره في رئاسة السلطة التنفيذية، مع توقعات بفشل الكتل الفائزة في التوافق على مرشح لرئاسة حكومة ما بعد الانتخابات في ظل غياب “التيار الصدري” المتمسك بمقاطعة الانتخابات.

من غير المتوقع أن يخرج المؤتمر بتوافقات وتفاهمات بين الدول المشاركة التي تسود علاقاتها البينية توترات وخلافات جوهرية على ملفات وقضايا حساسة.

لكنه يمكن أن يشكل خطوة على طريق حوار مستقبلي واجتماعات ثنائية بين دولة أو أكثر من دول جوار العراق، وخلق رؤية مشتركة لحل الصراعات في سوريا وليبيا واليمن، خاصة وأن دولا عدة من المشاركة في المؤتمر تعد أطرافا فاعلة في هذه الصراعات.

وفي ظل واقع ضعف الدولة العراقية وسطوة السلاح المنفلت خارج سلطة الدولة وتحكمه بالملف الأمني، فإن الدول المشاركة، والتي ستناقش ملف الاستثمار في العراق وبناء شراكات اقتصادية واستثمارية، ستظل مترددة في الدخول بشراكات مع حكومة بغداد.

العرب