في كل تفصيل من “قمة بغداد” التي عقدت السبت، كان ثمة إحساس بأن الحكومة العراقية تحاول خلق مظلة حماية لطمأنة نفسها من مجموعة من التوترات الإقليمية، وذلك عبر خلق مزيج من الروابط العربية والدولية القادرة على موازاة تلك التوترات، المتدفقة إليها بالتحديد من إيران وتركيا.
فبحضور خمس دولة عربية ذات ثقل على المشهد الإقليمي، وبحضور منظمتي جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربي، وطبعا بتمثيل فرنسي رئاسي للكتلة الأوربية والمجتمع الدولي، سعت الحكومة العراقية لخلق ما هو مواز ورادع وبديل لموجات التوتر التي لا تتوقف في التوارد إليها.
وحول إمكانية تحقيق ذلك، شرح الباحث العراقي أنمار الحاج يحيى في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “هناك أزمتا التدخل العسكري الإيراني في الشؤون الداخلية العراقية، عبر سلسلة من العمليات العسكرية التي نفذتها الميليشيات المرتبطة بها ضد مصالح الأمن القومي العراقية، سواء عبر استهداف المصالح الدبلوماسية الأجنبية أو القواعد العسكرية أو المناطق المدنية في إقليم كردستان. كذلك زادت تركيا من عمليات قصفها العسكرية داخل العراق، وأسست العديد من نقاط التمركز العسكرية داخل حدوده، متجاهلة كل سيادة عراقية”.
وأضاف الباحث العراقي: “كان واضحا أن الدولتان تصدّران مجموعة من الأزمات الداخلية والحسابات الإقليمية إلى داخل العراق، وتطالبانه بمجموعة كبيرة من الالتزامات. الأمر الذي دفع بصناع القرار العراقيين للتفكير ببدائل عاجلة ورادعة لهذا المستوى من الهيمنة الإقليمية”.
وتابع الحاج يحيى قائلا: “قمة بغداد كانت تأكيدا على الفضاء السياسي الأوسع للعراق، المتمثل بالعالم العربي وقواه الفاعلة، كما كانت تأكيدا على الاعتراف والالتزام الدولي بسيادة العراق وقدرته على التحكم بفضائه الداخلي وشكل علاقته مع القضايا التي تخصه”.
ويشتكي المراقبون العراقيون من غياب آليات المراقبة والتحديد التي تضبط هذه التدخلات وأشكال تصدير التوترات المتدفقة من الدولتين، مذكرين بتقاعس الحكومات العراقية عن استخدام الأوراق التي تملكها بغداد في مواجهة ذلك، للحفاظ على استقرارها الداخلي.
وعن إمكانية عودة الحكومة العراقية لاستخدام أوراقها المتوفرة بين أيديها وذلك بعدما أخذت جرعة دعم من خلال القمة الأخيرة، أوضح المحلل السياسي العراقي في مركز “سرنج” للدراسات السياسية زوزان بروجي، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “كانت مجموعة التوصيات التي ترفعها مراكز الدراسات العراقية، ومعهم فرق المستشارين السياسيين لذوي القرار، تتمثل في آليتين، الأولى هي العقوبات الاقتصادية التي يمكن للعراق أن يستخدمها تجاه تركيا وإيران، فالدولتان كانتا رابحتان بامتياز من علاقتهما الاقتصادية مع العراق. كذلك كان يمكن للعراق أن يستفيد من شرعية سيادته على فضائه الجغرافي، عبر تقديم مجموعة من الشكاوى بحق هاتين الدولتين للمؤسسات الدولية. العراق كان على الدوام يفتقد الفضاء السياسي العمومي الذي يمكن أن يستند إليه في استخدام آليات الردع تلك”.
وبيّن بروجي أن “قمة بغداد ترسم ملامح من ذلك الفضاء الراعي للعراق. فهي أنهت سوء التفاهم والاستقطاب العراقي المناهض لبعض الدول العربية، التي تم تكريس أشكال منه أثناء حكومتي رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، وبدأ بالاضمحلال في المراحل التي تلته. كذلك شكلت القمة نموذجا لما يمكن أن تتصرف حسبه المؤسسات السيادية العراقية، المتمثلة بالحكومة المركزية وقراراتها الحازمة، وإن لم تكن محل موافقة من الميليشيات المرتبطة بالقوى الخارجية. وتاليا فإن هذه القمة وما خلقته من أجواء، يمكن لها أن تخلق تشجيعا للعراق للحد من التوترات الإقليمية المتدفقة إليه”.
الشرق الاوسط / سكاي نيوز