حين سئل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من قبل الوفد الصحافي المرافق له، في زيارته للولايات المتحدة هذا الأسبوع، عن العلاقة مع جو بايدن، لم يجد شيئاً مشتركاً بينهما أقوى من حبهما لركوب القطار.
تفادى جونسون استخدام التعبير الذي لطالما وصفت به لندن علاقتها مع واشنطن (علاقة خاصة)، للدلالة على متانة التحالف الأنغلوساكسوني حتى ضمن التحالف الغربي الأوسع. وقال للصحافيين وهو متوجه للزيارة الرسمية في البيت الأبيض، ثم اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، “انظروا، تحدثت مع جو بايدن مطولاً إما على الهاتف أو في كاربي باي (قمة مجموعة السبع) ثم الناتو… إنها علاقة تختمر منذ زمن، لكنها رائعة. أقصد رائعة فعلاً. نحن متفقون على كل شيء تقريباً. هل يجمعنا شيء مشترك؟ هو مولع بالقطارات، مثلي تماماً. فأنا أحب القطار لأنه جيد”.
لكن مسألة “متفقون على كل شيء” قد لا تبدو دقيقة تماماً. ففي اللقاء في البيت الأبيض، سألت المحررة السياسية لشبكة “سكاي نيوز” بايدن عن مشكلة إيرلندا الشمالية ضمن اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وكان رد الرئيس الأميركي موجهاً لجونسون وليس للمراسلة الصحافية. فقد قال له إن عليه “الكف عن ممارسات بريكست” في ما يتعلق بإيرلندا الشمالية. فبايدن ذو الأصول الإيرلندية لا يريد حدوداً عملية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا.
نقاط الخلاف
ليس بريكست فقط ما يختلف عليه بايدن وجونسون، فلا يمكن استبعاد العلاقة القوية بين جونسون والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي كان متحمساً لبريكست على عكس بايدن. ولم ينس الديمقراطيون الأميركيون تعليقات جونسون السابقة بشأن قياداتهم السياسية. فقد سبق له أن اتهم الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما بأن أصوله الكينية جعلته “كارهاً للإمبراطورية البريطانية”، كما وصف وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بأنها “مثل ممرضة سادية في مستشفى للأمراض العقلية”.
أما بايدن نفسه، فسبق ووصف جونسون بأنه “استنساخ بالجسم والإحساس” من ترمب.
اقرأ المزيد
لماذا استبعد بايدن حلفاءه الأوروبيين من تحالف “أوكوس” المناهض للصين؟
بايدن “ما زال نائما” بينما تتصاعد الأزمات الأميركية داخليا وخارجيا
أكثر من تحليل في وسائل الإعلام الأميركية عدد نقاط الخلاف بين البيت الأبيض في عهد بايدن وداوننغ ستريت في عهد جونسون. ومما ذكره موقع “بوليتيكو” الشهير، أن أحدث تلك الخلافات كان الانسحاب العسكري من أفغانستان. فقد تجاهلت إدارة بايدن كل نصائح لندن بشأنه وأصرت على المضي في خطتها. وفي مقابلة تلفزيونية له خلال زيارته للولايات المتحدة، خفف جونسون من انتقاده لطريقة الانسحاب بالقول “كان من الممكن أن يكون بشكل أفضل”. لكنه لم يكرر انتقادات بريطانية سابقة لرفض واشنطن تأجيل موعده النهائي.
والأهم من الخلاف حول إيرلندا الشمالية ضمن ترتيبات بريكست، وحتى الخلاف حول أفغانستان، هو عدم تطابق وجهات النظر في ما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة بين بريطانيا وأميركا. وكانت حكومة جونسون تسعى إلى التوصل لاتفاق سريع قبل نهاية الفترة الرئاسية لترمب وبمجرد الخروج رسمياً من الاتحاد الأوروبي. لكن إدارة الرئيس الأميركي السابق كانت لديها أولوياتها ولم تتحمس للإسراع في الاتفاق.
ومن تصريحات بايدن وفريقه قبل توليهم السلطة مطلع هذا العام، يبدو أنهم ليسوا متحمسين أيضاً للتوصل إلى اتفاق بسرعة، ويريدون للمفاوضات أن تأخذ مجراها. وقد عبّر جونسون عن ذلك بنفسه في ردوده على الصحافيين في بداية زيارته. فقد اعترف بأن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين ليست على جدول أعمال لقائه بالرئيس الأميركي. وقال “بالنسبة إلى اتفاقية التجارة الحرة فإن لدى جو (بايدن) الكثير مما عليه أن يهتم به. لديه خطة هائلة لتطوير البنية التحتية ولديه برنامج البناء للأفضل للاقتصاد. نحن نريد التوصل لاتفاق، لكن ما نريده هو اتفاق جيد، اتفاق عظيم… وأنا مع التوصل لاتفاق يفيد بريطانيا بشكل أفضل بدلاً من التوصل لاتفاق سريع”.
نقاط اتفاق
تباينت التصريحات حول من رتب الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء البريطاني للبيت الأبيض، وليس فقط لقاء الرئيس الأميركي في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة. فالبريطانيون يقولون إن البيت الأبيض هو الذي دعا جونسون، بينما يقول الأميركيون إن البريطانيين هم الذين ألحوا في طلب اللقاء الرسمي في واشنطن.
بغض النظر عن التفاصيل البروتوكولية، فإن بايدن لا يرغب بـ “افتراق” مع جونسون، كما يصف كثير من المحللين والمعلقين الأميركيين نقاط الاتفاق بين البلدين. ووفق موقع “بوليتيكو”، فإن بايدن “ألقى بعض العظام لجونسون”، من قبيل إشراك بريطانيا في تدريبات دفاعية فرعية، إضافة إلى صفقة “أوكوس” لتوفير الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية لأستراليا، بدلاً من صفقة غواصات فرنسية. كما تعهد بايدن بدعم قمة المناخ الدولية التي تستضيفها بريطانيا في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ووفق صوفيا غاستون، مديرة مجموعة السياسة الخارجية البريطانية، فإن البراغماتية السياسية تحتم الحفاظ على العلاقات القوية عبر الأطلسي بغض النظر عن الخلافات. وتضيف “ما هو غير اعتيادي في هذه اللحظة، أن كلاً من بايدن وجونسون لديه أهمية قصوى لإعادة تأكيد دور بلاده دولياً وتعزيز سمعتها عالمياً. ومن الواضح أنهما يدركان هذه المصلحة المشتركة ويعملان على أساسها… فبايدن يدرك أن اتخاذ إجراءات محددة من جانبه سيكون له تأثير قوي على وضع جونسون الداخلي في بريطانيا في ما يخص شعاره (بريطانيا العالمية)، واستراتيجية واشنطن أن تفعل ذلك بالطريقة التي تجعل بريطانيا في وضع الساعي بجدية لتحسين العلاقات وتعزيزها”.
ومن الواضح من ردود الفعل في أميركا وبريطانيا، إعلامياً على الأقل، أن البراغماتية السياسية حافظت على العلاقات بين لندن وواشنطن وإن بطريقة أقل من “العلاقات الخاصة”، التي كان الكل يفاخر بها من قبل. وعلى الرغم من الخلافات تحت السطح، يحرص الطرفان على تشكيل جبهة موحدة. وتستفيد بريطانيا من ذلك بالحفاظ على استراتيجية العلاقة القوية مع أميركا، وتستفيد واشنطن بتعزيز توجهها نحو إعادة بناء “التحالف الغربي” الأوسع، ولتكن في نواته العلاقات مع لندن.
اندبندت عربي