فوهات بنادق مرفوعة عاليا، أصوات إطلاق نيران صاخبة، رصاص يتطاير عشوائيا في كل اتجاه يحصد كل ما يقابله من أرواح، ينجو من ينجو ويصاب من يصاب، مشهد معتاد في الشارع الليبي يمثل ظاهرة يطلق عليها “الرماية العشوائية” التي تشكل تهديدا بالغا للأبرياء.
قد يكون الحدث حفل زفاف أو مناسبة عائلية خاصة، أو اشتباكات بين ميليشيات أو تدريباتهم التي لا تتوقف، إلا أن جميع الطرق تؤدي إلى “الموت” أو استكمال بقية الحياة بعاهة مستديمة.
داخل طرابلس، وتحديدا في منطقة الدريبي السكنية، لم تدر الطفلة بلقيس محمد الزناتي ما يخبئ لها القدر، فقد أوقفت رصاصة طائشة ضحكاتها المميزة، لتخيم الصدمة على أسرتها التي سارعت لنقلها إلى أقرب مستشفى.
أصيبت بلقيس بمضاعفات خطيرة كادت تودي بحياتها، وسط تنديد من أهالي المنطقة بخطورة الأمر وتكراره بما يشكل تهديدا لحياتهم، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمناشدة المسؤولين بالتدخل والتصدي لهذه الظاهرة.
تقول سارة عمر، وهي إحدى ساكنات العاصمة الليبية، إن حوادث الرماية العشوائية أصبحت منتشرة في أرجاء البلاد “نتيجة التصرفات الخاطئة وغياب الوعي بخطورة الأمر والاستهانة بأرواح الأبرياء، فعلى مدار السنوات الأخيرة فقد أطفال ونساء ورجال حياتهم نتيجة هذا التصرف الإجرامي”.
وتضيف أن ابن عمها فقد حياته نتيجة اختراق رصاصة لسقف سيارته من سلاح مضاد للطائرات لتصيب رأسه مباشرة، وحتى الآن ظل مطلق الرصاصة مجهولا.
بينما ترى بسمة رمضان أن “المشكلة تكمن في ضعف المستوى الثقافي وغياب التوعية، فمن يطلق النيران بشكل عشوائي يعاني غياب الضمير والوعي، لذلك يجب مواجهة الرماية العشوائية بشكل أمني قوي وتطبيق القانون بكل حزم”.
وتتابع أن ابنتها كادت تفقد حياتها نتيجة اختراق رصاصة طائشة لسيارتها واستقرارها في قدمها، لكنها تعافت بعد التدخل الطبي.
بخطوات مسرعة مليئة بالحيوية والنشاط، وبعين تراقب الطريق في حذر، كان صهيب عبد الله لابة في طريق العودة إلى منزله، حين توقفت قدماه عن الحركة وأظلمت عيناه بعد أن أصيب برصاصات عشوائية قاتلة، في منطقة طريق السور بطرابلس.
أسرع الأهالي لنقل الشاب المصاب برصاصة في بطنه وأخرى في قدمه إلى المستشفى، ونجا بأعجوبة من الموت بعد أن كادت الاشتباكات بين ميليشيات متقاتلة تتسبب في مقتله.
أفراح ومآتم
ويعلق يونس العقوري، وهو من سكان طرابلس، قائلا إن تكرار حوادث الرماية العشوائية أصبح أمرا معتادا بسبب التهور وعدم الاهتمام بحياة الآخرين، مطالبا بضرورة تطبيق القانون بحزم خاصة ضد من يحملون أسلحة غير مرخصة.
ويؤكد أنه تعرض قبل أيام لحادث مشابه أثناء جلوسه فوق سطح منزله، لكن لم يصبه أذى بعد أن سقطت رصاصة طائشة على بعد مسافة صغيرة للغاية منه.
وفي يوليو الماضي، أصيب شابان بطلق ناري أثناء حضورهما إحدى المناسبات في مدينة إجدابيا، ونقلا إلى المستشفى ثم غادراها بعد تلقي الرعاية اللازمة.
وفي ديسمبر الماضي، لقي الطفل محمد طاهر الخفيفي مصرعه بعد إصابته برصاصة عشوائية في رأسه بمدينة بنغازي، أثناء وجوده في مأتم أقاربه بمنطقة حي الدولار، حيث فارق الحياة بعد ساعات قليلة من دخوله المستشفى.
وفي نفس الأسبوع، شهد حي المنشية بمدينة سبها سقوط قذيفة “دانة” في شارع، مما تسبب في مقتل شخصين وإصابة 4 آخرين.
ويظل الحادث الأبرز، مقتل الفنان الليبى هيثم درباش المجبري وإصابة عدد آخر من السكان، من جراء سقوط قذيفة عشوائية في منطقة الليثي بمدينة بنغازي، في شهر يوليو الماضي.
إلى المحاكمة
وقبل أيام، قرر مكتب المدعي العام العسكري الليبي إحالة كل من يستعملون الأسلحة النارية بجميع أنواعها في المناسبات الاجتماعية إلى المحاكمة، باعتبار ذلك مخالفا للقانون.
وشدد بيان المدعي على أن “القرار يسري على كل من يثبت استعمالهم السلاح غير المشروع، ومحاسبة أصحاب المناسبات الاجتماعية وكل من يتستر على مرتكبي الجريمة، كون الفعل يهدف إلى إلقاء الرعب بين المواطنين وتعريض حياتهم للخطر”.
وتقول الخبير العسكري الليبي محمد الترهوني لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن المنطقة الشرقية وضعت قانونا حازما يصل إلى عقوبة السجن المؤبد في حالة الرماية العشوائية، والأمور تسير وفقا لمعايير عسكرية انضباطية تحت سلطة الجيش، أما في المنطقتين الوسطى والغربية من مصراتة إلى زوارة فالسلاح في يد الميليشيات، لذلك هناك عدد كبير من الضحايا نتيجة الانفلات الأمني وانتشار السلاح.
ويتابع أن “الرماية العشوائية في المنطقة الغربية خارجة عن السيطرة، مع وجود مجموعات خارجة عن القانون تستعمل السلاح في كل كبيرة وصغيرة، من دون رادع أو قانون، على عكس المنطقة الشرقية”.
ويشير الترهوني إلى أن “الحل الجذري لمواجهة هذه المشكلة هو نزع الأسلحة من الجهات غير القانونية، لأن استمرار انتشارها سيزيد الأزمة ويشكل خطرا أكبر على أرواح الأبرياء، ففي مناطق عديدة من الغرب الليبي تُسجل هذه الجرائم ضد مجهول، أو تسجل كقتل غير معلوم سببه”.
ويختتم الخبير العسكري قائلا إن “أبرز الأحداث التي ترتكز عليها المشكلة تتمثل في اشتباكات الميليشيات غير المتوقعة، وخلال لحظات يكون هناك رماية بالسلاح ورصاصات عشوائية تحصد أرواح المواطنين، كذلك الحفلات الخاصة والمناسبات وغيرها، مما يخلف أرقاما كبيرة للضحايا بين قتلى ومصابين”.
الشرق الاوسط / سكاي نيوز