بينما لم تنه بعد التحليلات السياسية ما بجعبتها من آراء متفائلة ومتشائمة من نتائج قمة بغداد التي جمعت الأضداد على طاولة مستديرة في القصر الجمهوري بالمنطقة الخضراء، بدأت السيناريوهات تتوسع بشأن مستقبل العلاقة الفلسطينية العربية وخصوصا ما يتعلق بعلاقة الرئيس محمود عباس بالسعودية، مع القمة الثلاثية التي تشهدها العاصمة المصرية بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيسي الفلسطيني محمود عباس.
قبل قمة بغداد التي كان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون شاهدا دوليا عليها وجمعت الأضداد من دول جوار العراق “باستثناء سوريا” مع مصر وقطر والإمارات. لا يغفل المتابعون التواصل الملفت بين الإمارات من جهة وتركيا وقطر من جهة أخرى، عندما زار مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد العاصمتين التركية والقطرية والتقى الرئيس رجب طيب أردوغان والشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وقبلها إعلان الاستعداد لطيّ خلافات الماضي بين مصر وتركيا، أو على الأقل وضعها في المختبر السياسي. ومن الأهمية السياسية أيضا الإشارة إلى التواصل الحذر بين السعودية وإيران.
استباق الأحداث
وتجمع القراءات السياسية على أن القادة العرب يحاولون استباق موجة الأحداث.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن وزير خارجية عربي وصفته بـ”المخضرم”، ملاحظته أن “المشكلة الأساسية هي اعتماد العرب على الأجانب، وبعد ذلك، عندما يغير الأجانب سياساتهم، نكون ضائعين”.
فهل يمكن أن نعزو كل هذا التصاعد في التقارب على الأقل في المحيط العربي والإقليمي، إلى ما أقدمت عليه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في أفغانستان. إنها نكثت وعود عشرين عاما وأهدرت المليارات وفقدت الآلاف من جنودها وبعدها فرت مذعورة!
ومع مغادرة آخر الطائرات الأميركية، فإن أفكار صانعي السياسات يجب أن تتحول إلى المستقبل وإلى كيفية التعامل مع حقيقة جديدة في العلاقة مع الولايات المتحدة والتعويل عليها.
غراف
وفي منطقة تم تعلم درس آخر للتوّ في عدم موثوقية الولايات المتحدة، سيكون من المفيد التأكيد على أن تستكشف واشنطن قوة المصلحة الذاتية للآخرين.
ويتوقع محللون سياسيون أن المنطقة العربية مقبلة على علاقات مختلفة كليا عما مرت به خلال السنوات العشر الأخيرة، خصوصا في العلاقة مع تركيا وإيران.
ويبرز هنا الخلاف السياسي بين إيران والسعودية منذ سنوات حيث يخوضان حربا بالوكالة عبر حلفاء لهما في اليمن وسوريا والعراق. وقطع البلدان العلاقات الدبلوماسية في عام 2016.
وقال دبلوماسي خليجي أن إيران بدأت تنتهز الواقع الجديد وتبعث برسائل إلى الرياض وأبوظبي بشأن مستقبل العلاقة معهما.
وأضاف الدبلوماسي في تصريح لـ”العرب” أن مركز القرار في السعودية والإمارات يتعامل مع الرسائل الإيرانية وفق جدية الأفعال، لكنه عبر عن توقعه بأن تغييرا ما مقبل في العلاقة الجديدة بين البلدين.
وعزا ذلك إلى التغيرات المتصاعدة التي تشهدها المنطقة، وأن قادتها تعلموا الدرس جيدا من كابول، معولين على المحيط الإقليمي أكثر من علاقتهم مع الولايات المتحدة التي طالما سميت من قبل بالاستراتيجية.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إنه ناقش سبل تحسين العلاقات خلال اجتماع مع نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على هامش قمة بغداد.
وأضاف “تحدثنا في هذا الحوار عن النوايا الإيجابية ورغبة زعيمي البلدين في تقوية العلاقات… إن العمل مع الجيران هو أولوية الحكومة الإيرانية الجديدة”.
ونُقل عن سفير إيران لدى بغداد إيرج مسجدي قوله إن “إيران تخطط لإجراء جولة رابعة من المحادثات مع السعودية في العراق بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة”.
لا نعتمد على واشنطن
Thumbnail
ويرى ديفيد غاردنر، محرر الشؤون الدولية في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن “كارثة الولايات المتحدة والغرب في أفغانستان تدق ناقوس الخطر من شرق أوكرانيا إلى مضيق تايوان. لكن في الشرق الأوسط، ساحة الغزوات الأنغلو- أميركية المتسلسلة، كان رد فعل القادة على استسلام الولايات المتحدة متحفظا. لقد بدا بالفعل للحلفاء والخصوم على حدّ سواء، أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة”.
وكتب غاردنر المختص بشؤون الشرق الأوسط “أظهر الغزو والاحتلال بقيادة الولايات المتحدة للعراق عام 2003 حدود قوة أميركا وعدم قدرتها على تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة”.
ويرى الكاتب أن “عدم الموثوقية الأميركية دفعت القادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى بدء حوار يهدف إلى الانفراج، بدلا من الاعتماد على الأطراف الخارجية”.
ديفيد غاردنر: فقدان الثقة بواشنطن دفع قادة الشرق الأوسط إلى سياسة الانفراج
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يتجه بشكل فوضوي نحو الخروج من سوريا والعراق عندما أبرم في فبراير من العام الماضي اتفاق الانسحاب مع طالبان، مما أدى إلى تقويض الحكومة الأفغانية التي لم يكلف نفسه عناء التشاور معها.
الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة من دول الخليج العربي، رفض ترامب تقديم المساعدة للسعودية بعد أن هاجمت إيران شركة أرامكو السعودية بطائرة دون طيار وصواريخ في عام 2019.
وطالب غاردنر الرئيس الأميركي جو بايدن بإيجاد طريقة لمنع الكارثة الأفغانية من زيادة جرأة إيران.
وطالما تغاضت الولايات المتحدة عن مشاريع إيران في بناء محور عبر الأراضي العربية منذ غزو العراق.
ويتمثل أحد أهداف بايدن الرئيسية “في إحياء اتفاق ضبط النفس لعام 2015 الذي وقعته إيران مع الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية، والذي انسحب منه ترامب من جانب واحد في عام 2018. وتريد الولايات المتحدة وحلفاؤها أيضا كبح إيران والقوات شبه العسكرية المدعومة من طهران في بلاد الشام والخليج واليمن”.
على الجانب الآخر لا تبعث كل القراءات بنظرة متفائلة بشأن مستقبل العلاقة الخليجية من جهة والتركية الإيرانية من جهة أخرى.
ويبعث الاتصال الهاتفي بين ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التهدئة من أجل مناقشة الملفات الإقليمية، لكن هذا التقارب يأتي ضمن مناخ إقليمي تضغط فيه الولايات المتحدة على معظم الأطراف الحليفة في المنطقة من أجل تخفيف التوترات لإتاحة الفرصة أمام معالجة الملف الإيراني ببعديه النووي والإقليمي، وهو ملف تضعه الولايات المتحدة كأولوية.
إيران بدأت تنتهز الواقع الجديد وتبعث برسائل إلى الرياض وأبوظبي بشأن مستقبل العلاقة معهما
وبينما تبدو الثقة السعودية برسائل إيران مبعث شك، فمصدر القرار السعودي يدرك جيدا أن لدى إيران استراتيجية معلنة لتتمدد في المنطقة وفق أيديولوجيتها الطائفية، والتجارب السابقة مع طهران لا تبعث على الثقة في بيئة إقليمية جديدة.
ويمكن البناء على الموقف السعودي من إيران تأسيسا على آخر تصريح لوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان.
وأعلن الأمير فيصل أن بلاده تناقش مع الولايات المتحدة أنشطة إيران وعرقلتها للملاحة البحرية.
وقال إن الرياض طرحت مبادرة لحل أزمة اليمن لكن الحوثيين رفضوها.
وعبر وزير الخارجية السعودي عن اعتقاده بأن إيران باتت أكثر جرأة وأنها تنتهج طرقا سلبية في أنحاء الشرق الأوسط، وتعرض الملاحة البحرية للخطر، فضلا عن تسليح الحوثيين والضلوع في المأزق السياسي في لبنان.
وأضاف الوزير “في جميع أنحاء المنطقة لا تزال إيران تتصرف بجرأة أكثر”.
العرب