تطمح سنغافورة إلى التحول إلى مركز عالمي للعملات الرقمية، ولكن نهج “الاحتراز في الشراء” الذي تتبعه لا يعني أنها تسمح بتداول جميع أنواع العملات الرقمية، ولعل ذلك ما أثبته الجدل الذي أثير بسبب العملة الرقمية “بي تي إس” (BTS) المرتبطة بمجموعة “الكي- بوب” (K-POP) الأكثر شهرة في العالم.
وفي تقرير نشره موقع “بلومبيرغ” (bloomberg) الأميركي، نقل الكاتب آندي موخرجي عن صحيفة “فاينانشيال تايمز (Financial Times) أن الهيئة المالية في سنغافورة سحبت في يوليو/تموز الماضي تصريح العمل الذي كانت قدمته لمنصة تداول العملات الرقمية “بيتغيت” (Bitget)، وقد أثارت هذه المنصة جدلا كبيرا بعد الدخول في معركة قانونية بسبب الترويج لعملة “آرمي كوين” (Army Coin)، التي تهدف إلى تمويل فرقة “بي تي إس” (BTS) الكورية مدى الحياة، وقد أنكرت الإدارة العامة لشركة “هايب” (Hybe) المسؤولة عن أعمال الفرقة الكورية علاقة المنصة بالفرقة وهددت باللجوء إلى القضاء.
وأشارت السلطة النقدية في سنغافورة على موقعها الإلكتروني إلى أن منصة بيتغيت التي يقع مقرها في سنغافورة لم تعد تتمتع بالإعفاء من الترخيص بموجب أنظمة خدمات الدفع لعام 2019، دون تقديم توضيحات عن سبب هذا القرار، لكن تقرير الاستقرار المالي السنوي الصادر عن البنك المركزي الأسبوع الماضي، أقر للمرة الأولى بأن “الاهتمام المتزايد بالعملات الرقمية يتطلب فرض مراقبة مشددة”.
وذكر الكاتب أن تزايد الإقبال على العملات الرقمية لا يدعو إلى القلق على المدى القريب، خاصة أن ذروة التداول في العملات الرقمية باستخدام الدولار السنغافوري أقل من 1% من متوسط حجم التداول اليومي في البورصة المحلية، إلا أن الحصة المتزايدة من العملات القائمة على البلوكشين أو سلسلة الكتل (وهي الآلية التي تضمن التحقق من عمليات البيع والشراء) في محافظ المستثمرين يمكن أن يخلق ما يسمى “تأثير الثروة”، كما أشارت السلطة النقدية في سنغافورة إلى أن الاستهلاك قد يكون “عرضة لصدمات كبيرة” بسبب التقلب الذي تتسم به هذه الأصول الرقمية.
سنغافورة تشهد إقبالا متزايدا على العملات الرقمية (غيتي)
ويعتبر السنغافوريون الأكثر ثراء منذ عقد على الأقل، وتمثل العقارات المصدر الرئيسي للثراء بنسبة تقارب 40% من أصول الأسر و75% من الأعباء، وقد ارتفعت أسعار المساكن الخاصة بنسبة 9% تقريبا منذ بداية الوباء، وأدى ارتفاع المدخرات الاحترازية وقلة فرص الإنفاق التقديري إلى تقليص ديون بطاقات الائتمان إلى مستوى منخفض جديد بلغ 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الوقت الحالي، يتجاوز النقد والودائع ديون الأسر بفارق كبير.
بيئة جاذبة
تعتبر سنغافورة بيئة مناسبة لجذب جميع أنواع المنتجات المالية الغريبة، ومع أنها اتخذت قرارا مدروسا بأن تكون لاعبا عالميا رئيسيا في أسواق العملات الرقمية، إلا أنها لا تريد فتح أبوابها على نطاق واسع، ومن بين 170 شركة قدمت العام الماضي طلبات للحصول على تراخيص لتداول العملات الرقمية في سنغافورة، لم تُقبل منها سوى 70 فقط، من بينها الوحدات المحلية لمنصة “كوين بيس” (Coinbase) و”بينانس” (Binance).
ومن بين الشركات الأخرى التي حصلت على ترخيص شركة “دي بي إس” -التي تضاعفت قيمة أصولها 3 مرات في شهر واحد فقط لتصل إلى 600 مليون دولار سنغافوري (440 مليون دولار أميركي) بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبالنظر إلى هذا الإقبال المتزايد، لا بد أن تكون سنغافورة انتقائية بشأن نوع العملات الرقمية التي تُروّج للمستثمرين، وهذا يعني فرض قانون صارم ورقابة مشددة على هذه السوق، أما العملة التي أطلقت بهدف تمويل أعضاء فرقة “بي تي إس” مدى الحياة، فهي تتجاوز حدود نهج “الاحتراز في الشراء” للابتكار المالي.
المصدر : بلومبيرغ