ترجح تقارير متواترة أن تدفع احتمالية الهزيمة في الانتخابات الرئاسية القادمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو تسريع انسحاب بلاده من حلف شمال الأطلسي في مقابل المزيد من التقارب مع روسيا وإيران، في زواج مصلحي يقول محللون إن واشنطن المتجهة نحو آسيا قد تغضّ الطرف عنه، وأنه سيثير قلقا لدى الدول العربية المتوجسة من النفوذ التركي.
واشنطن – تتصاعد التكهنات المستمرة حول أن الاقتصاد التركي المتعثر قد يكون شاهدا على خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في موعد أقصاه يونيو 2023، وهو الذي اعتمد سياسة اقتصادية يعتبرها خبراء في الاقتصاد السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع بالبلاد.
وعلى ضوء تلك التكهنات، يقول أليستر نيوتن المحلل السياسي، في تقرير لمؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية إنه يمكن فحص الإنترنت لمعرفة المدة التي توقع المعلقون أن تفصلنا عن نهاية أردوغان. حيث وجد الباحث تقريرا لمجلة بارزة زعمت في يوليو 2019 أن “سيطرة أردوغان كانت تنتهي”.
ويجدر الذكر أن الاقتصاد التركي غارق في ورطة عميقة، ويرجع ذلك جزئيا على الأقل إلى إعطاء أردوغان الأولوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي على حساب الاستقرار الاقتصادي وآرائه بشأن السياسة النقدية. ويعتبر هذا المعادل الاقتصادي للروليت الروسي (لعبة حظ مميتة نشأت في روسيا) بالنسبة إلى بلد يحتاج إلى مستثمرين دوليين لدعم عبء دين خارجي بقيمة 450 مليار دولار.
ويرى نيوتن وهو دبلوماسي بريطاني سابق، أنه وعلى الرغم من تقديرات البنك الدولي بأن “الاضطراب الاقتصادي” ألقى 1.5 مليون تركي في براثن الفقر على مدى السنوات الثلاث الماضية، وعلى الرغم من حقيقة أن التضخم لا يزال يفوق نمو الأجور، إلا أن أردوغان لا يظهر أي علامة على الابتعاد عن معتقداته الاقتصادية القديمة.
أليستر نيوتن: أردوغان سيدعي أن دولا تسعى للإطاحة به للبقاء في الحكم
ويثير هذا العديد من الأسئلة، منها عن هوية السياسي الذي سيتولى الرئاسة إذا خسر أردوغان الانتخابات. لكن المحلل البريطاني يقترح التركيز على ما قد يفعله أردوغان من الآن وحتى يوم الاقتراع لتأمين فترة ولاية أخرى وما قد يعنيه ذلك بالنسبة إلى المنطقة ككل.
وليس نيوتن فقط من يعتقد أن أردوغان مصمم على التمسك بالسلطة. فعلى سبيل المثال، نقلت لورا بيتل، في مقال نشر مطلع نوفمبر على الفايننشال تايمز، عن دبلوماسي أوروبي (لم يذكر اسمه) ما يلي “ما هو عدد المستبدين الذين استقالوا في اعتقادك؟”.
ومع ذلك، لا يتفق الدبلوماسي البريطاني السابق مع من يتكهنون بأن أردوغان قد يلغي الانتخابات. ويتوقع أن يلجأ إلى نمطه الراسخ الكامن في قرع طبول الوطنية من خلال الادعاء بأن دولا ثالثة تسعى للإطاحة به، بما يتفق مع رد فعله الأخير على نداء روتيني من سفراء الناتو (وغيرهم) الذي جاء دعما لحكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة 2019 بشأن قضية رجل الأعمال والمحسن عثمان كافالا.
ويتوقع المحلل أن يكون بنك خلق من نقاط الخلاف التي قد يتطلع أردوغان إلى استغلالها، حيث خسر قضية استئنافه الشهر الماضي ويواجه المحاكمة في الولايات المتحدة بزعم مساعدة إيران في التهرب من العقوبات. ولا شك في أن الحكم بالإدانة سيضرب وترا حساسا على أي حال لأن الحكومة التركية هي صاحبة المصلحة الأكبر. ولكن الأسوأ من ذلك أنه يمكن أن يشكل خطرا نظاميا على النظام المصرفي التركي بأكمله في الفترة التي تسبق انتخابات 2023.
ويشير المنطق إلى أن أنقرة يجب أن تسعى لنوع من الاتفاق السياسي مع واشنطن لمحاولة تجنب ذلك، كما يعتقد بعض المحللين.
ومع ذلك، يرجح نيوتن أن تضع السياسات الانتخابية عراقيل أمام مثل هذه الخطوة. وقد لا تستجيب الإدارة الأميركية بما يناسب الرئيس التركي لعدة أسباب. أولا، أثبت أردوغان أنه “حليف” صعب باستمرار للولايات المتحدة ومن الصعب تخيل أي خليفة لن تكون العلاقات معه أسهل. ثانيا، تتضارب ميوله الاستبدادية مع أجندة الرئيس جو بايدن المؤيدة للديمقراطية. ثالثا، ولأسباب سياسية داخلية، قد لا يرغب الرئيس الأميركي في أن يُرى وهو يترك منتهكي العقوبات في مأزق في الوقت الذي يتطلع فيه إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
وتكمن في هذه النقطة بعض المخاطر. أولا، قد يقرر أردوغان، عن صواب أو خطإ، أن فشل الولايات المتحدة في إبرام صفقة من شأنها أن توقف الإجراءات ضد بنك خلق يرقى إلى محاولة محسوبة للإطاحة به. ثانيا، قد يقدم تلميحات سابقة صريحة بأنه قد يسحب بلاده من الناتو وخاصة إذا استمر الحظر على شراء تركيا لطائرات إف – 16 وظلت أنقرة على خلاف شديد مع شركاء الناتو بشأن شرق البحر المتوسط، ثم يجد نفسه مضطرا لفعل ذلك بغض النظر عما إذا كان يرغب حقا في ذلك أم لا.
لكن هذا لا يعني أن تركيا ستتجه بلا رجعة نحو الخروج. حيث تتطلب المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية فترة سماح مدتها عام واحد بعد تقديم إشعار رسمي بالانسحاب ويبدو أن من المحتمل، في صورة خسارة أردوغان الانتخابات، أن يسعى خليفته لعكس المسار.
ولكن ماذا لو نجح أردوغان في تأمين فترة ولاية أخرى؟ من الممكن أن ينظر في الانسحاب مرة أخرى، وهو ما قد يوافق أو لا يوافق عليه أعضاء الناتو الآخرون.
التوجه الأميركي نحو آسيا قد يجعل بايدن يقرر ببساطة ترك أردوغان وأصدقائه الجدد يواصلون مسارهم
ومع ذلك، ونظرا لقربه المتزايد من الرئيس فلاديمير بوتين على الرغم من الخلافات الروسية التركية حول أرمينيا وأذربيجان وليبيا، فقد يقرر بدلا من ذلك التحالف بشكل أوثق مع موسكو. فقبل وقت قصير من اجتماعه مع بوتين في سبتمبر، وصف التعاون العسكري الروسي – التركي بأنه “ذو أهمية قصوى”. كما تتعدد الدلائل على أن شريكي تركيا في عملية أستانا المتعلقة بسوريا، أي روسيا وإيران أيضا، قد يكونان على وشك قبول اقتراح تركي بمد هذا النهج إلى جنوب القوقاز.
وسيؤدي احتمال المزيد من الاندماج بين هذا الثلاثي حتما إلى إثارة ضجة في جميع أنحاء العالم العربي، لاسيما في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما يحاول إصلاح العلاقات مع تركيا. ويجعل التوجه الأميركي نحو آسيا الرئيس بايدن مترددا في إيلاء مزيج من الاهتمام بالمنطقة وقد يقرر ببساطة ترك أردوغان وأصدقائه الجدد يواصلون مسارهم.
وفي ما يتعلق باستمرارية مثل هذا الزواج المصلحي، ذكر أليستر نيوتن واحدة من مسرحيات شكسبير الشهيرة “حكاية الشتاء”، حيث جاء في ملاحظات المخرج على هامش فصلها الثالث “يخرج، يلاحقه دب”. وفي هذا المشهد، يعدّ الدب روسيا والمسرح هو الناتو. ويجب على تركيا أن تضع في اعتبارها أن مخالب الدب، في المسرحية، هي التي تسببت في موت أنتيغون.
العرب