اثار التدهور المتسارع في الأوضاع الأمنية وتصعيد العنف السياسي، مخاوف لدى العراقيين والمراقبين من وجود نوايا لبعض الفصائل والأحزاب الخاسرة في الانتخابات واستعدادها لإشعال حرب أهلية في البلد لفرض نفسها بالقوة على اي حكومة مقبلة.
وبناء على ملامح المرحلة المقبلة للعملية السياسية، يبدو واضحا ان التيار الصدري وحلفاءه قرروا المضي في تشكيل حكومة أغلبية حتى وان لم تشارك فيها الفصائل والأحزاب الخاسرة في الانتخابات، وهو الأمر الذي لا يمكن للفصائل ان تقبل به بأي حال من الأحوال، والذي يمكن ان يدفعها إلى إشعال الوضع الأمني للضغط من أجل عدم إقصاءها من الحكومة، حسبما أعلنه قادة الفصائل بأن ثمن استبعادهم من السلطة هو تهديد السلم الأهلي.
ولم تقتصر تهديدات الفصائل وهجماتها المتعددة على حلفاء الصدر، بل امتدت إلى الولايات المتحدة. إذ ان قيس الخزعلي قائد ميليشيا العصائب، هدد القوات الأمريكية بحرب مفتوحة معها «إذا قصفت الفصائل الشيعية المسلحة التابعة للحشد الشعبي» مدعيا إن لديه معلومات عن وجود مشاريع وإرادات دولية تريد استغلال نتائج الانتخابات لدفع القتال الشيعي. وكشف الخزعلي أن العديد من الفصائل الشيعية المحسوبة على ما اسماها بـ «المقاومة» باتوا قادرين على تصنيع أسلحتهم وخاصة الطائرات بدون طيار، لذلك إذا قرر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني في يوم من الأيام قطع الدعم، فإن هذا لن يؤثر على قدرات الفصائل. وهذا التصريح، اضافة إلى تصريحات ومواقف الفصائل الأخرى، أكدت صحة المخاوف من ان تساهل حكومة بغداد في التصدي للفصائل المنفلتة سيزيد من قدراتها يوما بعد يوم، مع تجدد الدعوات لحكومة عراقية قوية، تتمكن من نزع السلاح المنفلت للفصائل الولائية التي تعمل خارج الحشد الشعبي، والتي تصر على تحدي الدولة.
وقد جاء رد الصدر على تصعيد الفصائل، عبر حسابه على تويتر، قائلا: «لجأت بعض القوى السياسية المعترضة على الانتخابات سابقا وعلى حكومة الأغلبية الوطنية حاليا إلى القضاء العراقي وهو أمر قانوني متاح للجميع، أما أن يلجأ بعض المحسوبين عليهم إلى العنف واستهداف مقرات الأحزاب الموالية لحكومة الأغلبية فهذا أمر لا يرتضيه العقل والشرع والقانون». وشدد «على العقلاء منهم المسارعة في كفكفة غلواء هذه الجماعات الغوغائية وكبح جماحها» وان «ليس على مدعي المقاومة أن يستهدف العراقيين» داعيا «الحكومة لاتخاذ أشد التدابير الأمنية والإسراع في كشف فاعليها» ومحذرا «إننا نقول ذلك لا ضعفا أو خوفا فالكل يعلم من نحن لكننا نحب الوطن والشعب ولن نعرضهم للخطر والاستهتار».
وجاءت تغريدة الصدر بعد إلقاء مجهولين قنابل على مكتب نائب رئيس البرلمان شاخوان عبد الله (كردي) إضافة إلى هجمات مماثلة على مكاتب كتلتين سنية، وعلى مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، ومكتب النائب عبد الكريم عبطان عضو تحالف «تقدم» وغيرها من الهجمات. وإضافة إلى معاودة قصف المنطقة الخضراء وقواعد عسكرية فيها مستشارون دوليون، فقد أعلنت العديد من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، عن تأييدها للهجمات الحوثية الأخيرة على الإمارات وما نجم عنها من ضحايا بين المدنيين والمنشآت الاقتصادية، ولتؤكد بذلك الفصائل المنفلتة تصاعد تحديها للدولة واستهتارها بمصالح العراق وعلاقاته خدمة للأجندات الإقليمية.
وكان رئيس الجمهورية برهم صالح، انتقد الهجمات واصفا التفجيرات الأخيرة التي طالت بغداد، بأعمال إرهابية إجرامية مدانة، تهدد أمن واستقرار المواطنين والبلاد، وأنها «تأتي في توقيت مريب يستهدف السلم الأهلي والاستحقاق الدستوري بتشكيل حكومة مقتدرة حامية للعراقيين وضامنة للقرار الوطني المستقل».
ولا شك ان تصعيد الفصائل للهجمات له مبرراته وأسبابه، التي أبرزها محاولة فرض إرادتها وإجبار الجميع على عدم إقصاءها عن السلطة حتى ولو رفضها الشعب عبر خسارتها في الانتخابات. ويأتي ذلك عقب فشل الحوار والاجتماعات المتعددة بين فصائل «الإطار التنسيقي» مع الصدر وقيادات كردية وسنية، والتي يبدو يبدو ان نتائجها لم تغير حتى الآن من عزم الصدر على تشكيل حكومة أغلبية لا مكان فيها للقائدين الشيعيين زعيم حزب الدعوة نوري المالكي وقائد ميليشيا العصائب قيس الخزعلي، بسبب خلافات عميقة بين الطرفين حول إدارة الحكومة وقيادة الشارع الشيعي والتبعية. وحتى جهود الوساطة ومحاولة توحيد أطراف البيت الشيعي، التي قام بها قائد فيلق القدس في الحرس الإيراني اسماعيل قااني، خلال زيارته المفاجئة إلى العراق، يبدو انها لم تثمر عن حسم خلافات البيت الشيعي بعد وصول الحوار إلى طريق مسدود. مما أكد ضعف تأثير قااني ونفوذه على الفصائل والقوى الشيعية كما كان يفعل الجنرال قاسم سليماني أو ربما لوجود اتفاق مسبق بينها.
وعدا حرص الفصائل على المشاركة بالحكومة للتمتع بالامتيازات المالية الهائلة، فإنها تخشى ان تعمد الحكومة المقبلة إلى لجم سلاح الفصائل المنفلتة التي تعمل خارج الحشد، وان تحد من تورطها في صفقات الفساد أو الانخراط في الحروب الأهلية في بلدان عربية ضمن المخطط الإقليمي. وبالتالي فإن الفصائل اختارت تصعيد العنف والتوترات الأمنية لإجبار الصدر على عدم تجاهلها وإشراكها بالحكومة المقبلة، مع حرصها ان لا تشمل الاعتداءات والهجمات، التيار الصدري لعلمها ان التيار لديه جناح عسكري وقاعدة شعبية شيعية كبيرة، لذا فالتصادم معه لن يكون مأمونا.
وفي خضم تضاد الإرادات بين نية الصدر تشكيل حكومة أغلبية لا وجود فيها للفصائل المنفلتة، وبين تمسك تلك الفصائل بكونها قوة موازية للدولة ومستعدة لاستخدام أنواع الأسلحة لفرض وجودها على المشهد العراقي، تبدو احتمالات التدهور الأمني غير مستبعدة، خاصة انها ترتبط باستحقاقات إقليمية إبرزها تعثر المحادثات الإيرانية الأوروبية النووية.
القدس العربي