نهاية عام ــ نهاية حقبة!

نهاية عام ــ نهاية حقبة!

لا تعطي أخبار اليوم الأخير من العام 2021 أسبابا كافية للاحتفال الذي اعتاد الناس، في أغلب بقع العالم، على إجرائه لإعلان تفاؤلهم بمقدم سنة جديدة، فيتمنى الناس السعادة والصحة والرخاء لأقاربهم وأصدقائهم.
على الصعيد العربي، تبدو ملفات الأزمات متجهة نحو مزيد من التأزم. لقد أنهت النخب العسكرية والأمنية، بالتعاون مع أطراف سياسية، عمليا، حقبة الثورات، مع انقلابي تونس والسودان (الذي كانت آخر حصيلة للقمع فيه سقوط 4 قتلى وقرابة 300 جريح) وإلى الملف الفلسطيني المفتوح، والتصّدع الكبير في سوريا واليمن والعراق وليبيا، انضاف لبنان، الذي يعاني من أزمة سياسية ومالية مفتوحة، فيما صعد الخلاف الجزائري المغربي إلى ذروة غير مسبوقة.
وعلى الصعيد الإقليمي والعالمي، ورغم إعطاء الأطراف المعنيّة بضع إشارات إلى التقدم في ملف مفاوضات فيينا حول المشروع النووي الإيراني، ومحاولة تركيا موازنة أزمة عملتها ونزاعاتها السياسية الخارجية، وحديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول أمس الخميس، عن «ارتياحه» لاتصال هاتفي من نظيره الأمريكي جو بايدن، فإن التصريحات اللاحقة للإدارة الأمريكية وحلف الأطلسي أظهرت تشددا كبيرا يمكن أن يدفع الأمور، في العام المقبل، نحو مواجهة ستترك آثارا كبيرة على الوضع العالمي.
لا زالت السلالات المتحوّرة من وباء كورونا تنشر الرعب من الموت بين البشر، وتقطّع أوصال العالم، وتدفع السلطات إلى أشكال من تقييد الحركة عبر منع التجمعات الكبيرة أو محاصرة مناطق أو وقف الرحلات الداخلية أو الخارجية، وتستثمر بعض الأنظمة كل هذه القيود لتعزيز سلطاتها، ويلجأ ملايين، في ظل هذا الجو غير المسبوق، إلى نظريات المؤامرات، وتتعزز الأجواء العنصرية ضد الأقليات، والشعوب الأخرى.
لا يعتبر انتشار الأوبئة أمرا مستجدا، فقد عانت البشريّة، على مدار العصور، أشكالا من الجوائح الهائلة التي تحصد حيوات ملايين البشر، لكن ما يميّز الوباء الأخير ارتباطه بمرحلة تتغيّر فيها البشريّة بشكل فريد.
إن إمكانيات الحضارة الحديثة، من إنتاج عدد كبير من اللقاحات القادرة على الحد من تأثيرات الجائحة، هي نفسها التي جعلت من إمكانيات ظهوره وانتشاره إلى كل بقاع الأرض ممكنة.
وضع الوباء نظم الحضارة البشرية أمام مرآة عملاقة ترى فيها أخطاءها الكارثية، ونبهها إلى الخطر الكبير الذي يتهدد كوكب الأرض، سواء عبر الاحتباس الحراري الناتج عن تغوّل الصناعة الحديثة، أو عبر الأسلحة الكيميائية والنووية المرعبة القادرة على تهشيم هذه الحضارات وإنهائها تماما.
نتيجة التطوّر الكبير في وسائل الاتصال البشري الافتراضية، فقد كان من نتائج الوباء الحالي تحوّل منظومات اقتصادية كاملة إلى الاقتصاد الرقمي، وأظهر إمكانيات جديدة لقطاعات اقتصادية هائلة، للعمل عبر الحواسيب والإنترنت، والتجارة الرقمية، وتحويل نظم سياسية واجتماعية وتعليمية إلى رقمية، كما تفعل جمهورية ليتوانيا، التي تحولت إلى بلد رقمي بالكامل، والسلفادور، التي اعتمدت رسميا عملة البيتكوين.
غير أن الصراعات السياسية المستفحلة في كل أنحاء العالم، مدعومة باحساس بعض الدول بالقوة العسكرية والسياسية التي تمتلكها، تكشف أن البشر منهمكون في تطبيق استراتيجيات التسلط، عبر آليات واضحة، كالاحتلال والاستبداد والإبادة، أو عبر آليات سيطرة أخرى، تقبع في جوهرها آليات النفوذ والتسلط تلك.

القدس العربي