هل أصبح التطبيع العربي مع النظام السوري محتوما؟

هل أصبح التطبيع العربي مع النظام السوري محتوما؟

أعاد الزخم في العلاقات الأردنية – السورية مؤخرا الحديث عن المساعي الأردنية للتطبيع العربي مع دمشق والتي لا تتحفظ عليها كل من الولايات المتحدة وروسيا وعدد من الدول العربية، فيما يقول مراقبون إن التطبيع مع نظام الأسد سيكون في خطوة أولى عربيا ثم دوليا بناء على تغيّرات إقليمية واستراتيجية قد تدفع الدول الكبرى والدول العربية المتحفظة لتعديل بوصلتها في نهاية المطاف.

وقال وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي الأربعاء إنه “لا يمكن حل الأزمة السورية دون حوار أميركي – روسي”، مؤكدا على أهمية دور عربي جماعي للحل في جارة بلاده الشمالية.

وأضاف الصفدي ”الأزمة السورية كارثة يجب أن تنتهي، والحل في سوريا سياسي يحفظ وحدتها”، مشيرا إلى أن بلاده تدفع جزءا من استمرار الأزمة في سوريا.

ويرى مراقبون أن الحرب في سوريا حُسمت عسكريا لصالح قوات النظام والقوات الحليفة لها منذ عام 2018 بخروج مقاتلي المعارضة المسلحة من محيط العاصمة ومحافظة درعا القريبة منها، وأن فرص إسقاط النظام عسكريا باتت “معدومة” تماما.

وبدفع من حكومات عربية وعلى رأسها الحكومة الأردنية، يدور نقاش عميق في أوساط جامعة الدول العربية حول إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعادة مقعد سوريا المعلّق في الجامعة.

وعلقت الجامعة عضوية سوريا في الثاني عشر من أكتوبر 2011، ودعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، إلى حين تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين.

انفتاح عربي على سوريا يؤشر على المضي في سيناريو التطبيع بعد أن أصبحت فرص إسقاط النظام عسكريا معدومة

وبعد مرور عشر سنوات من الحرب في سوريا، لا يزال البلد يعاني من عدم استقرار داخلي وتراجع المستوى المعيشي وأزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، مع عزلة سياسية.

وقدمت دول عربية، في بداية الصراع السوري، الدعم لفصائل المعارضة السورية منذ أواخر 2011، بعد أشهر من توجه الثورة السورية إلى الخيار المسلح لمواجهة القمع من طرف القوات الأمنية وحملات القتل والاعتقالات.

وكانت للعمليات العسكرية تداعيات مباشرة على أمن واستقرار دول الجوار السوري، لبنان والعراق والأردن.

وأكد التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية منذ 2015، وقبله الدعم الإيراني بعشرات الآلاف من مقاتلي المجموعات الشيعية المسلحة اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بقاء نظام بشار الأسد في الحكم وتراجع احتمالات إسقاطه عسكريا.

وأدركت الكثير من الدول العربية في وقت مبكر هذه الحقيقة، ورأت أن من مصلحتها إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام الحاكم في دمشق.

لكن التحول الأكبر في الموقف العربي كان بدايات عام 2017، الذي شهد خسارة المعارضة المسلحة معركة حلب (شمال)، وخلال 2018 عندما خسرت معارك ريف دمشق ومحافظة درعا (جنوب) وتسليمها أسلحتها للنظام والقبول بالخروج من تلك المناطق إلى الشمال السوري، الذي تسيطر عليه فصائل الجيش الوطني (المعارض) وهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى.

وأعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق نهاية 2018، على مستوى القائمين بالأعمال. وفي أكتوبر 2020 أعادت سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق، لتصبح أول دولة خليجية تعيد تمثيلها الدبلوماسي على مستوى السفراء.

تغيّرات إقليمية واستراتيجية تدفع الدول الكبرى والدول العربية المتحفظة لتعديل بوصلتها مع دمشق
تغيّرات إقليمية واستراتيجية تدفع الدول الكبرى والدول العربية المتحفظة لتعديل بوصلتها مع دمشق
ووفقا لتقارير إعلامية، أعادت السعودية في مايو الماضي فتح قنوات اتصال مباشرة مع سوريا، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي الفريق خالد الحميدان لدمشق ولقائه بشار الأسد ورئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك.

وهو ما أكده متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لقناة “الحرة” بقوله إن “الوزارة على علم بالتقارير التي تحدثت عن محادثات سورية – سعودية جارية لإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق”.

وسبق ذلك حضور وزير السياحة السوري محمد رامي رضوان مرتيني مؤتمرا بالرياض في مارس الماضي، ليصبح أول مسؤول سوري يزور المملكة علنا منذ 2011. لكن الموقف الرسمي السعودي لا يزال متمسكا بالحل السياسي، برعاية وإشراف الأمم المتحدة، لوقف الحرب.

وكانت السعودية استدعت سفيرها من دمشق في أغسطس 2011، ثم أعلنت في مارس 2012 إغلاق سفارتها وسحب جميع الدبلوماسيين والعاملين فيها.

وقبل أيام أجرى وزير الدفاع السوري أول زيارة للعاصمة الأردنية عمان منذ 2011، والتقى خلالها رئيس الأركان الأردني ومسؤولين آخرين، بعد توقف الدعم الأردني، بالتنسيق مع الولايات المتحدة ودول خليجية، لفصائل المعارضة المسلحة جنوبي سوريا. كما سمح الأردن بمرور الغاز المصري وإمدادات الكهرباء الأردنية إلى سوريا ومن ثم إلى لبنان.

ويتحرك النظام السوري عبر بوابة لبنان، وللمرة الأولى استقبلت دمشق وفدا رسميا لبنانيا قبيل تشكيل حكومة رئيس الوزراء الجديد نجيب ميقاتي الذي تربطه بدمشق علاقة وثيقة تمتد لسنوات، عززتها استثماراته الضخمة في المرافق الاقتصادية السورية.

وتنفرد دولة قطر بموقف صريح ومعلن يرفض بشكل قاطع أي حديث عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

وشهدت السنوات الأخيرة إعادة دول عديدة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، على مستوى عودة السفراء، مثل دولة الإمارات، أو القائمين بالأعمال، كالبحرين والأردن. كما أن دولا أوروبية تتحدث عن نيتها إعادة فتح سفاراتها في دمشق، مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا ورومانيا والتشيك.وبالإضافة إلى عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المفروضة على النظام السوري، قد يكون موقف جامعة الدول العربية من تعليق عضوية هذا النظام وعدم وجود إجماع وتوافق عربي هو العقبة الأكبر على طريق التطبيع العربي الكامل مع دمشق.

ويرى مراقبون أن الانفتاح العربي على دمشق جاء نتيجة لتغيير الولايات المتحدة استراتيجياتها في المنطقة بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.

وكذلك تبعات سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (2017 – 2021)، الذي تبنى شعار “أميركا أولا”، واتجاه واشنطن حاليا لمواجهة تهديدات صينية مفترضة، والتركيز على إبقاء عمليات الأمم المتحدة للمساعدة عبر الحدود مفتوحة في أجزاء من سوريا لا تخضع لسيطرة قوات النظام.

ولدول جوار سوريا مصالح جيوسياسية واقتصادية بالغة الأهمية، خاصة ما يتعلق بضمان عودة آمنة للاجئين السوريين بالنسبة إلى لبنان والأردن، الذي يعاني من تراجع مستوى علاقاته مع الدول الخليجية وتحركه نحو مصر والعراق.

كما تحرك الأردن نحو سوريا، الذي أعاد فتح معبر حدودي معه لتعزيز اقتصاده، بعد أن شهد أزمات متتالية جراء جائحة كورونا، وخفض الولايات المتحدة والدول الخليجية مستوى الدعم والمساعدات لعمان.

وتستند معظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا على افتراض غير واقعي بسيطرة النظام على معظم المناطق الحيوية في سوريا ونجاح قواته في فرض الأمن والاستقرار.

وبالرغم من عدم توفر معطيات عن إمكانية تفكيك التحالف بين النظام السوري وإيران، وعدم وجود إرادة سياسية أو رغبة لدى النظام، إلا أن الإمارات والبحرين ودول أخرى تعتقد أن التطبيع مع النظام واستعادة الدور السوري في محيطه العربي والإقليمي سيتكفل بتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.

صحيفة العرب