لم تكن فرنسا لتصل هذا المستوى من الغضب لولا حجم عملية “الاحتيال” الدبلوماسي الذي وقعت ضحية له، فأزمة صفقة الغواصات ستترك ندوبا عميقة في علاقات فرنسا مع الولايات المتحدة ولكن بشكل أشنع مع أستراليا.
هذا ما تراه الكاتبة إيزابيل لاسير في مقال لها بصحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية استهلته بالتأكيد على أن الجاسوسين السابقين جون لو كاريه وإيان فليمنغ، مبتكر جيمس بوند، لم يكونا ليتخيلا مثل هذا السيناريو.
ولتوضيح المراحل التي تم من خلالها إلغاء صفقة الغواصات بين أستراليا وفرنسا واستبدالها بأخرى بين كانبيرا وواشنطن، حددت الكاتبة 3 محطات تقول إن هذه “الخيانة” قد مرت بها:
المحطة الأولى: المؤامرة، وقد حيكت خيوطها في كانبيرا قبل 18 شهرًا وتولى كبرها، وفقا للكاتبة، رئيس الوزراء سكوت موريسون، إذ أطلق العنان للبدء في تدبير “خيانة القرن” في مارس/آذار 2020، وساعدته في ذلك نواة صغيرة من الأشخاص المختارين بعناية، وكانت المهمة هي إعداد مشروع بديل عن مشروع الغواصات الفرنسية.
ويبدو، دائما حسب الكاتبة، أن استفزاز الصين العدواني عزز مخاوف أستراليا وغذى إحساسها بكونها غدت “قلعة تحت الحصار” على حد تعبير أحد المصادر الدبلوماسية.
وتضيف أن الشراكة الإستراتيجية مع فرنسا لم تكن، منذ البداية، محل إجماع داخل الحكومة الأسترالية ووزارة الدفاع، فقد طرح موريسون على بعض مسؤولي القوات المسلحة والدفاع سؤالاً كان يعتبر إلى ذلك الحين من المحرمات في أستراليا: لماذا لا نحصل على غواصات نووية؟
وهنا -تقول الكاتبة- زرعت البذرة الأولى للخيانة، لتنمو بعد ذلك في أقصى درجات السرية، ولم يطلع عليها، في تلك المرحلة، حسب مصادر صحفية، سوى 4 أشخاص فقط، من بينهم رئيس أركان الجيوش أنجوس كامبل، ووزير الدفاع غريغ موريارتي، ورئيس أركان البحرية الأدميرال مايكل نونان، ولم يكن الأميركيون حتى تلك اللحظة على علم بالمؤامرة.
المحطة الثانية: تجنيد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وقد بدأ ذلك، وفقا للكاتبة، في مارس/آذار 2021، عندما اتصل الأدميرال نونان بنظرائه البريطانيين لاستفسارهم حول إمكانية الحصول على غواصات نووية أميركية تعتبر أسرع وأكثر ديمومة، لتحل محل باراكودا الفرنسية.
وهنا -تضيف الكاتبة- انضم جونسون شخصيًا لما اعتبره مشروعا قد يعطي لبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي بعض النفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وكما في المحطة الأولى، لم يشارك في هذه العملية سوى عشرات الأشخاص بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع. ووفقًا لمصدر مطلع على الأمر، فإن المملكة المتحدة لعبت دور “المكثف والمسرع” للنوايا الأسترالية، وحتى في هذه المرحلة من العملية، لا يزال الأميركيون خارج اللعبة.
المحطة الثالثة: وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق السري وكان مسرح الجريمة، وفقا لتعبير الكاتبة، هو اجتماع مجموعة السبع المنظمة في كورنوال في يونيو/حزيران 2021 فقد اجتمع زعماء كل من بريطانيا وأميركا وأستراليا بعيدا عن الكاميرات والصحفيين على هامش القمة وناقش المسؤولون الأنجلو ساكسونيون الثلاثة اتفاقية سرية أطلق عليها تحالف “أوكوس” (AUKUS) للأمن والدفاع، ليدشنوا بذلك شراكة جديدة بين الدول الثلاث.
وتواصل الأستراليون والبريطانيون مع الأميركيين بشأن إمكانية الحصول على غواصاتهم النووية، وكل هذا رغم وجود الرئيس الفرنسي في نفس البلدة معهم كأحد زعماء مجموعة السبع، وهنا أيضا لن يشارك بايدن هذا السر إلا مع فريق صغير، جوهره من البيت الأبيض، ولهذا فإن بعض المسؤولين الأميركيين، ممن لم يطلعوا على الصفقة في وقتها، عبروا للفرنسيين، عندما اكتشفوا ما حدث في 15 سبتمبر/أيلول، عن تذمرهم ومخاوفهم بشأن تلك الصفقة.
وما يغضب الفرنسيين أكثر، حسب ما نقلته الكاتبة عن مصدر فرنسي مطلع، أنهم اقترحوا على أستراليا بالفعل البديل النووي، لكن هذه الأخيرة لم تعبر عن اهتمامها بذلك، بل أكدت أنها تفضل النسخة الكلاسيكية من تلك الغواصات.
المصدر : لوفيغارو