إيران والغرب… لعبة شد الحبل النووي

إيران والغرب… لعبة شد الحبل النووي

في ديسمبر (كانون الأول) 2009، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والستين، عن قرار اتُّخذ بالإجماع يعتبر يوم 29 أغسطس (آب) يوماً دولياً لمناهضة التجارب النووية. ودعا القرار إلى زيادة الوعي والتثقيف لإيقاف هذه التجارب الخطيرة، بهدف إيجاد عالم خالٍ من الأسلحة النووية.
ولم تكتفِ الجمعية العامة بذلك القرار، فحددت يوم 25 سبتمبر (أيلول) يوماً دولياً للإزالة الكاملة للأسلحة النووية. لكن الأمم المتحدة لم تحتفل باليوم الدولي للإزالة لأول مرة إلا في سبتمبر 2014. وما شجع على التفاؤل ظهور «بيئة عالمية» ذات آفاق واسعة ومشجعة، ليست ضد التجارب النووية فقط، وإنما لتنظيف الأرض من أي نشاط نووي يشكل مخاطر لا تنتهي على الحياة فوق سطح هذا الكوكب الجميل.
النيات وحدها، بطبيعة الحال، لا تكفي. صحيح أن الجمعية العامة للأمم المتحدة دعت في قرارها إلى بذل كل جهد ممكن لإنهاء التجارب النووية، من أجل تجنب الآثار المدمرة والضارة على حياة وصحة الناس، وإقامة عالم يخلو من هذه الأسلحة التي لا تزال اليابان تعاني من آثارها بعد 77 عاماً من إلقاء قنبلتين في أواخر الحرب العالمية الثانية، من قبل الولايات المتحدة، على هيروشيما وناغازاكي.
مرة أخرى أقول إن النيات الطيبة وحدها لا تكفي، فلا بد من الالتزام؛ ليس فقط بحظر تجارب الأسلحة النووية التي تهدد الحياة على الأرض؛ بل بوقف توسع الدول التي تسعى إلى امتلاك هذا السلاح التدميري الشامل. وبدلاً من أن يعمل «الصالون النووي» في قصر كوبورج في العاصمة النمساوية فيينا، على إرغام إيران التي تتبنى مشروعات إرهابية دولية خارج حدودها، كما في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين والخليج العربي والبحر الأحمر، نراه «يطبطب» على أكتاف المفاوضين الإيرانيين، ويتوسل إليهم للموافقة على «إحياء الاتفاق النووي» الموقع في عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأطاحه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
ويعرف المفاوضون الإيرانيون ومجموعة «5+1» (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين) أن طهران تعرقل المفاوضات، وتسوِّف الوعود، وتحرق الزمن، في محادثات عقيمة من جلسة إلى جلسة أخرى، حتى وصلت إلى 8 جلسات أو أكثر من بداية الصيف الماضي إلى اليوم. بل إن طهران فاجأت «الصالون النووي» بإطلاق صاروخ باليستي إلى الفضاء، لإجراء بحوث «استراتيجية». ودائماً تفتعل إيران تعقيدات وعراقيل لتأجيل الجلسات، ومدِّ أمد المفاوضات إلى ما لا حدود زمنية له، بينما تقترب طهران من صنع القنبلة النووية؛ ربما خلال العام الحالي، إذا لم تبادر إسرائيل إلى تنفيذ تهديداتها بتدمير المفاعلات؛ خصوصاً أن التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية تشير إلى أن إيران «على بعد 8 أسابيع من تطوير أسلحة نووية».
وأغرب ما يحدث في هذه الجولات من المفاوضات النووية، أن الولايات المتحدة لا تشارك فيها، وإنما تلعب دور «المراقب»، بعد أن هددت إيران بعدم المشاركة فيها إذا حضرت واشنطن، إلا إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن النظام الإيراني مسبقاً!
منذ أول تجربة نووية في عام 1945، جرت أكثر من ألفي تجربة في «سباق التسلح النووي» الذي أصبح معياراً للتطور العلمي أو القوة العسكرية، من دون أي حساب للآثار المدمرة لهذه التجارب على حياة الإنسان، والتداعيات النووية في البيئة والمناخ والتلوث.
ومن المفيد أن نطَّلع على قائمة الدول النووية؛ حسب مخزوناتها، وعدد الرؤوس النووية التي تمتلكها:
تنقسم الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى قسمين؛ أولهما يعترف رسمياً بامتلاكه هذه الأسلحة، وهي: روسيا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والصين. وثانيهما دول تمتلك هذه الأسلحة؛ لكنها لا تعترف بامتلاكها رسمياً، وهي: إسرائيل، وكوريا الشمالية، والهند، وباكستان. وتشير إحصائيات «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، وهو جهة موثوقة عالمياً، إلى أن إجمالي عدد الرؤوس النووية في العالم في السنة الماضية هو 13 ألفاً، و80 رأساً نووياً، بينها 3823 رأساً نووياً مُعَدّاً للإطلاق.
وبالأرقام أيضاً، تمتلك الولايات المتحدة 5550 رأساً نووياً، بينها 1800 رأس مُعَد للإطلاق في العام الماضي. أما روسيا فتمتلك 6255 رأساً، بينها 1625 رأساً معداً للإطلاق في العام الماضي. بينما لدى بريطانيا 225 رأساً، بينها 120 رأساً معداً للإطلاق. وتمتلك فرنسا 290 رأساً نووياً، بينها 280 رأساً معداً للإطلاق. وتمتلك الصين 350 رأساً في العام الماضي، ولا توجد معلومات عن رؤوس نووية مُعدة للإطلاق. وكذلك لا تتوفر معلومات عن رؤوس نووية في الهند معدة للإطلاق، من مخزونها البالغ 150 رأساً نووياً. بينما تمتلك باكستان 165 رأساً، ولا معلومات عن رؤوس معدة للإطلاق. ونصل إلى إسرائيل، والرقم المسجل الذي تمتلكه 90 رأساً نووياً، وهي لا تكشف عدد صواريخها المعدة للإطلاق. وأخيراً كوريا الشمالية، ولديها حسب تقديرات غير رسمية بين 40 و50 رأساً نووياً في العام الماضي، وهي أيضاً لا تكشف عن أعداد الرؤوس المعدة للإطلاق.
ليس هذا فقط؛ لكن «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام» لديه إحصائية أخرى عن خمس دول، بإمكانها إطلاق قنابل نووية، رغم أنها ليست دولاً نووية، بموجب اتفاقية بينها وبين الولايات المتحدة، يعود تاريخها إلى القرن الماضي، وهي دول أعضاء في حلف الأطلسي (الناتو)، وتضم: تركيا، وبلجيكا، وهولندا، وألمانيا، وإيطاليا. وتوجد في قواعدها العسكرية عشرات القنابل النووية، بناء على برنامج مشاركة هذه الأسلحة مع الولايات المتحدة.
وللتذكير فقط: كان العراق يمتلك مفاعلاً نووياً قيد الإنشاء، فرنسي الصنع، يحمل اسم «مفاعل تموز»، وتعرض لقصف جوي إسرائيلي في يونيو (حزيران) عام 1981، خلال الحرب العراقية – الإيرانية، في عملية حملت تسمية «أوبرا». وبذلك قدَّمت إسرائيل أكبر مساعدة عسكرية لإيران في العام الثاني للحرب. ولولا ذلك العدوان الإسرائيلي على المفاعل العراقي، لما شاهدنا الصورة الحالكة للعراق ونظامه الحالي الموالي لإيران؛ لأن الولايات المتحدة كانت ستفكر أكثر من مرة قبل قصف العراق، كما تفعل منذ سنوات إزاء النظامين الإيراني والكوري الشمالي.
أما عن الموقف العربي من السباق النووي، فإن بعض الدول العربية تسعى لاستخدام المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، ومن بين تلك الدول: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، والأردن. وكانت مصر قد بدأت في بناء أول مفاعل نووي عربي في الستينات من القرن الماضي، وقد خسرت في صراعها الطويل ضد إسرائيل باقة من ألمع علماء الذرة، تم اغتيالهم من قبل «الموساد» في دول مختلفة. كما خسر العراق ولبنان وفلسطين علماء قديرين في ظروف غامضة، حَصرت الاتهامات في عملاء «الموساد». كانت إسرائيل – ولا تزال – تلاحق العلماء العرب العُزل من أي حماية في دول أجنبية، لتغتالهم في الغرب، بينما تتولى الميليشيات الموالية لإيران اغتيال آلاف من علماء العراق في الطاقة النووية والعلوم الأخرى.
في السنوات الخمس الأولى من تولي الدكتور محمد البرادعي رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كانت للعراق قبل 2003 تحفظات على عمله، لغموض بياناته بشأن ما يسمى البرنامج النووي العراقي، الذي تم قصفه من قبل إسرائيل في عام 1981، وكان يتخفى خلف عبارات مطاطة من نوع: «مهمة غير منجزة»، و«أسئلة معلَّقة»، و«وثائق ناقصة»، وهو يعلم جيداً أنه ليست هناك مهمة غير منجزة، ولا أسئلة معلقة، ولا وثائق ناقصة، من قبل العراق. وثبت ذلك رسمياً حتى من قِبَل الولايات المتحدة بعد احتلال العراق في 2003، ولم يجدوا أي نشاط نووي أو كيماوي أو بيولوجي على الإطلاق. كانت أكاذيب تم ترويجها من قِبَل مسؤولين أميركيين، اعترفوا بعد الاحتلال بأن تقاريرهم كانت غير صحيحة.
الخلاصة: لا الولايات المتحدة، ولا روسيا، ولا كل الدول التي تسعى لإنتاج أسلحة نووية، تستطيع التعامل مع العواقب الكارثية لأي قنبلة نووية. وهذا ما يفسر هذه المفاوضات الطويلة في فيينا؛ حيث تجري مباراة «شد الحبل النووي» بين إيران ومجموعة «5+1» على أنغام سيمفونيات بتهوفن

الشرق الاوسط