السعودية في مواجهة مع الواعظين المغالين بالتشدد

السعودية في مواجهة مع الواعظين المغالين بالتشدد

دخلت المملكة العربية السعودية في مواجهة مع جماعة التبليغ التي تعارض سياسات المملكة الاجتماعية واتباعها منهجا معتدلا يُحدث منذ سنوات تغييرات جذرية على المجتمع الذي ظل محافظا طوال عقود، وفي المقابل، رحبت هذه الحركة بسيطرة متمردي طالبان على السلطة في أفغانستان. وأسفرت هذه المواقف عن حظر الجماعة الإسلامية السنية المتشددة في السعودية وتبني السلطات خطابا يركز على أخطاء الوعاظ المغالين في التشدد ومدى خطورتهم على المجتمع.

أمر وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ الأئمة في المملكة بتحديد واحدة من أكبر الحركات الإسلامية في العالم على أنها حركات مضللة وخطيرة ومروّجة للتشدد.

وجاء هجوم آل الشيخ ضد جماعة التبليغ، وهي حركة تبشيرية إسلامية سنية متشددة وعابرة للحدود ومحظورة منذ فترة طويلة في المملكة، ردا على احتفال أعضاء الجماعة بانتصار طالبان في أفغانستان وانتقاد الإصلاحات الاجتماعية التي سنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وطلب حساب الوزارة السعودية على تويتر من الأئمة الإشارة إلى “أبرز أخطاء الجماعة… وخطورتها على المجتمع” والتأكيد على أن السعودية تحرّم أي “انتماء” للجماعة.

وشنت الوزارة الشهر الماضي حملة مماثلة ضد جماعة الإخوان المسلمين في سوريا والباحث الراحل محمد سرور الذي أثر دمجه بين أيديولوجية الإخوان السياسية والنقاء الديني للوهابية السعودية على رجال الدين الإصلاحيين البارزين في المملكة.

ويعود تأسيس جماعة الدعوة والتبليغ إلى عام 1926 بالهند على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي المتوفى عام 1944، ثم انتشرت لاحقا في أغلب مناطق العالم الإسلامي.

وتصر جماعة التبليغ على أنها دينية وروحية، وليست جماعة سياسية، ولا علاقة لها بالسياسة أو التشدد، لكنها فشلت في تفسير سبب انضمام عدد لا بأس به من شباب التبليغ على مدى عقود إلى الجماعات الإسلامية والجهادية و/أو ربطتها وكالات الاستخبارات بأعمال العنف. وبتشجيعها على زهد المادة والرغبة في الحياة الروحية، ويُعتقد أن لجماعة التبليغ أتباعا يصل عددهم 80 مليونا في حوالي 150 دولة.

ضحاك تنوير: الجماعة رغم حظرها استمرت في جمع الأموال والاجتماع داخل المملكة
ولاحظ ضحاك تنوير محرر صحيفة ذا ميلي كرونيكل الذي يتخذ من السعودية مقرا له، وهو منشور على الإنترنت في بريطانيا، والذي يصف نفسه بأنه “مسلم تقليدي” مناهض للإسلاميين، أن استهداف التبليغيين جاء بعد إحياء تغريدة عمرها عام ينتقدون فيها خطط بلدية المدينة المنورة لإنشاء مركز تسوق به دور سينما وأماكن ترفيه على الطراز الغربي.

وأعاد المفتي محمد تقي عثماني التغريد المثير للجدل، وهو أحد أبرز علماء الدين الباكستانيين وقاض سابق بالمحكمة العليا الباكستانية وعضو سابق في مجلس الفكر الإسلامي، الهيئة التي عينتها الدولة لضمان عدم انتهاك الشريعة الإسلامية.

ويرأس عثماني جمعية “وفاق المدارس العربية”، وهي أكبر تجمع للحوزات الدينية في باكستان مع حوالي 23 ألف مدرسة دينية مرتبطة بها. تعكس عضويته في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومقره جدة والذي يدرس الفقه الإسلامي والقانون، صلاته بالمملكة العربية السعودية. وكذلك هو الحال مع رئاسته للهيئة الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية “أيوفي” التي تتخذ من البحرين مقرا لها والتي تروج لمعايير الشريعة الإسلامية للكيانات المالية الإسلامية.

وقد يكون انتقاد عثماني لخطة تطوير جدة لاذعا بشكل خاص، نظرا لعلاقاته بالمملكة ومكانته كعالم.

وقال تنوير إن إعادة تغريدة عثماني أثارت انتقادات واسعة النطاق بين مسلمي جنوب آسيا المحافظين للإصلاحات السعودية، بما في ذلك رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، وتوسيع حقوق المرأة، وتخفيف القيود الاجتماعية والفصل بين الجنسين، وزيادة فرص النساء المهنية.

وقال محلل باكستاني في مقابلة “تعكس مشكلة تقي عثماني مع الإصلاح السعودي قلق العديد من رجال الدين الباكستانيين الذين يعتبرون أنفسهم حصونا للإسلام ولهم الحق في التصرف كرعاة للعالم الإسلامي على أساس كون باكستان واحدة من أولى الدول ذات الأغلبية المسلمة التي تشكّلت. وتهدد الاصلاحات أيضا رعاية المملكة لرجال دين باكستانيين”.

وقال تنوير في مقابلة عبر رسالة نصية عبر الإنترنت إن حساسية الوزارة كانت مدفوعة جزئيا بحقيقة أن المجموعة المؤثرة، على الرغم من الحظر، استمرت في جمع الأموال في المملكة والالتقاء في منازل خاصة وغرف فندقية. ولم يخفِ معارضته لجماعة التبليغ والمذهب الديوبندي المحافظ المتشدد في الإسلام الذي يشكل نظرتهم للعالم.

وبدا المفتي أكبر هاشمي، رجل دين هندي من جماعة التبليغ، وكأنه يؤكد قلق الوزارة في رد مباشر على الحملة التي نفت شرعية أسرة آل سعود الحاكمة في المملكة.

وقال “لماذا تخاف السعودية من جماعة التبليغ؟ لماذا؟ الحكومة السعودية خائفة للغاية من أن الناس في المملكة المنتمين إلى حركة طالبان ‘جماعة التبليغ’ قد ينتفضون ضد الحكومة.. أنا شخصيا أعتقد أنه ستكون هناك انتفاضة كبيرة.. وسواء كنت حيا أو ميتا، فإن هذه الثورة ستحدث بالتأكيد، ولاسيما في المملكة العربية السعودية. هذه الحكومة ستختفي قريبا”.

واعتقلت فرقة مكافحة الإرهاب في أتر برديش رجل الدين صديقي في سبتمبر للاشتباه في إدارته “أكبر نقابة دينية في الهند”.

ويُزعم أن مؤسسة خيرية بريطانية تساعد الأطفال والأيتام المحرومين في باكستان موّلت رجلين آخرين قُبض عليهما بتهم ذات صلة.

وسنّت العديد من المحافظات الهندية، بما في ذلك أتر برديش، قوانين مناهضة للتحول إلى الإسلام للتعامل مع “جهاد الحب” الإسلامي المزعوم الذي يُزعم أن الرجال المسلمين يغرون فيه الهندوسيات بالزواج لتحويلهن إلى الإسلام بالقوة. وساعدت نظرية المؤامرة في تأجيج موجة من الإسلاموفوبيا المستوحاة من القومية الهندوسية في الهند.

وبعد شهرين، ساهمت جماعة التبليغ في الإسلاموفوبيا في الهند في الأيام الأولى لوباء كوفيد – 19 عندما كان عدد الحالات في البلاد لا يزال بالآلاف وليس مئات الآلاف. ومع ذلك، تجمع الآلاف من التبليغيين في مقرهم في دلهي، بما في ذلك المسافرون من مناطق انتشار الفايروس في ماليزيا وإندونيسيا.

جماعة التبليغ فشلت في تفسير سبب انضمام عدد من شباب التبليغ على مدى عقود إلى الجماعات الإسلامية والجهادية

وقالت السلطات إن التجمع أصبح نقطة انتشار، مؤكدة أنه مسؤول عن ثلث الحالات الإيجابية البالغ عددها 4 آلاف حالة في مارس من العام الماضي. ونتيجة لذلك، عُزل حوالي 25 ألفا من أتباع الجماعة ومعارفهم في 15 محافظة في غضون أيام من إغلاق السلطات للمقر. واتهمت وسائل الإعلام الرئيسية جماعة التبليغ بالإهمال وألقت باللوم على 200 مليون مسلم في الهند لنشر الفايروس.

وانتشر هاشتاغ “جهاد كورونا” على تويتر، حيث أطلق مسؤولو حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الحاكم على التجمع الديني اسم “إرهاب كورونا”. ونصحوا الجمهور بعدم شراء الفواكه والخضروات من المسلمين.

وفي نفس الوقت تقريبا، ساهمت صلاة التبليغيين الجماعية في ماليزيا وإندونيسيا في انتشار فايروس كورونا في جنوب شرق آسيا. وبالمثل، فرضت باكستان الحجر الصحي على 20 ألف شخص في أبريل من العام الماضي، وبحثت عن آلاف آخرين ممن حضروا تجمعا للتبليغيين بالقرب من مدينة لاهور.

وخرج أحد عشر مواطنا سعوديا احتجزوا في حملة الحكومة الهندية العام الماضي على المشاركين في تجمع التبليغ بعد دفع غرامة قدرها 130 دولارا لانتهاك التأشيرات التي تضمنت نشاطا تبشيريا غير قانوني وحضور تجمع ديني. ويشير استهداف الوزير السعودي للمجموعة إلى أنهم ربما لم يلقوا ترحيبا حارا بمجرد عودتهم إلى المملكة.

العرب