د1 عـ ش أفريقيا يراهن على التمدد نحو الجنوب في مواجهة خساراته شمالا

د1 عـ ش أفريقيا يراهن على التمدد نحو الجنوب في مواجهة خساراته شمالا

عدّل تنظيم داعش الإرهابي في أفريقيا استراتيجيته التوسعية ليوجه بوصلته من منطقة الساحل نحو جنوب القارة السمراء بعد أن منيت تحركاته نحو الشمال بالفشل. وشنّ التنظيم والجماعات المسلحة الموالية له هجمات في الأيام الماضية خاصة في أوغندا وموزمبيق مما ينذر بتفاقم الأوضاع الأمنية هناك واحتمالية خروجها عن السيطرة في ظلّ الأزمات الحادة التي تواجهها المنطقة.

مابوتو – بعد فشل تقدمه أكثر نحو شمال أفريقيا، كثف تنظيم الدولة الإسلامية داعش هجماته الإرهابية في منطقة أفريقيا الوسطى متجها نحو الجنوب الأفريقي الذي قد يمثل أحد معاقله القادمة، لما تتسم به هذه المنطقة من اضطرابات أمنية وقودها العنف الديني والعرقي.

ولم ينجح التنظيم الإرهابي في توسيع نفوذه شمال أفريقيا، ومني بخسارات كبرى في تونس والمغرب، كما نجح الجيش الليبي في تأمين جنوب البلاد ودحر التنظيم الإرهابي الذي اختار سرت وبنغازي ودرنة معاقل رئيسية له خلال الحرب الليبية.

وتعد دول عمق القارة الأفريقية من الدول الواعدة لما تمتلكه من إمكانات وثروات طبيعية ومواد خام تتمثل في احتياطات هائلة من المعادن والمعادن النفيسة، فضلا عن المساحات الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة والغابات، التي يقابلها انتشار كبير للفقر والانقسامات العرقية والقبلية، ما يجعلها مطمعا للتنظيمات الجهادية.

وأعلنت الشرطة الأوغندية مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ وإصابة 33 آخرين بجروح في هجومين “انتحاريين” متزامنين وقعا صباح الثلاثاء في وسط العاصمة كمبالا وتبنّاهما تنظيم الدولة الإسلامية.

وهذا الهجوم المزدوج هو الثاني الذي يتبنّاه التنظيم المتطرف في أوغندا خلال بضعة أسابيع، بعد هجوم بقنبلة في أكتوبر الماضي في مطعم بكمبال.

التمدد الإرهابي لتنظيم داعش وتزايد الجماعات الموالية له قد يعقدان من جهود التعاون لمكافحة الإرهاب في أفريقيا

وكانت الشرطة نسبت الهجوم إلى مجموعة محلية مرتبطة بمتمردي القوات الديمقراطية المتحالفة الناشطة في جمهورية الكونغو الديموقراطية، والتي تعدّ المجموعة المسلحة الأكثر فتكا من بين 120 جماعة مشابهة تنشط في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد أعلنت الولايات المتحدة رسميا ارتباط هذا الفصيل بتنظيم الدولة الإسلامية. ويسمي تنظيم الدولة الاسلامية هذا الفصيل “ولاية وسط أفريقيا”.

وتنشط القوات الديمقراطية المتحالفة، أيضا، في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ التسعينات، ويقود التنظيم في الوقت الحالي سيكا موسى بالوكو.

وتفيد تقارير بأن هذه القوات تحصل على التمويل اللازم لأنشطتها من خلال قطع الأشجار بشكل غير قانوني واستخراج الذهب والاتجار في العاج، بالإضافة إلى شبكة من سيارات الأجرة والدراجات النارية التي تعمل بين مدن محلية في الكونغو.

ومنذ أبريل 2019 بدأ تنظيم الدولة الإسلامية يعلن على وسائل التواصل الاجتماعي مسؤوليته عن هجمات تنفّذها القوات الديمقراطية المتحالفة التي أنشئت قبل أكثر من 25 عاما.

ويُعد فرع داعش في أفريقيا هو الولاية الأولى من حيث القوة خارج النطاق المركزي التقليدي للتنظيم، وتشير العمليات الإرهابية المتزايدة التي يقودها والتنظيمات الموالية له داخل الحيز الجغرافي لبلدان حوض بحيرة تشاد، وهي الكاميرون والنيجر وتشاد ونيجيريا، إلى تخطيط مسبق يهدف إلى عزل مناطق استراتيجية بشمال شرق نيجيريا، لتصبح بديلا مكانيا لولايتي التنظيم بالعراق وسوريا، وذلك بعد أن فشل في ضمان موطئ قدم قار له في شمال أفريقيا.

وفي يونيو الماضي خلصت دراسة صادرة عن مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، إلى أن هناك ثلاثة استنتاجات مهمة تساعد على فهم التمدد الداعشي والتطرف بأفريقيا الوسطى؛ أولها تطور الأنشطة العملياتية والاستراتيجية للقوات الديمقراطية المتحالفة تحت قيادة بالوكو وجماعة الشباب، ما يشير إلى أن التنظيمين الجهاديين يسعيان لتنفيذ عقيدة ومنهج تنظيم داعش.

وأوضحت الدراسة أن ثاني هذه الاستنتاجات هو وجود أدلة متزايدة على أن القوات الديمقراطية المتحالفة أقامت روابط اتصال مبكرة مع تنظيم داعش، واستمرت في الاستفادة من شبكاتها الخارجية للتمويل والتوظيف والخدمات اللوجستية، وثالثا اهتمام تنظيم داعش بأنشطة ذراعه الجديدة في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وشمال الموزمبيق من خلال رسائله منذ عام 2019، رغبةً في إثبات الوجود، وأنه باق ويتمدد، على الرغم من الضربات الأمنية التي تلقاها وفقدانه السيطرة على الأراضي في جميع أنحاء سوريا والعراق وشمال أفريقيا.

ولا يخفى أن هذا التمدد الإرهابي لتنظيم داعش، وتزايد الجماعات الموالية له في جميع أنحاء أفريقيا قد يعقدان من جهود التعاون لمكافحة الإرهاب في المنطقة، فضلا عن استقطاب وتجنيد أعداد متزايدة من المقاتلين الأجانب من الإقليم وما وراءه بسبب جاذبية الخطاب الجهادي العنيف في ظل بيئة أمنية مضطربة وهو ما يهدد الاستقرار الإقليمي.

استقطاب وتجنيد أعداد متزايدة من المقاتلين الأجانب

وفي خضم انشغال العالم بالحرب على المجموعات المتطرفة في منطقة الساحل الأفريقي، والأنباء المتواترة عن سحب فرنسا قواتها من إقليم الساحل وتعديل استراتيجياتها العسكرية هناك، برز فرع جديد لتنظيم داعش في موزمبيق جنوب شرقي القارة السمراء، وهو ينتشر أيضا في الكونغو الديمقراطية ويهدد تنزانيا.

ومنذ مبايعة جماعة أنصار السنة في موزمبيق لداعش وتبنيها رسميا ضمن التنظيم الإرهابي في 2019، أصبح نشاط “داعش ولاية أفريقيا الوسطى” أكثر عنفا ودموية، وارتكب مجزرة مروعة في نوفمبر الماضي، تعد الأكبر من نوعها في البلاد، عندما ذبح 50 مدنيا في ملعب قرية “مواتيد” (شمال)، وأخطرها سيطرته على ميناء “موكيمبوا دا برايا” الرئيسي والغني بالغاز الطبيعي (شمال) في أغسطس 2020.

ويهدد شمال موزمبيق الآن بأن يصبح مركزا إقليميا للتطرف الإسلامي، ويتطلب التهديد الأمني استجابة منسقة قبل أن ينتشر في دول أخرى.

وشكلت موزمبيق الأسبوع الماضي قوة خاصة جديدة لمكافحة الجهاديين في خطوة تشير إلى المزيد من التركيز الأمني على مقاطعة كابو ديلغادو (شمال شرق) الغنية بالغاز الطبيعي التي تشهد هجمات جهاديين منذ أربع سنوات.

التنظيم الإرهابي يستغل الدول النائية في أفريقيا ليعوض خسائره البشرية واستخدم الوباء لزيادة هجماته ونشر دعايته

وتحتاج موزمبيق إلى المساعدة الإقليمية، فهي لا تزال تتعافى من عقود من الحرب الأهلية التي انتهت عام 1992. وقد كافح جيشها ضعيف الموارد لاحتواء ومقاومة الهجمات التي يشنها المتطرفون.

وأدت أعمال العنف في البلاد إلى سقوط 3 آلاف و340 قتيلا على الأقل وأجبرت أكثر من 800 ألف شخص على مغادرة منازلهم.

وتنذر سيطرة داعش على أجزاء واسعة من شمالي البلاد، واقترابه من مراكز صناعة الغاز ومناجم الياقوت الأزرق والوردي، وشنه هجمات على مصالح الشركات الأجنبية، باشتعال أزمة عنيفة في هذه المنطقة بسبب التنافس على الغاز والياقوت.

وداعش لا يعترف بالحدود، بل يسعى لاستغلال المناطق الحدودية للتحرك بمرونة أكثر، حيث يضم في صفوفه مواطنين من موزمبيق وآخرين من تنزانيا وكينيا وحتى الصومال.

وفي الكونغو الديمقراطية، التي تعد ثاني أكبر بلد أفريقي مساحة بعد الجزائر، ينشط داعش بوتيرة أقل من فرع موزمبيق، لكنه أعلن عن نفسه في هجوم شنه في أبريل 2019 على قرية حدودية مع الجارة الشرقية أوغندا، وتعد الأوضاع الأمنية المضطربة في البلاد أرضا خصبة له.

ويشكل التهديد المتطرف المتزايد في موزمبيق خطرا كبيرا أيضا على زيمبابوي، التي تعتمد على موزمبيق للحصول على الكهرباء والمواد الغذائية المستوردة. كما تتأثر جنوب أفريقيا بشكل خطير بصراع موزمبيق. حيث تتقاسم الدول ممرا اقتصاديا مهما يضم أيضا أنشطة غير قانونية مثل تهريب المخدرات التي تدعم المجموعات الإرهابية ماليا.

وجعلت أزمة فايروس كورونا الاستجابة المنسقة بين هذه الدول الأفريقية أكثر إلحاحا، حيث يمكن للوباء أن يقوض عمليات مكافحة الإرهاب في موزمبيق.

وتقوم العديد من الدول الأفريقية بتحويل الإنفاق العسكري للاستجابة للأزمة الصحية، وقد استخدم المتمردون الوباء لزيادة هجماتهم ونشر دعايتهم في حين حصلوا على دعم مدني من خلال توزيع الغذاء والدواء والوقود على السكان المخلصين لهم.

ويستغل التنظيم الإرهابي الدول النائية في أفريقيا ليعوض خسائره البشرية، حيث يعدّ الفقر والجوع والفشل السياسي والضعف الأمني المنتشر هناك تربة خصبة لإعادة هيكلة صفوفه.

ورغم ذلك، يرجح محللون أن تمكن الإجراءات الحكومية لتشديد الحدود وطرق النقل الداخلي من زعزعة استقرار عمليات المتطرفين.

العرب