كأس العرب ومآل العرب

كأس العرب ومآل العرب

تابعتُ بشغف مع ملايين العرب من الخليج العربى إلى المحيط الأطلنطى فعاليات كأس العرب فى الدوحة بعد تسع سنوات من التوقف وبمشاركة ستة عشر فريقًا، وبالإضافة إلى متعة المشاهدة لشراسة وجدية المنافسة الشريفة بين الشباب العربي, فهناك أوجه عديدة لكأس العرب على رأسها أن الرياضة أداة مهمة للتقارب السياسى بين الدول والشعوب وأنها وبحق عابرة للقارات، لعلنا نستعيد بهذه المناسبة دبلوماسية تنس الطاولة، والتى أدت إلى تقارب أمريكي- صينى تكلل بزيارة نيكسون إلى الصين وتطبيع العلاقة بين الدولتين، وقد بدأ ذلك فى الدورة الدولية الحادية والثلاثين، والتى عُقدت فى اليابان؛ حيث حدث تفاهم وتعاون بين اللاعب الأمريكى واللاعب الصينى المشاركين فى البطولة، وتوالت الزيارات والتفاعلات التى امتدت إلى السياسيين، وفى الوقت ذاته، يمكن أن تستخدم الرياضة كأداة سياسية للانتقام بين الدول، ولعل تلميح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بمقاطعة أوليمبياد بكين 2022 وتهديد الصين لها إن فعلت ذلك لخير مثال حديث لهذا التوظيف.

لقد كشف كأس العرب مدى الحماس الشعبى العربى للمنافسة، ومدى الالتزام الشبابى فى الملاعب بقواعد اللعب الدولية مع بعض الخشونة المعتادة، ولقد رُفعت الأعلام العربية فى استاد البيت وعزفت الأناشيد الوطنية قبل المباريات، وبصرف النظر عن نتائجها, فمن المؤكد أن الرياضيين المشاركين سيخرجون أكثر صداقة وتفاعلاً وتواصلاً وتعاونًا.

وقد دفعنى كل ذلك إلى التفكير فيما آلت إليه الأوضاع العربية خارج استاد البيت، وأنا أدرك تمامًا التطورات والتغيرات التى وقعت فى كل من النظام الدولى والنظام الإقليمى سواء العربى أو الشرق-أوسطي، كما أننى ملم أيضًا بالتغييرات الجذرية فى الدول العربية؛ فالنظام الدولى صار أكثر تفككًا وينفرط عقده يومًا بعد يوم، مما يدفع بالفاعلين الإقليميين إلى محاولة المناورة بين القوى الكبرى التى تديره وتتحكم فيه، ولا شك أن حالة السيولة الدولية تنعكس على النظم الإقليمية، وعلى الدول الوطنية، والنظام الإقليمى الشرق- أوسطى فى حالة ارتباك شديد ينعكس على عدم فاعلية النظام الإقليمى العربي؛ حيث يعتبر من الصعب التنبؤ بما يؤول إليه.

ومن جانب آخر؛ فقد شهدت الدول العربية تطورات مهمة فى بنيانها السياسى والاقتصادى والاجتماعى لم تكن موجودة من قبل؛ ففى الوقت الذى حققت فيه دول الخليج العربية طفرة اقتصادية غير مسبوقة وتحولا واضحا إلى جيل جديد ليس فقط من الحكام، ولكن أيضًا من الكوادر الفنية والمدربة الشابة، نجد أن ثلث الدول العربية صارت إما فاشلة أو معرضة للفشل ومنها دول عربية شقيقة كبرى، ويبدو واضحًا أن الإطار الإقليمى المؤسسى الذى أنشئ عام 1945 لم يعد قادرًا على التعامل مع تلك المتغيرات؛ فعلى الرغم من أن جامعة الدول العربية لا تزال بيت العرب الذى ينبغى دعمه ومساندته وتطويره، فإنها لم تعد تستجيب لطموحات ورؤى الشباب العربى فى عدد كبير من الدول العربية.

وفى الوقت ذاته، تتربص دول الجوار غير العربية المتمثلة فى إسرائيل وتركيا وإيران بالوطن العربى فى مجمله وفى أعضائه، ولم تنكر تلك الدول استراتيچياتها ورؤاها تجاه جيرانها العرب؛ فلكل مصالحه وأطماعه ما بين التوسع الإقليمى وما بين إعادة إمبراطوريات سقطت وخلافة اندثرت، ولعل ذلك يثير سؤالاً مهما يدور حول مآل العمل العربى فى ظل تلك الظروف شديدة الخطورة. أليس من الممكن لم الشمل فى بيت العرب شريطة توافر الحماس العربى الذى شاهدناه فى كأس العرب.

نحن ندرك تمامًا أن السياسة تعنى المصلحة الوطنية أولاً وفوق كل اعتبار لأن رأس الدولة مسئول أمام شعبه عن هذه المصلحة، بيد أننى مؤمن بما لا يدع مجالاً للشك أن المصالح القومية العليا تنسجم تمامًا مع المصلحة الوطنية؛ فالأمن القومى العربى هو حاصل جمع الأمن القطرى للدول العربية كافة، وقد برز ذلك فى تطورات ووقائع حياتية فى تاريخ الأمة العربية كحرب أكتوبر والدور القومى التكاملى للمرحوم الشيخ زايد والمرحوم الملك فيصل ولجميع الدول العربية؛ كالعراق والجزائر والأردن وليبيا وغيرها.

ويقدم الاتحاد الأوروبى لنا نموذجًا ملهمًا، إذ لا تتعارض المصلحة الأوروبية العليا مع مصالح أطرافه المختلفين أصلاً، وفى يقينى أن سيولة النظام الدولى وغموض النظام الإقليمى ستدفع الدول العربية إلى البحث عن مجالات التوافق والتكامل وتحويلها إلى صيغ مؤسسية عصرية تحفظ كيان العرب أمام هجمات لن تهدأ حتى تنال من الأمة العربية، والكرة الآن فى ملعبنا نحن العرب خصوصًا شباب الأمة، هل سنحافظ عليها ونطورها وننميها أم أنها ستسقط من بين أيدينا وتذهب لغيرنا، لدينا من إمكانات التكامل أكثر بكثير مما يتطلبه المستقبل، إذ يمكن إعادة النظر فى بنيان وفاعلية المؤسسات العربية التى نحتاج إليها، وعلى رأسها معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول العربية، والتي، إن تم تفعيلها، ستضع القوة العسكرية العربية على مسرح السياسة الدولية، وهناك المجلس الاقتصادى والاجتماعى العربي، والذى يمكن أن يكون النواة الخصبة للاندماج الاقتصادي، وهناك البرلمان العربى الذى يمكن أن يصير برلمانًا شعبيًا فاعلاً وغيره، المهم فى كل ذلك أن المؤسسات القومية موجودة وأن إصلاحها وتطويرها وتفعيلها وعصرنتها ضرورة وممكنة لأن أغفالها وإهمالها يقودان دول الجوار غير العربية إلى اقتراح منظمات وتجمعات أخرى تضر حتمًا بالمصالح الوطنية للدول العربية والمصلحة القومية العليا، كما أنها تثير القلق بشأن الهوية العربية للنظام الإقليمى لكى ينزوى خلف هويات غامضة وخطيرة.

فى عام 2022، نحتاج إلى إرادة سياسية عربية تعلى من شأننا فى عالم لا شأن فيه للتفكك أو التشرذم أو الانعزال، العالم القادم عالم الكيانات الأكبر والأقوى والمتقدمة تكنولوچيًا وعلميًا واقتصاديًا ناهيك عن القدرات العسكرية الجماعية.

د.عبدالمنعم المشاط

صحيفة الاهرام