لا أحزاب ولا منظمات تتدخل في المسار السياسي التونسي

لا أحزاب ولا منظمات تتدخل في المسار السياسي التونسي

تونس – قطع الرئيس التونسي قيس سعيد مع سياسة سادت البلاد منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011، وتتمثل في تدخل الأحزاب والمنظمات لحل الأزمات السياسية وهو ما أنتج مشهدا سياسيا قائما على المحاصصة بين الأحزاب والمنظمات.

وأعلن قيس سعيد الخميس عن قرب تشكيل الحكومة التونسية متجاهلا دعوات غير مباشرة لبعض الأحزاب لإشراكها في العملية السياسية من خلال تكرار الحديث عن ضرورة التسريع في تشكيل الحكومة.

وقال الرئيس سعيد خلال استقباله وزير الشؤون الاجتماعية محمّد الطرابلسي والمكلفة بتسيير وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار سهام البوغديري نمصية إنه سيتم في الأيام القليلة القادمة الإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة.

وأضاف قيس سعيّد أن “الدولة مستمرة ومرافقها العمومية مستمرة وهناك وطنيون يعملون في الإدارة بجد داخل الدولة التونسية”. وأردف “يريدون أن يُغيِّبوا الدولة وتبقى حكومة وحفنة من الأشخاص تنهب الشعب التونسي (…) لا مجال لهؤلاء في المستقبل”.

هشام الحاجي: إبعاد المنظمات يهدف بالأساس إلى عدم تشتيت السلطة

ورفض الرئيس التونسي خارطة الطريق التي تقدم بها الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد وصاحبة النفوذ السياسي الذي تزايد عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق بن علي.

وقال قيس سعيد “خارطة الطريق هي من المفاهيم التي تأتينا من الخارج (…) وخارطة الطريق الوحيدة التي أسلكها وسأسلكها بثبات وعزم هي الخارطة التي وضعها الشعب التونسي”، دون أن يوضح ماهيتها.

وأعاد الرئيس سعيد التأكيد على أن “هناك حكومة (الآن) تعمل ودولة تعمل ولا عودة إلى الوراء وسيأخذ الشعب حقه كاملا”.

ومن الواضح أن الرئيس سعيد يريد وضع حد للمبالغة في التوافقات وإفساح المجال للأحزاب والمنظمات، وهي المبالغة التي اتسم بها عهد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي حيث لم تتوان هذه الهياكل عن التدخل في مهام هي من مشمولات رئيس الدولة.

وحاول قايد السبسي في الأيام الأخيرة من حكمه أن يعيد النظر في هذه السياسة، وبدأ بالتصعيد، لكن القدر لم يمهله حيث مرض ودام ذلك أشهرا قبل أن يتوفى في يوليو 2019.

واعتبر المحلل السياسي هشام الحاجي أن قيس سعيد بصدد القطع مع ما عرفته البلاد من طُرق تشكيل الحكومة التي من المفترض أن يتمّ الإعلان عنها في الأيام المقبلة، كما أنه لم يقتصر على استبعاد الأحزاب من مشاورات تشكيل الحكومة بل استبعد المنظمات أيضا.

وأوضح الحاجي في تصريح لـ”العرب” أن قيس سعيد بصدد القطع أيضا مع الطرق التي تم اعتمادها خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2021 في إدارة الشأن العام في البلاد؛ فهو يقوم بتحجيم دور الأحزاب والمنظمات، في استمرار للنهج الذي اختاره منذ الخامس والعشرين من يوليو. ويرمي من خلال ذلك إلى تحقيق عدة أهداف؛ أهمها عدم تشتيت السلطة ومراعاة الوضع الدستوري الحالي حيث من المفترض أن تمر تشكيلة الحكومة وبرنامجها على البرلمان لكن المجلس النيابي مجمّد.

وتابع “لذلك سيكون فريق الحكومة -من وزراء ورئيسهم- أقرب إلى توجهات الرئيس سعيد باعتباره الآن أصبح صاحب مشروع وفي واجهة الأحداث بمفرده. وقيس سعيد سيغيّب الأحزاب والمنظمات من الحكومة المرتقبة”.

وتصاعد دور المنظمات بشكل لافت أثناء الأزمة السياسية التي أعقبت اغتيال البرلماني محمد البراهمي في يوليو 2014 والذي سبقه اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد خلال فبراير في السنة نفسها.

وقاد اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف (الاتحاد التونسي للتجارة والصناعة) والهيئة الوطنية للمحامين، بالإضافة إلى الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، الحوار الوطني الذي انتهى بتشكيل حكومة برئاسة مهدي جمعة في نهاية 2014، وهو ما اعتُبر آنذاك انتصارا لمنظمة الأعراف.

وحاز رباعي الحوار جائزة نوبل للسلام، وهو ما اعتبر دعما دوليا لدوره ما شجعه -وخاصة اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف- على المزيد من التمادي في التدخل في الشؤون السياسية.

وظلت وزارة الشؤون الاجتماعية طيلة السنوات الماضية من حصة اتحاد الشغل، حيث يُحسب الطرابلسي الذي تولى المنصب مرتين (مرة في حكومة يوسف الشاهد والمرة الثانية في حكومة هشام المشيشي) على اتحاد الشغل.

كما تجلت بوضوح محاولات منظمة الأعراف لوضع اليد على الشأن السياسيّ في البلاد والدخول بشكل حاسم في اللعبة السياسيّة والسياسة العامّة للدولة، وهو ما اتضح من خلال ترشح عدد من رجال الأعمال للانتخابات التشريعية، ليتم في ما بعد منحهم بعض المناصب كتعيين سيدة الأعمال سلمى اللومي وزيرة للسياحة.

كما أثارت تحركات قامت بها المنظمة أثناء قيادتها من قبل رئيستها السابقة وداد بوشماوي الكثير من الاستغراب إثر استقبالها وفودا دبلوماسية لمناقشة “العلاقات الإقتصاديّة التونسيّة” مع الدول الأجنبيّة وجهود “التشجيع على الاستثمار”، وهو ما يتجاوز الدور التقليدي لهذه المنظمة على حساب الدبلوماسية التونسية.

وبدا القلق واضحا على المنظمتين منذ إعلان الرئيس التونسي عن إجراءاته في الخامس والعشرين من يوليو الماضي والمتمثلة في تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، حيث سارع رئيسا المنظمتين إلى لقاء قيس سعيد في الأيام التالية. ولم ترحب منظمة الأعراف بإجراءات قيس سعيد ودعت في بيان الرئيسَ إلى ضرورة تشكيل حكومة كفاءات والحفاظ على “المكاسب التي تحققت لتونس”.

وبدوره لم يخف اتحاد الشغل توجسه من إجراءات قيس سعيد، حيث أكد الأمين العام المساعد للاتحاد ساكي الطاهري عقب الإعلان عن خارطة الطريق أن “الاتحاد يأمل في تجاوز المرحلة الاستثنائية بسلام رغم ما لديه من توجس تجاه هذا الظرف الاستثنائي”.

العرب