نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مقالا للزميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بلال وهب، أكد فيه أن التطورات في أفغانستان تثير قلق العراقيين خشية من مصير مشابه.
وذكرت المجلة أنه حتى قبل أن يتحول الانسحاب الأمريكي إلى انهيار كامل للدولة الأفغانية واستيلاء طالبان الكامل على السلطة، كان العديد من العراقيين، قلقين للغاية مما قد يعنيه الانسحاب الأمريكي الوشيك للعراق. وتساءلت، هل ستنهي أمريكا وجودها العسكري البالغ 2500 جندي في العراق أيضا؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل سيؤدي إلى استيلاء الميليشيات الإيرانية على السلطة، أو عودة تنظيم الدولة، أو حرب أهلية محتملة؟
وأثارت المشاهد اليائسة في مطار كابول يوم الأحد شعور “ديجافو” والهواجس بين العراقيين. وذكرهم كيف أنه في عام 2014، ذاب الجيش والشرطة العراقيان اللذان دربتهما وسلحتهما أمريكا وفقدوا ثلاث محافظات لصالح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. حيث كانت قد انسحبت أمريكا في عام 2011 من العراق، لكنها اضطرت إلى العودة لوقف هجوم تنظيم الدولة على العراقيين وذبحهم.
ويخشى العراقيون أيضا تجدد المناقشات في واشنطن وبغداد بشأن الانسحاب الأمريكي الكامل من العراق. كما في 2011، تضغط إيران على الحكومة العراقية لتطلب من القوات الأمريكية المغادرة. تماما كما كان الحال في ذلك الوقت، قد تكون واشنطن أكثر من مستعدة للامتثال.
ومن السهل سرد أوجه الشبه بين العراق وأفغانستان، فمثل أفغانستان، لدى العراق حكومة منقسمة تعطي الأولوية لسياسة المحسوبية لا لحكومة تدير قوات أمن ذات كفاءة وتوفر الخدمات الحكومية الأخرى. وإذا قمنا بالمقارنة نجد أن الحكومة العراقية والحكومة الأفغانية المنهارة تتنافسان على أيهما أكثر فسادا.
وكما هو الحال في أفغانستان، الحكومة العراقية والجيش غير مستعدين للوقوف في وجه الميليشيات الجامحة التي تهدد سيادة العراق واستقراره وتهاجم العراقيين. وكما هو الحال في أفغانستان، فإن الأمر لا يتعلق بالقدرة ولكن بالإرادة السياسية – حيث يشكو المسؤولون الأمريكيون من أن بغداد تتولى قيادة جهاز مكافحة الإرهاب الأول في المنطقة، لكنها توظفه فقط ضد تنظيم الدولة، وليس ضد الميليشيات الأخرى.
ويخشى الكثيرون أيضا أن تجد مناقشة الانسحاب في بغداد -التي تحفزها إيران- ترحيبا في واشنطن، لأسباب ليس أقلها أن الفريق الذي انسحب من العراق في عام 2011 عاد إلى البيت الأبيض. ويشعر العراقيون بالقلق من أن إدارة بايدن قد تتعايش مع حكومة عراقية بقيادة الميليشيات إذا أوقفوا الهجمات على المصالح الأمريكية.
ويخشى العديد من العراقيين تداعيات الموعد النهائي للإدارة الأمريكية لسحب القوات القتالية الأمريكية من العراق بحلول نهاية عام 2021. ومن المؤكد أن أولويات واشنطن المتغيرة والتعب من العراق ليسا مجرد موقف للحزب الديمقراطي.
وعلى الرغم من هذه التشابهات الحقيقية والمتصورة، فإن العراق بالطبع بلد مختلف تماما، مما يمنحه فرصة لتجنب مصير أفغانستان.
ويتمتع العراق، على عكس أفغانستان، بتاريخ من المؤسسات الوطنية القوية. كما أن هناك دعما من الحزبين الأمريكيين للمواصلة في العراق، وقيادة التحالف المناهض لتنظيم الدولة لمنعه من الظهور مجددا، وتعزيز العلاقات الاقتصادية.
علاوة على ذلك، لا تستطيع أمريكا تجاهل التهديد الذي تشكله أجندة إيران التوسعية في العراق على المنطقة. وبغض النظر عن المصالح الأمريكية، فإن العراق لديه فرصة أفضل لكبح حكم الميليشيات نظرا إلى المعارضة المحلية للنفوذ الإيراني – بما في ذلك حركة الاحتجاج الشعبية وقيادة شيعية عراقية صريحة في النجف تخشى فقدان السلطة الدينية لرجال الدين في العاصمة الدينية الإيرانية “قم” وزعماء كردستان الذين يخشون أن يكونوا الهدف التالي للميليشيات بعد المحافظات السنية.
الولايات المتحدة لا تستطيع تجاهل التهديد الذي تشكله أجندة إيران التوسعية في العراق على المنطقة
وعلى عكس طالبان، تفتقر الميليشيات العراقية المتنوعة إلى قيادة موحدة وقبول على الصعيد الوطني. علاوة على ذلك، فإن نجاح المهمة الأمريكية ضد تنظيم الدولة والقاعدة في سوريا يعتمد على وجود أمريكا في العراق.
ومع ذلك، يمكن للعراق أن يسير في طريق أفغانستان ما لم يقم كل من العراق وأمريكا بإعادة ضبط علاقتهما. ويتمثل أولها في الالتزام الأمريكي بملف مكافحة الإرهاب في العراق بل وتنويعه. طالما أن العلاقات الأمريكية العراقية تتوقف على عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين، فإن إيران ووكلاءها سوف يطمحون إلى إنهاء العلاقة عن طريق إجبار تلك القوات على الانسحاب. لقد أظهرت الميليشيات إمكاناتها وستواصل هجماتها على الوجود الأمريكي، مع علمها أن أمريكا تفتقر إلى الصبر والردع.
ولكي تستمر العلاقة الأمريكية العراقية، تحتاج إلى تحويل التركيز نحو الاستثمار في بناء القدرات العسكرية والمؤسسية لقوات الأمن العراقية لمكافحة الإرهاب ولأغراض أخرى. ويجب أن تكون القدرة وليس الجدول الزمني هي المعيار للتقدم. كما أنه، للحفاظ على مثل هذه المهمة، يجب عدم تسييس الوجود الأمريكي في العراق. يتعين على واشنطن أن تعلن بوضوح أن إعادة تصميم وجودها العسكري في العراق إلى مهمة توفير المشورة والمساعدة لن يعني التخلي عن العراق.
كما يحتاج الشعب العراقي إلى الشعور بفوائد العلاقة في مجالات مثل التجارة والرعاية الصحية والتعليم. وقد حاولت سلسلة من الحوارات الاستراتيجية الأمريكية العراقية الوصول إلى مثل هذا الهدف.
ويجب على واشنطن ألا تترك الحكومة العراقية تفلت من مسؤولياتها. قد يجد العراقيون العزاء في أن بايدن يبدو غير راغب في المخاطرة بالصور من مطار بغداد الدولي المشابهة لتلك التي رأيناها من كابول. ومع ذلك، فإن أولويات أمريكا تتحول بالفعل بعيدا عن الشرق الأوسط الكبير، ويقع العبء أولا وقبل كل شيء على الحكومة العراقية لتحمل المسؤولية والاستثمار في علاقة قوية مع أمريكا.
بعد أفغانستان، قد يشكو القادة العراقيون من أن أمريكا أصبحت شريكا غير موثوق به. ومع ذلك، فإن السعي لاستبدالها برعاة آخرين -سواء كانت إيران أو تركيا أو أي دولة أخرى- لن يؤدي إلا إلى تعميق التبعية العراقية على شركاء غير موثوق بهم. بدلا من ذلك، يجب على العراقيين أن ينظروا إلى بغداد بحثا عن إصلاحات للحكومة.
القدس العربي